أقلام حرة

الهجرة في زمن العودة ... / حسن حاتم المذكور

وكان عليهم إن يتحملوا تبعات الغربة ورفض الإغراءات والضغوطات النفسية والمعنوية والمادية، التي تفرضها عليهم أجهزة النظام ومنظماته المأجورة، كانت عقود مضنية، جعلتهم يتفائلون خيراً بعد السقوط عام 2003، املاً بإحداث انفراجاً شاملاً، خاصة وان التغيير كان بإرادة خارجية.

لا نريد التطرق إلى تفصيلات الطريقة التي تعاملت بها إطراف العملية السياسية مع ملف المتراكم من مظلوميات الجاليات العراقية في الخارج، حيث كتب عنها الكثير، اكتفي هنا بإضافة تجربة شخصية، هي جزء من ظاهرة غطت رفوف الإجحاف الذي لحق الجاليات .

الجميع يعلم وكذلك المسؤولون، أن الطريقة التي تم بها تهجير وهجرة الملايين كانت قاسية جردتهم من كل ما له علاقة بشخصيتهم، وان اغلب الوثائق والمستمسكات التي يحملوها، ليست على ما يرام .

أن حالة اليأس وفقدان أمل العودة، جعلهم يكيفوا جل اهتمامهم للحصول على إقامة اللجؤ والتجنس، وهذا الأمر يجب ان تتفهمه الحكومة، خاصة وان اغلب المسؤولون كانوا جزءً من المعاناة .

تجربة عشتها وثلاثة زملاء جرفتنا رغبة العودة والبحث عن حد مقبول من الحقوق، بعد ثلاثة اشهر من تخمة الإذلال والمهانة وحالة اقرب إلى التشرد، إلى جانب الاستنزاف المادي داخل الدوائر الحكومية، قرر احدنا أن يتأبط وثائقه ومترجماته والمنجز من إثبات عراقيته ويهاجر عودة إلى ألمانيا، بعد أربعة اشهر تقريباً، استدان الآخر تكاليف الهجرة ثانية إلى حيث شيء من الكرامة والدعة في المهجر، شخصياً، استهوتني الدهشة والفضول وانا الآن على أبواب الشهر الخامس مهاجر في بغداد، ابحث عن ذاتي بعد أن أثبتت لي الدوائر الحكومية، على إني ليس أكثر من ورقة مستنسخة عن هوية كانت يوماً عراقية .

سؤال ملعون وضع إصبعه في عيني ... ؟؟؟؟

من إنا ( نحن ) ماذا افعل هنا ... وهل حقاً تلك هي بغداد التي كانت يوماً اصلي وفصلي ... ؟؟؟ .

كانت معارضتنا للنظام ألبعثي متاعنا الروحي وفيتامين شخصيتنا، ماذا سيكون شعورنا الآن ونحن ندفع ثمن عودتنا إضعاف ما كلفتنا هجرتنا ... ؟؟؟ .

هاجر صديقي العائد إلى ألمانيا وخيبة الأمل ولوعة الإحباط على عيونه .

ـــ " هل نصدق هذا الذي نراه ... لم أصادف في حياتي اذلالاً ومهانة كالتي إنا عليه الآن ... " .

ــــ " العراق بريء ... انه الآخر مهاجر في ذاته، ومهما تغيرت الوجوه، فالسرج لا زال على ظهره ... وليس لدينا خيار إلا أن نكون إلى جانبه " .

كل ما أستطيعه بعد قرار عودتي إلى برلين، أن الخص بعض الملاحظات كرسالة مفتوحة لبنات وأبناء الجاليات العراقية في الخارج .

1 ـــ الدولة ــ الحكومة ــ أشبه ببناية ذات طابقين مفصولين عن بعضهما تماماً، العلوي منها للأكابر، مفتوح الأبواب لأصحاب المعاملات الخاصة، لا يحتاج المراجع إلا المتوفر من الوثائق ليحصل على كامل حقوقه وزيادة، إما الطابق الأرضي ( السفلي )، فمن يدخله يخرج من جحيمه منتوف الريش نفسياً ومعوياً ومادياً .

2 ـــ يفاجأ المراجع ( العائد )، أن كلفة العودة إلى الوطن تبلغ إضعاف كلفة الهجرة عنه، وان مقارنة معاناة الغربة مع عودة تخضع لشروط المجازفة في مغامرة معاملات يخسر فيها مادياً ومعنوياً وليس قليلاً من كرامته، يفضل قدر الغربة مغموساً ببقايا عشقاً لمدينة ووطن وذكريات لا زال الحنين فيها طرياً .

3 ـــ أحيان يفاجئك الموظف بأسئلة مهينة " ها يابه وين جاي ... للعراق العظيم ... ما عندك عقل .. عمي لا تجيب عائلتك وياك ... تره تتندم .. الخ .. " يستنتج المراجع (العائد)، ان الموظف لا يمثل وظيفته او انه ينتمي الى زمن سابق ولديه دوافع واسباب كافية للبحث داخل الأضبارة عن ثغرات تعجيزية يستطيع فيها انهاك المراجع .

4 ـــ إطراف العملية السياسية، وبالقدر الذي هم منفتحون على بعضهم من داخل حكومة الشراكة، هم منغلقون بوجه الشارع العراقي، وان المسؤولون عن ملفات المغتربين، يتعاملون معها وكأن المغترب ورقة استنساخ لا يشكل إهمالها او إلغائها مشكلة اجتماعية ذات أهمية، أو أنها جزء من خارطة وطن مرمية على أرصفة لجرائد قديمة .

5 ـــ انطباع : لا معنى للمكابرة في تجاهله، يشعر فيه المغترب (العائد) وكأن قسوة التعامل معه داخل الدوائر الحكومية وتجاهل أصحاب القرار لقضيته (معاناته)، تشكل جدارية على سعة الوطن، على أبوابها إعلان : قف ممنوع الدخول ... فنحن اللذين نملك العراق الآن، لا نرحب بك، فأنت لا زلت ذات الذي تهدم أفكاره ومواقفه ذاك الذي ورثناه ومن واجبنا حمايته منك، كفاءات ونزاهات وصدق انتماء قد تضرب العمق وتفجر المتبقي من (بالوعـة) البعث من تحت سطح العملية السياسية .

واخيراً : إن دفاع الجاليات العراقية عن حقوقها المشروعة، يشكل الآن جزءً من الحراك الديمقراطي داخل هامش الحريات المتوفر، ولا يمكن له إن يعطي ثماره من دون التنسيق مع منظمات المجتمع المدني المستقلة والحركة الجماهيرية في الداخل، ويبقى هدف التغيير من داخل صناديق الاقتراع للانتخابات القادمة، القاسم المشترك بين قوى التحرر والديمقراطية داخل وخارج الوطن، ولا يمكن لهذا الانجاز الوطني إن يتحقق إلا إذا اندمجت القوى الخيرة داخل تيار المشروع العراقي .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2059 الاربعاء 14 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم