أقلام حرة

حزب الدعوة الإسلامية...مصير مجهول

ان تعرف مصير تلك الأحزاب التي تتناحر وتتصارع فيها الإرادات والقيادات المتكتلة داخليا، فما عليك سوى الرجوع إلى تأريخ الأحزاب المنشطرة والمنشقة عن القواعد الرئيسية المشتركة معها في الطرح والمبادئ والنظرية السياسية أو الفكرية

إن التجربة المرة التي خاضها حزب الدعوة الإسلامي منذ مراحله الأولى المتمثلة أصلا في الطريق الذي سارت عليه القيادات المؤسسة للحزب، حيث كان عليها ان تقتحم عقبة الحوزة الدينية الرافضة لمبدأ الصدام والصرع السياسي مع السلطة او السماح لطلابها في الدخول في أي تنظيمات سياسية إسلامية كانت أو وطنية، ومن ثم الدخول في مرحلة المواجهة وتحمل قائمة ضريبة الدم والتعرض لشتى انواع المعاناة والظلم والملاحقات والإعدامات التي شرعت بأثر رجعي من قبل نظام البعث البائد، حتى كاد الحزب ان يفقد اغلب بل يمكن إن نقول جميع قياديه الأوائل، بعد ان تجرأ البعث البائد وأقدم على ارتكاب جريمته النكراء بإعدام المرجع والمفكر الإسلامي الحركي السيد محمد باقر الصدر قدس سره، وماتلته من إعدامات ومجازر بحق كل الوطنيين والإسلاميين طالت حتى المتحالفين معهم، كان قصر النهاية شاهد للتأريخ على تلك الأفعال الشنيعة الغير أخلاقية والبعيدة عن حتى عن أخلاق الجاهلية والعصبية الأولى

ولم تكن تجربة الحزب في المنفى اقل تعقيدا وصعوبة، وخاصة بعد إن انتقل مجبرا بثقله وعمله السياسي إلى المحيط الإقليمي للدول المجاورة (إيران وسوريا)، ففي رحلة الحصار السياسي ومساره الجديد الذي مورس بقوة حتى من قبل تلك الدول التي احتضنت الحزب والحركات السياسية الأخرى، مما اضطر الكثير من القيادات والشخصيات السياسية إن تبحث عن منفى جديد لاتخاف من أوامره واملاءاته وتقلبات سياساته الخارجية والداخلية، فجمد العديد من قيادات حزب الدعوة من نشاطاتهم السياسية وابتعد آخرون عن تلك الأعباء وعن الاستمرار في تحمل الواجبات والمسؤوليات الحزبية المطلوبة منهم، وبقي منهم من عشق طريق ذات الشوكة واقسم إن يكمل مشوار هذا الطريق مهما كانت العقبات والصعاب والتضحيات التي تحتاجها تلك الرحلة الشاقة

ولكنها الكعكة الأمريكية التي تسقط معها أحياننا القيم والمبادئ وحتى الأخلاق، وهكذا يقول بعض الدعاة الذين اثروا البقاء بعيدا عن مشهد التقسيم والتوزيع السياسي الجديد، الذي فرضته الإرادة الأمريكية المتحكمة بالمشروع الديمقراطي العراقي، فأصبحت سنة المحاصصة والتوافق السياسي هي سمة من سمات كل الحركات والأحزاب والكتل المشاركة في العملية السياسية الجديدة، وهنا تحولت بعض القيادات الحزبية إلى كتلة شخصية داخل حزبها لها بعض الأصوات والإتباع الذين شروا أصواتهم من خلال منحهم وظائف مهمة وعادية للآخرين في زمن انعدمت فيه الوظائف والتعيينات إلا بواسطة أو رشوة أو سطوة سياسي

لااحد يفكر بإعادة بناء الأسس والقواعد الأساسية للدولة الحديثة، ولم تكن في مخيلة قيادات ومرجعيات الأحزاب الإسلامية أية أطروحات واضحة للمشروع الديمقراطي-الإسلامي الصحيح، بل أثرت الانجرار خلف التصرفات الفردية لبعض قيادات هذه الأحزاب، مما أدى إلى عزوف متصاعد للجماهير عن متابعة ومناصرة أفكارها ونشاطاتها، حتى بات يقال في الأوساط الشعبية إن كثرة انتشار الظواهر الاجتماعية المنحرفة لدى الشباب وابتعادهم عن الالتزام الديني، جاء نتيجة رد فعل عنيف تجاه التجارب الفاشلة لدى بعض رجال الدين المحسوبين على بعض الأحزاب والتيارات الدينية البعيدة عن صورة الإسلام الحقيقي، وان خضوعهم وتقاعسهم عن محاربة الفساد المالي والإداري إلا دليل على الفائدة التي يجنوها من كل تلك الخروقات المشخصة من قبل الجماهير المتابعة لتلك الأفعال المسيئة لصورة تلك الأحزاب، حتى وان كانت تلك الأفعال خارج دائرة حساباتهم وأنظارهم

 

لقد احتكرت بعض القيادات النفعية في حزب الدعوة الإسلامي القرار السياسي الرسمي، وصادرت دماء الشهداء وحقوق ضحايا النظام البائد من مؤيدي الحزب والتيار الإسلامي عموما، وأصبحت المنافع الشخصية والعائلية والفئوية سمة من سمات تلك القيادات، ولينظر الدعاة قبل غيرهم لأسماء القوائم المرشحة في الانتخابات النيابية القادمة (دولة القانون)، ليرى كيف تم ترشيح واختيار الأسماء المقدمة للمفوضية وعن تجربتهم وخبرتهم في التجربة الديمقراطية الحديثة، والطامة الكبرى في اختيار الكادر النسوي المرشح لهذه القائمة ليفاجئ تحت أية قاعدة تم اختيارهن

إن أسلوب الانغلاق والقفل على رأي العراقيين على بعض بيوتات الحزب، سوف تسير بحزب الدعوة إلى المصير المجهول، الذي سيقضي على هذا التأريخ العريق المخضب والمعبد بدماء أطهر شهداء العراق، ولن يستطيع احد إن يعالج تبعات تلك الصدمة، أو أن ينهض بركام ومخلفات تلك الأزمات التي يتحدث عنها الدعاة أنفسهم المبعدين عن الواجهة السياسية

 

مهدي الصافي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1259 الخميس 17/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم