أقلام حرة

التهرب من المواجهة!

منى زيتوناستشارة: كنت متزوجة لفترة قصيرة من رجل طيب القلب حنون وعطوف وكريم، انفصلت عنه منذ ستة أشهر، لأنه وإضافة إلى عدم تقديره لي فقد كنت أشك أنه يتلاعب مع أُخريات، رغم أنني جميلة ومحترمة، والجميع يحسده عليّ.

بعد الانفصال بثلاثة شهور، لم يفكر فيها أن يخطو أي خطوة للاعتذار وإصلاح العلاقة، علمت أنه يتودد إلى أُخريات، ثم التقينا صدفة منذ شهر، وواجهته بأنني أعرف بتصرفاته خلال فترة انفصالنا، والعجيب أنه لم ينكر، رغم إظهاره التودد الشديد إليّ أثناء اللقاء!

كما أشعرني كأنه متأكد من أنني أحبه ويظن أنني لن أتزوج غيره، وأنه يمكن أن يعود في أي وقت وسيجدني ماكثة في انتظاره! وعليها فهو ليس متعجلًا في طلب العودة، بل وربما كان مستمتعًا بفترة الانفصال كي تزوغ عيناه بلا رقيب.

بدا لي أيضًا أنه يتصور أن ما قاله في حوار الصدفة هذا كافٍ من جهته، وأن عليّ أنا اتخاذ الخطوة التالية كي يصلح العلاقة، لأن كبرياءه يمنعه من التقرب مني ما لم يتأكد أولًا أنني موافقة!

وأشد ما يحزنني في الأمر أنني أشعر أنه يتعامل معي كخيار ضمن خيارات متاحة، وهو ما يعني أنه لا يحبني حبًا حقيقيًا كما كنت أظن.

كل ما سبق يكفي لأخلعه نهائيًا من رأسي، لكنني في ذات الوقت، على يقين أن هناك من أصدقائه وأقاربه من يملأون رأسه بكثير من السوء عني، وهو إنسان طيب القلب، ولطيبته الزائدة يظن أن الناس ينصحون له بالخير، وليس فيهم خادع غير أمين. وأثق أن هؤلاء يحركون كبرياءه في الاتجاه الذي يؤدي إلى قطع علاقته بي، ويمنعونه من اتخاذ أي خطوة قد تصلحها، وهم من يحثونه على أن يخطو نحو امرأة أخرى. وربما كان هذا هو الشيء الوحيد الذي يجعلني أشك أنني مخطئة، وأنني أسمح لهؤلاء الحثالة بالتلاعب بحياتي وأقف متفرجة.

ولن أخفي عليكِ الأمر، فهناك من يحاول التقرب مني ويحاول عرض الزواج، ولكني لا زلت أصده، ولا أتيح له الفرصة، لأنني لا أريد أن أكون ممن ينه عن خلقٍ ويأتي مثله.

فهل أنا مخطئة؟ وهل هناك ما يتوجب عليّ فعله في علاقتي بطليقي؟ أم أن الحق معي في الابتعاد؟ وهل أبدأ التفكير في عرض الزواج المقدم لي؟

***

قلت:

طليقك، وبالرغم من أنني أعرف أن عينيه زائغتان وليستا مستقرتين في رأسه، إلا أنه يحبك، وأراه يتلاعب لسبب آخر، وهو لأجل عدم مواجهة نفسه وعدم مواجهتك؛ فهو يتهرب من مواجهة مشكلات الماضي، ولا يدرك أنه يسير في طريق وعرة، ويتهرب من إصلاح خطأ ليقع في خطأ أكبر، ومعارفه هؤلاء الذين يوجهونه نحو غيرك قد يفلحون معه، ما دمتي لا تفعلين شيئًا، وما دام هو على هذه الدرجة من إحسان الظن بهم مع سوء خلقهم.

دائمًا أقول إن هناك عوامل تتراكب معًا تؤدي إلى خسارة الطيبين فرصهم الحقيقية في الحياة أكثر من غيرهم، وأهمها تلك الطيبة الزائدة وإحسان الظن الزائد بأناس يبثون الشكوك في نفوسهم تجاه ما فيه نفعهم، ويُحسِّنون إليهم ما فيه ضررهم، ويحركون كبرياءهم نحو الاتجاه الذي يؤدي إلى خسارتهم! إلى درجة أنهم يتركون ما يقودهم الحدس إليه. ولو أحسنوا اختيار المقربين منهم وموضع مشورتهم لأفلحوا.

والعامل الثاني بعد الطيبة الذي يؤدي لإضاعة هؤلاء لفرصهم الثمينة في الحياة، هي الكبرياء الزائفة، والتي لولاها لما صعب عليه التقرب منكِ مرة أخرى، وإعادة المياه إلى مجاريها، إلى درجة تفكيره في الاقتران بأخريات بعد شهور من طلاقكما، بدلًا من أن يتوجه جهده إلى إصلاح علاقتكما، بل سعى سريعًا نحو غيرك، رغم أن جميع من يعرفكما يعلمون كم يحبك، وأنه لا وجه للمقارنة بينك وبين أي ممن يقربهن إليه الخبثاء في محيطه.

هناك أيضًا إشكالية المفاهيم التي توجد في عقل كل منكما عن فترة ما قبل الزواج، فكل منكما يتحدث لغة غير الآخر، أنت تهتمين بالعادات والتقاليد، وتضعين حدودًا مع الرجال الغرباء، وتعتبرينه غريبًا عنكِ الآن، وهو يستمتع كثيرًا بالحب والرومانسية خارج إطار الزواج، وهذا يسهل على الخبثاء فكرة إقناعه بالتقرب لغيرك، ممن لا تُقارن بكِ، لأنها تتلهى معه، والعاقل ينتقي لنفسه الزوجة الصالحة المحترمة، لأن اللهو في النهاية سيكون من نصيبه بعد الزواج، لكن هناك من يتعجله!

يذكرني هذا بمثل كانت جدتي رحمها الله تقوله، وهو: "اللي يتبتر على الهانم، يمسح جوخ لمسّاحة السلالم"؛ فبينما يخشى على كرامته الانجراح عند التعامل مع كوامل النساء، نجده يتبذل مع من لا تصلن معشار قيمتهن. والأمر أشبه بمن يواجه سورًا مرتفعًا، يعلم أن وراءه مرجًا أخضر. إذًا هناك خطوة واحدة تفصله عن السعادة، وهي اكتساب الشجاعة اللازمة لتخطي السور، لأنه ما لم يكتسب تلك الشجاعة لن يصل المرج. فإما أن يقرر أن الهدف يستحق فيبادر ويخطو ويصل، وإما أن يرضى بما هو أقل مؤثرًا ما تصوره الراحة. ومن لا يقدر قيمة الماس ويسعى إليه، يستحق الزجاج.

لكن أيضًا علينا ألا ننسى أن الثقة إذا جُرحت مرة فمن الصعب التئامها، فكيف الحال والجرح يتجدد بينكما قبل أن يلتئم سابقه؟!

وللحق فأنا أرى أن إعادة بناء الثقة في مثل هذه العلاقة أمر صعب، إلا إن ظهر أن من وشى به إليكِ كاذب، وأنتِ تقولين أنكِ تصدقين الواشي، كما أنه هو ذاته لم ينفِ عن نفسه عندما تقابلتما! ولكن ربما يُحل الإشكال إن جلستما وتحدثتما سويًا، وعندها قد تجدي ما تعذرينه عليه، ولا حل بغير ذلك، وهذا ما عليكما فعله.

ومن المهم أن تدركي أن إعادة بناء الثقة تقوم بالأساس على التركيز على الحاضر والمستقبل، وإغلاق صفحة الماضي نهائيًا، وبناء العلاقة من جديد، فما لم تتعافيا من جروح الماضي لن تتقدما للمستقبل. وهذا كي يحدث يلزم ألّا يرم الجرح على فساد؛ بمعنى أن الطرف المخطئ يلزمه ترضية الطرف الآخر، كما أن على الطرف الثاني أن يكون ناضجًا انفعاليًا، وبعد أن يتفقا أن هذا الملف لن يُفتح طالما قررا فتح صفحة جديدة بينهما، لا يعيد التذكير به.

بخصوص عرض الزواج المقدم إليكِ، أرى أن عليكِ أن تؤجلي بحث هذا الأمر، ولا تفكري فيه قبل أن تقرري إغلاق صفحة زواجك السابق نهائيًا إن لم تُوجد فرصة للصلح، فالعاقل تكون قراراته في الحياة أفعالًا وليس ردود أفعال. لا تتزوجي لإغاظة طليقك، وإلا فلا فرق بينك وبينه، وكلاكما يتهرب من إصلاح خطأ فيرتكب خطأ أكبر.

 

د. منى زيتون

 

في المثقف اليوم