بأقلامهم (حول منجزه)

جميل حسين الساعدي: الوجه الآخر للبطلة في (حافات قلقة) للأديب ماجد الغرباوي

قبل أن أخوض في إشكاليات النص القصصي (حافات قلقة) للأستاذ الأديــــب ماجد الغرباوي، رأيت أن أسلط الضوء أولا على ملامح أساسية في النــــص استوقفتني قبل كلّ شئ.  أولها ذلك الإيجاز الموحي الذي امتاز به النص، فقــــد تحاشى الكاتب السرد الطويل، الذي يلجأ اليه عادة الكثير من كتّاب القصـــــة والروائيين بما فيهم بعض المشهورين منهم. كان إيصال الفكرة عبـــــر أقصر الطرق هو الهمّ الشاغل للكاتب، الذي حاول بأقل ما يمكن من السطور أن يلحم المضامين ويضعها في إطارها الأخيرمع الحفاظ على عنصر التشويق، الذي يشدّ القارئ الى النص.

الجانب الثاني الذي استأثر باهتمامي هو رمزيّة النص، هذه الرمزيّة فتحت الباب على مصراعيه لتآويل كثيرة وتفسيرات شتّى، وبقيت رغم كلّ تلك التآويل والتفسيرات المحتملة تحتفظ بملمح أساسي لها وهو تنبيه وتحفيز القارئ للبحث عن العوالم والحالات، التي تتقارب من بعضها البعض على قدر نسبة التشابه القائمة بينها، ممّا اعطى للنص تلك الدفقة الحيويّة، التي تستثير مخيّلة القارئ .. بل تستفزّه بشكل هادئ وذكي، فالقارئ ونقصد به القارئ المثقف أمام أمرين لا ثالث لهما: إمّــا أن يرمي بشباك مخيلته على قدر ما يستطيع ليقتنص تأويلا من التآويل وهي كثيرة، وإمّــا أن يلجـأ الى التقييم العام مكتفيا بكشف الجانب الاستطيقي(الجمالي) للنص.

بعد أن اشرت الى هذين الجانبين المهمّين أحاول ان أوضح ما استنتجته من الدلالات بعد أن قرأت النص أكثر من مرّة. من بين تلك الدلالات ذلك الصراع المحتدم بين الوهم والواقع، والذي يظهر جليّا في النص وهو يرمز من ضمن ما يرمز الى التوتر القائم على مرّ العصور بين المبدع والمؤسسة، التي تمتلك النفوذ والقدرات الماديّة. فسعاد بطلة الرواية تمثل الإبداع، فهي تأمل من خلال اعتراف المؤسسة بها أن تحقق ذاتها وبهــذا تكون قد أرضت نفسها وأرضت الآخرين وحققت هدفها المنشود. فهي تطرح نفسها كفاعلة للخير تحرص على الحفاظ على قيم الحق. والحقّ هنا يعني بالنسبة لها أحقيتها بالفوز بالجائزة .

الكاتب يطرح علينا سؤالا مهمّا ولكن دون أن يفصح عنه... فهو يتساءل ضمنيا..

ما هو الخيــر؟ ما هي الحدود الفاصلة بين الخير والشرّ؟ هل ما نعمله نحن ونعتقد انّه خير هو خير في الحقيقة؟ يحاول الغرباوي أن يستثير القارئ من خلال التحوّل المفاجئ في سلوك (سعاد)، فهو يطرح علينا لغزا ويتركنا نفكّر ونراجع تصوراتنا الى الحدّ الذي يجعلنا نشكّ ونقف مشدوهين حائرين حين نواجه قناعاتنا. تبدو شخصيّة سعاد للكثير من القراء على أنها ضحيّة سلوك المؤسسة التعسفي، وانّها لجأت الى اساليب الغدر والمكر والسحر مضطرة لمواجهة المؤسسة، التي هي أقوى منها.

لكن الأمر في الحقيقة غير ذلك... فهي لما فقدت الأمل في الحصول على الجائزة، شعرت بخيبة مريرة و وبدلا من ان تستمرّ في خدمة الإبداع بتجرّد لكي تستطيع أن تستمرّ في الحياة أطول، صرعها وهمها، رغم الطرق والأساليب العديدة (أساليب الإبداع)، التي ابتكرتها لردّ اعتبارها، والتي كانت سببا في نهايتها.

بطلة الحكاية لم يكن عندها الصبر الكافي ولم يكن لها هدف غير تحقيق نوازعها الإنانية، فكان إبداعها سلاحا ذا حدين انقلب عليها فعجّل في نهايتها. لقد كانت متهوّرة ولم تكن شجاعة، فالشجاعة كما يقول الحكماء وسط بين الجبن والتهوّر.

وهي لم تكن فطنة، حيث انّها لم تتبيّن الحدود الفاصلة بين المناصرين والمنافقين، فقد أعماها الحقد والتعطّش للثأر، فاستعانت برجال الخصم، محاولة منها تغيير قواعد اللعبة. لقد حاولت أن تقفز على الواقع فغاصت في وحل المؤسسة، وبدلا من أن يلعلع صيتها، انكفأت على وجهها وأصبحت نسياً منسيا.

في الحكاية عبر ودروس، على القارئ أن يستخلصها بنفسه، وهي فضلا عن ذلك رحلة استكشافية سريّة في أعماق النفس البشريّة تستخدم لغة الرمز وكأنها لوحة من لوحات الرسام السريالي الشهير سلفادور دالي.

 ***

جميل حسين الساعدي - شاعر وروائي