بأقلامهم (حول منجزه)

سامية البحري: الحفر الاركيولوجي في بنية العقل العربي.. قراءة في نص لماجد الغرباوي

جاء في الخطاب الفكري للباحث الاستاذ ماجد الغرباوي أنه:

 (لا أحد فوق الخطأ مهما كان مستوى كماله، وليس الناس ملائكة وشياطين لولا التعصب الديني، وتبقى معرفة الحقيقة رهن قدرتك على التجرّد والنقد بموضوعية)1.

وهو ما يجعلنا نتوقف عند استخلاص نظرية دقيقة وحقيقة علمية ثابتة مفادها أن: (لا أحد فوق الخطأ)..

لا أحد فوق الخطأ

نظرية علمية أقرها الله في دستوره العظيم، إذ خلق الإنسان كائنا ناقصا لا يرتقي إلى الكمال باعتبار أنه تفرد هو بهذه الصفة

إذن الخطيئة ليست بالمحرمة وهي مسموح بها باعتبارها هي المقياس لعملين من إنجاز الذات الإلهية وهما الثواب والعقاب

وقد سعى المفكر والباحث الاستاذ ماجد الغرباوي إلى بلورة هذه النظرية ضمن معطيات ثلاث:

1- المعطى الأول: حقيقة الوجود

"لا أحد فوق الخطأ مهما كان مستوى كماله"

يعني الكل مخلوق

الكل يخطئ

الكل غير منزه عن الخطأ

(مهما كان مستوى كماله)

هنا موطن الجدال لأننا نعتقد أن لا أحد وصل أو يصل أو سيصل إلى الكمال. فالكمال في هذا الموطن محال.. وبالتالي يمكن القول (مهما اعتقد انه كامل).

واعتقاد الكمال موجود في بعض النماذج كرجال الدين أو رجال السياسة.. وأصحاب الجاه والسلطان. هؤلاء اعتقدوا عبر أحقاب تاريخية انهم بالغون الكمال. ولعل أبرز مقولة تؤرخ لهذا المعتقد الواهي قول معاوية بن أبي سفيان حين اعتلاء العرش:

(أنا ظل الله في الأرض ومن خالقني فقد خالف إرادة الله)

تلك المقولة التي شرعت لتوظيف الدين في السياسة إلى يوم الناس هذا. ومنها انطلقت المعضلة الكبرى .

وهذه مسألة جدالية وخلافية كبيرة لا يتسع لها المقام3476 ماجد الغرباوي

2- المعطى الثاني: تأكيد أنسنة الإنسان

(وليس الناس ملائكة وشياطين لولا التعصب الديني)

إننا نقر بدقة هذا المعطى وضبطه بطريقة محكمة وموضوعية، فالإنسان هو الدرجة الوسطى بين الملائكة والشياطين. لكن في ظل التعصب الديني يمكن أن يتحول هذا الكائن من إنسان إلى شيطان أو أن يدعي انه ملاك ..

وهنا نقر بقيمة عملية الخلق والتكوين التي هي عملية مازالت تربك العقل البشري وتدفعه إلى البحث والتنقيب. ونحن مع كل ما يشعل نار السؤال في العقل ليكون حرا وولودا ولا يكون عبدا عقيما أو خصيا بفعل تلك الرقابة التي تمارس عليه بمنطق المحرم أو الحلال والحرام وغيرها

ولنتأمل عملية الخلق وابعادها

- الملائكة خلقت من نور

- الشيطان من نار

- الإنسان من طين

وهي كلها مكونات هذا الوجود عندما نضيف إليها الأرض، التي تتركب من تراب وماء نفهم قيمة هذه المعادلة الفيزيائية الرهيبة التي قامت عليها عملية الخلق

وندرك هذا الإعجاز العلمي العظيم الذي يتفرد به الله الخالق الأعظم والفيزيائي المبهر..

فإذا حاد مخلوق عن مادة خلقه اختل توازن الكون، واذن فالتعصب الديني يؤدي إلى اختلال الكون إذن يؤدي إلى اختراق هذا الإعجاز العلمي الإلهي العظيم. وهنا نلفت الانتباه إلى مدى خطورة هذا التعصب الديني الذي يؤدي إلى شيطنة الإنسان وبالتالي تدمير الأرض بالتقاتل وسفك الدماء والتخريب والفسوق الأعظم. .

3- المعطى الثالث: قيمة العقل ودوره في الوصول إلى اليقين المعرفي

(وتبقى معرفة الحقيقة رهن قدرتك على التجرّد والنقد بموضوعية)

وهنا ندرك لماذا كرم الله الإنسان دون سواه بالعقل. فهذا التكريم العظيم وراءه مقاصد عظيمة. فلابد إذن من تحرير العقل العربي المعاصر وإطلاق سراحه ليصل إلى الحقيقة والحقيقة هنا بمعنى اليقين. ونقصد بتحرير العقل النأي به عن الخرافات والاوهام والأحكام السفساطئية المسقطة.. إنه لا مجال للتحرر وتحقيق إنسانية الإنسان إلا في ظل تحرير العقل العربي...

إن استنطاق الخطاب والتحاور معه بآليات فكرية وعلمية وأدوات معقلنة بعيدا عن كل ادلجة أو انتماء يضفي بالضرورة إلى مواطن الحق واليقين.. في سبيل مقاصد إنسانية ومبادئ كونية شاملة إيمانا منا بوحدانية الله وتفرده بخصائص الكمال والاكتمال وإنسانية الإنسان بقطع النظر عن لونه أو جنسه أو معتقده فهي أشياء لا تؤسس وجوده بل تكمله ..

لذلك خلق الله هذا الكوكب العظيم الذي هو الأرض وجهزه بأسباب العيش وأرسل له هذا الإنسان الذي اصطفاه لهذه المهمة لمقاصد متعددة. ومن هنا انطلقت رحلة البحث التي يقودها العقل. لذلك لابد من النضال الفكري المستمر في سبيل تحرير هذا العقل من ثقافة التسليم والتشبث بالمسلمات والخوف من الحقيقة حتى تتحقق المقاصد الحقيقية من مبدأ الاستخلاف...

لقد استطاع المفكر والباحث العراقي العربي ماجد الغرباوي أن يضع اللبنات الأساسية لتحرير العقل العربي المعاصر الذي مازال يتأرجح بين الخرافة والتعصب الديني المقيت الذي يضر بالدين في ذاته ويساهم في اغتيال إنسانية الإنسان وتدمير المهمة الأساسية التي جاء من أجلها إلى هذه الأرض. وهي التعمير وفق آليات ضبطها النص الديني ودعا العقل إلى التنقيب عنها بعيدا عن التطاحن والبغضاء والضغينة والفتن والكراهية ...

***

الناقدة سامية البحري

.............................

* نشره على جدار صفحته بالفيسبوك يوم 13 – 7 – 2023م