أقلام حرة

مقابر التراث المقدسـة

شاكر الساعدييغفل الكثيرون عن فاعلية  قوانين المادية الجدلية التي وضعها الفيلسوف والاقتصادي الألماني كارل ماركس ( 1818- 1883) ومنها قانون: وحدة الأضداد وصراعها .. وهو القانون الذي يفسر الكيفية التي تتعارض بها طبقة البروليتاريا "العمال" من جهة، والبرجوازية وأصحاب رؤوس الأموال من جهة أخرى، والتي تشكلان بمجموعهما  النظام الرأسمالي  .

فحينما هتف العراقيون "الشعب يريد إسقاط النظام" كانوا في غفلةٍ وعدم وعي بهذا القانون، ظنوا أن إسقاط نظام صدام حسين وحزبه يكون بالتحالف مع أمريكا والسياسيين المناوئين له، ولم يفهموا أن "النظام" هو كل هؤلاء .. وكما رأينا جميعاً، فقد كانت نتائج هذا القصور في الوعي العام مروعة ومدمرة للشعب العراقي حالياً.

وهم المخلص:

و كان وهمُ الفارس القومي - العربي  المتمثل في صدام حسين المجيد (1937- 2006)، الخيالي .. حينما بالغ الحزب الحاكم آنذاك في إعلائه الوهمي، للإيهام  بأن المشروع التحرّري سيتحقق لا محالة عن طريق هذا الفارس الهمام القادم من عمق التاريخ، وليس علينا إلا انتظار ظهور النتائج: محرّراً الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي، والقدس في فلسطين المحتلة، وسبتة ومليلية في بلاد الأندلس (أسبانيا حالياً) .. دون تحديد وقت زمني لفترة الانتظار تلك، ودون اضطرار لبذل الجهد من أجل تحقيق الهدف المعلن لتحرير كافة الثغور العربية المحتلة .

و لأن النظام الذي قام في العراق في النصف الثاني من القرن العشرين، كان يقوم على إعلاء صورة بطل التحرير القومي المحارب المتُّشح برداء القومية العربية، فقد كان هناك في الجانب الأخر أي جانب المعارضة مقلوب هذه الصورة هو المخلّص المجاهد المتَّشح برداء الدين الحنيف، ولعجز كلا الجانبين عن إنجاز وعدهما منفردين، تلاقت مصلحتهما عند إمهال الجمهور إلى حين ظهور المخلص الحقيقي .

والناس دائما تتشبث بفكره الفارس المخلص المعصوم من الخطأ ويعشقونها إلى درجة أنهم مستعدون لرجم إي شخص يحاول الاقتراب منها.

الإدمان على التاريخ:

من المعروف عن العراقيين أنهم أناس أدمنوا ثقافة الأبطال إذ كان كل تاريخهم يحكي بطولات أشخاص محاربين .. فكيف تريد منهم أن يحتفوا بعالم أو فيلسوف أو فنان أو كاتب ؟ هذه أمة تنقرض رويداً رويداً، لأن العالم اليوم لا يقبل أن يحُكم بالأساطير والخرافات بعد ما وصل إليه العقل من معرفة وعلوم ولن يبقي من نسل العرب العاربة إلا من يحترم العلم والعلماء.

لذلك ترك  تقديس الصحابة من قبل السنة، وتقديس الأئمة من إل بيت النبي (ص) حد العصمة من قبل الشيعة تداعيات كبيرة على الواقع الفكري والواقع الأمني في العراق الحديث، والتي جعلت منهم مرجعية فكرية وعقدية وسلوكية، بل جعلت منهم سلطة، تحدد سلوك المسلمين عموماً، خاصة الحديث الذي يقول: "خير القرون قرني"، أو "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". الذي قتل روح النهضة، والمبادرة الحضارية، وقتل روح التنافس حينما اعتبر (جيل الصحابة وجيل الأئمة ) مثله الأعلى، والغاية القصوى التي يطمح لها الإنسان، ثم تأخذ الأجيال بالهبوط حضاريا، فانقلبت مهمة الفرد بسبب هذا الحديث من التطور حضارياً إلى تدارك الانحطاط الديني قياسا بجيل الصحابة وجيل الأئمة، وهذا هو الوعي الارتدادي، العاجز عن مواجهة الواقع، والتأثير فيه. وكما قال المفكر العراقي عبد الرزاق الجبران (مضحك جداً أن تبحث عن الله لدى المؤمن فتجده لدى الكافر، غريب جداً أن تبحث عن الله في يثرب فتجده في الحبشة).

 

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

 

في المثقف اليوم