أقلام حرة

عبد السلام فاروق: في الجزائر التقينا

عبد السلام فاروق(رب صدفة خير من ألف ميعاد).. كنا في الجزائر نحضر أنشطة معرض الجزائر الدولي للكتاب.. وقبل أن أهٌم بالانصراف بصحبة الزملاء: (سامح سامي وياسر الغبيري) إلي ندوات ولقاءات الجناح المصري المقامة به . لمحت من بعيد الموسيقار أحمد الحجار والشاعر ناصر دويدار يترجلان من سيارة سوداء فخمة.. متجهين صوب بهو الفندق الذي ننزل فيه.. تقدمت نحوهما.. مرحباً أهلا وسهلا بالملحن الكبير.. مرحبا بكم في جزائر الثقافة والبطولة والشهداء..

للحظة خالني مواطن جزائري قدم لاستقباله والترحيب به..

نظرت إليه مبتسماً ابتسامة هادئة، ثم مددت يدي فتلقفها بحرراة المصري الودود صاحب البسمة والوجه المملوء بطيبة الندي الصبوح.. متسائلاً: هل أنت (..) لم أمهله وأكملت قائلاً: أنا (فلان الفلاني)... وهؤلاء زملاء صحفيون من مصر، وقد حضرنا للمشاركة في فعاليات وأنشطة معرض الكتاب..

صمتٌ برهة.. ثم بصوت لا تكاد تسمعه أجاب: نحن أيضا جئنا من أجل المشاركة في أنشطة وزارة الثقافة المصرية والتي كانت ضيف شرف المعرض .

كأننا بالأمس كنا معاً هنا في مصر لا في جزائر الشهداء الأشقاء.. كأننا لم نغادر جلستنا الهادئة المستمرة إلا يوم أو بعض يوم..

هكذا كان الملحن والموسيقي المصري النادر أحمد الحجار الفنان الموهوب طيب القلب جميل الصوت.. إذا صادفته في أي مكان وزمان، يخيل لك أنك تعرفه منذ زمن بعيد، فمعه لن تشعر بغربة المكان أو وحشة الزمان .

تلمح في عينيه خجلاً فطرياً ورقياً إنسانياً كان يميزه.. خجل وتواضع يميز المبدعين الموهوبين الأصلاء الذين إذ سمعوا كلمات الإعجاب فلا ترفعهم أو تخفضهم، بل تزيدهم تواضعاً وجمالاً وجلالاً..

بعد ذلك، جمعتنا عدة لقاءات في الصباح والمساء.. صباحات ومساءات ملأها غناءا وطرباً عربياً أصيلاً.. يذكرك، وما أجمل الذكريات.. حين تتذكر الكبار الكبار في مصر والشام والعراق وتونس والمغرب.. قائمة طويلة عريضة: من أم كلثوم وعبدالوهاب وفيروز وأسمهان وفريد الأطرش وصولا إلي كاظم الساهر ومنير وعلي الحجار..

قائمة عربية كاملة الأوصاف والألحان.. قائمة عابرة للعصور والأزمان.. قائمة لاتزال صامدة باقية رغم طوفان الرداءة والضجيج المنتشر في الفضائيات وعوالم الفوضي الرقمية .

هل كان صديقي؟

أنني أتشرف بهذه الصداقة الصادقة النقية ، هل رغبت في ذلك.. نعم وبشدة ، لأن صداقة فنان موهوب موهبة استثنائية، له هذه السمات والصفات والثقافة الرفيعة مؤكد أنها ستضيف لك الكثير والكثير مما نبحث عنه بإبرة فيمن حولنا من كتاب وشعراء وفنانين فلا نجده إلا بشق الأنفس !!

نعم.. كان صديقي الفنان الموسيقار أحمد الحجار أحد هؤلاء القلة القليلة النادرة.. صوفي النزعة عذب الألحان..شجي الصوت.. نقي القلب والسريرة، لن نستطع نسيانه أبدا .

نجم حقيقي ترجل..

اللمعان والنجومية في بلادنا ليست لها معايير واضحة محددة ، مثلما نجده في الغرب لأن النجومية عندهم لها شروط صارمة وضوابط واضحة لا تسمح لكل من هب ودب.. أي والله لكل من لديه صوت كنهيق الحمار ونعيق الغربان.. تراه علي صفحات الفيس يحصد آلاف اللايكات والإعجابات.. أما أصحاب الموهبة الأصيلة فليس لهم مكان وسط هذا الزحام المختنق بالضوضاء وضجيج القبح .

إلي جنة الخلد صديقي الفنان الموهوب الصموت أحمد الحجار .

 

عبد السلام فاروق

 

في المثقف اليوم