أقلام حرة

دفع الشبهات عن حياة سيد الكائنات (5)

الشبهة الخامسة

لقد أشاع الكثير من المفسرين والمؤرخين والرواة للسيرة النبوية الشريفة على أن الإسلام المحمدي قد أنتشر بحد السيف والقتل والذبح لمن خالفهم وعارضهم الرأي وقد أيد هذا الرأي وروج له بالأسانيد المتواترة والصحيحة عن رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه بالحديث (لقد جئتكم بالسيف) وكذلك (ما أنتشر الإسلام إلا بأموال خديجة وسيف علي بن أبي طالب عليهما السلام) وآيات من القران الكريم فسروها على أنها تتحدث عن الجهاد في سبيل الإسلام ونشره في الجزيرة العربية بقطع الرقاب وضرب الأعناق وضرب كل بنان مخالفين القران الكريم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) و(وجادلهم بالتي هي أحسن) وعن طريق الموعظة الحسنة والين وخفض الجناح للمشركين والكافرين كما أراده الحق تعالى بالنص القرآني وتوجيه رسوله محمد بن عبد الله صلوات الله عليه حامل لواء الرسالة الإلهية وتبليغها بالنقاش والتحاور والتبيان لنصوصها الواضحة والدليل على ذلك أن أكثر المواقع الحربية للرسول الأعظم هي أيام ولقاءات دفاعية عن الإسلام وعقيدته أو تأديب المعتدين عليها أو إرسال الفرق الجوالة من المبشرين والمبلغين من رجاله في سبيل نشر دعوته بالطرق السلمية وأكبر دليل يمكن ذكره هو دخوله مكة المكرمة فاتحا حيث لم يأمر المسلمين بالقتال أبدا بل محلقين مقصرين الثياب أي من غير لامت الحرب وترسانتها وغير مروعين المشركين والانتقام منهم كما ناصبوه العداء وظاهروا على إخراجه منها وحاربوه في عقر داره (المدينة المنورة) كما قال تعالى في سورة الفتح 27 (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخُلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) منافيا لاتهام المسلمين بالعنف والقتل والدم وقطع الرقاب مما أدى الكثير من ردود الأفعال المسيئة والنفور من هذا الدين القيم صاحب المبادئ والقيم الإنسانية والمنهجية في العمل لبناء مجتمعات مهذبة القيم بأفكار سمحة وتعاليم إنسانية حتى قيام الساعة . ولو تتبعنا مواقع الرسول أو غزواته القتالية كما يشيعون لوجدنا أن أعداد المسلمين القليلة جدا الخارجين معه للدفاع عن الدين الإسلامي في وسط الأنصار والمهاجرين كانوا غير مسلحين كفاية كما قال الله تعالى في سورة التوبة 92(ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) فكيف لرسول الله أن يحرم بعض المسلمين من شرف القتال والجهاد ولنصرت الإسلام وأن الله تعالى قال فضل الله المجاهدين على القاعدين وفإذا كان المراد هو القتال والنفير مع عدم وجود العدة الكافية لحمل أصحابه فهو مجازفة بالثلة القليلة ممن معه من المؤمنين أمام أعداد المشركين والكافرين الذين يفوقونهم عدة وعديدا مع فرسان من قريش والعرب

لكن استناد بعض المفسرين لآيات القران الكريم اشتبهت عليهم المفاهيم بقصد أو بدون قصد وخصوصا بالآيات التي سمية بآيات القتال وأخصها بالذكر كلمة (غُزى) ولو تتبعنا معناه اللغوي وجذرها العربي في معاجم اللغة العربية ومراد الله الحق تعالى   لوجدناها كما هي .

كلمة (غُزى) تأتي بمعاني كثيرة منها (سار ليلا – جهز للسير – مقصد الكلام ودلالته – أراده للطلب – القصد) وهذه المعاني تشير إلى ما ذكرته أعلاه وهي حث المسلمين من قبل الرسول الأعظم على التبليغ والدعوة واختيار الصحابة في تسيرهم بتوجيه دعوته لما حوله من القرى والمدن .كما أن النبي الأكرم لم يبدأ القتال إلا مما أضطر إليه وهذه المواقع تسمى في القرآن ب (يوم) (يوم بدر) (يوم أحد) (يوم حُنين) (يوم الأحزاب) ويذكر الرواة والمؤرخون أن النبي محمد بن عبد الله غزى حوالي (19) غزوة كان مع المقاتلين ثمان منهن فقط فلو كان قتالا ودفاعا عن بيضة الإسلام ومبادئه ونصرت دينه لكان الأولى به المشاركة في جميعها كقائد عسكري ومفكر يشحذ الهمم ويثبت أنصاره وملهم لأصحابه في الشجاعة والثبات على العقيدة التي جاء بها من ربه تعالى والدليل الآخر على ان النبي لم يؤمر بالقتال الصريح والغزو إلا اضطرارا وفق مبادئ الإسلام وتعاليمه حيث ورد أن عدد الغزوات التي لم يدرك المشركين أو يحدث في قتال ومواجهة حوالي (25) حادثة كما أن الغزوات بدأت في السنة الثانية من الهجرة الشريفة حتى السنة التاسعة منها فقد بلغت مجموع الغزوات والسرايا (70) سرية وعدد الغزوات التي دار فيها القتال هي (9) فقط . كما ذكر المؤرخون عدد قتلا غزوات الرسول الأعظم والمشركين حوالي (1000) ألفا قتيل وشهيد مع حوالي (600) قتيل من اليهود في المدينة المنورة فقد كان عدد الضحايا في

-يوم بدر: 14 مسلم مع 70 مشرك .

- يوم أحد 70 مسلم مع 30 مشرك.

- يوم خيبر 16 مسلم مع 93 من اليهود .

- يوم حُنين 5 مسلم مع 70 مشرك .

أما معركة مؤتة الخالدة فهي ليست معركة متكافئة في العدة والعديد حيث بلغ عدد المسلمين بـ (3000) آلاف مقابل (200) ألف من الروم مجهزين بأحدث الأسلحة حيث ألتحم جيش المسلمين مع طلائع جيش الروم على غير موعد للقتال فكانت النتيجة مؤلمة على رسول الله تعالى وأصحابه حيث كان الروم بجيشهم هذا هو غزو المسلمين في عقر دارهم من بوابة مكة المكرمة بتواطؤ بعض أهلاها فكانت خسائرهم جسيمة . فلوا كان معنى الغُزى هو تجهيز المسلمين لقتال المشركين والكفار لكان الأولى قتال المشركين في مكة المكرمة وهي دار الكفر والنفاق والإشراك بقياداتها الذين آذوا المسلمين والرسول وظاهروا على إخراجه من بين ظهرانيهم قبل الفتح بأكثر من تسع سنين من الهجرة المباركة لتأمين حدود دولته الفتية بعد ما أستتب له الأمر بفضل الأنصار من الأوس والخزرج حيث وجود الدافع والهمة والسبيل لإعادة كرامتهم وأموالهم ومراكزهم الاجتماعية وتأمين دعائم دولته مبكرا كل هذه الدوافع لكن الرسول دخل مكة المكرمة منزوع السلاح والعدة ومسالمين ومؤمنين المشركين من بطش المسلمين كما جاء في القران الكريم في سورة الفتح لكن المسلمين كانوا رسل سلام وأصحاب مشروع ونظام إلاهي إنساني لكل العالم سلمي قيمي لقيادة رسول من أنفسهم عزيز عليهم رؤوف رحيم.

***

ضياء محسن الاسدي

 

في المثقف اليوم