أقلام حرة

حلّال المشاكل

قضى كل ذي دَين فوفى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها

هذا البيت قاله الشاعر كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة، والمعروف بـ (كثيّر عزّة)، واشتهر بحبه لعزة الكنانية، فعرف بها وعرفت به، وقد استشهدت ببيته هذا لأستذكر به بيت الدارمي القائل:

طرحي بصخر ذبوه مسحاتي جلّت

بس دعوتي ويه هواي كل دعوة فلّت

إن المشكلة سميت مشكلة لأن هناك حلا لما أشكل من أمر، وإن لم يوجد حل فإن "الزمن كفيل بسد الثغرات" كما قيل، إذ لطالما استعصت علينا حلول رغم تقصينا باستحضارها، ولطالما وصلنا الى نهاية أفق ظنناه مسدودا، فنرضى بأنصاف الحلول وأرباعها وأعشارها، بل نستجدي احيانا حلولا من أي مصدر، مع علمنا بعدم نفعها الآني لمشكلتنا، وأظن عراقنا اليوم بأمس الحاجة الى حلول جذرية، تنتشله مما آلت اليه أوضاعه في مفاصله كافة، لاسيما بعد أن استنفد الحريصون على سلامته الحلول الترقيعية والوقتية.

وهناك أمر أرى أن من المجدي النظر اليه والالتفات الى أهميته، هو أن كثيرا مما نعاني منه لايستوجب حله الاستعانة بآخرين خارج حدود بلدنا، فكلنا يعي جيدا العمق التاريخي الذي ينحدر منه عراقنا، وكلنا ندرك الإرث الحضاري الذي أضحى بأعناقنا، ومن غير المعقول أن نستدعي خبراء يفكون عُقدنا، او (حلالي مشاكل) يحلون ما (تخلبص) من غزلنا، وقد جسّد هذا مثلنا الشعبي: (يعوف امه وابوه ويركض وره مرة ابوه).

وما لاشك فيه أن العراقيين الذين بقوا داخل حدود بلدهم، ليسوا بأقل من الذين هاجروا خارجه مقدرة وكفاءة، فالحلول إذن متوافرة بمتناول أيدينا، على شرط أن يأخذ ذوو السلطة والحكم بأيدي ذوي العقول والحلول، الى حيث يضعون أيديهم على مكامن العلل وأماكن الخلل، وساعتها نكون قد قطعنا شوطا كبيرا من مسيرة إنقاذ البلد بأقصر الطرق وأقل المدد.

وباستذكار للماضي القريب، أرى أن هناك إنجازات لايستهان بها في قدرة المواطن العراقي، على اختيار الحلول المناسبة والناجعة لمشاكله بجهوده الذاتية، لاسيما حين يكون هذا العراقي بمنصب رئيس وزراء، والذي اقصده هنا محمد شياع السوداني، أما الإنجازات التي أقدم على وضع حجر أساسها، دون اللجوء الى دولة عظمى او صغرى او وسطى، فيشار إليها بالبنان، مع أنه لم يتم العمل بما أقدم عليه كما ينبغي، أي أن الرجل عمل عملا صالحا، إلا أنه لم يتقنه حتى آخره.

فإداريا، كشفه أسماء الفاسدين والمفسدين المتورطين بجرائم نهب أموال البلاد، وتوعده بالمزيد من العمل على استئصالهم -وليته يصدق- وقطعا هي إشارة منه الى أن (الحبل عالجرار) وسيأتي بفاسدين آخرين وفسادات أخرى، وتعد خطوته هذه أنسب حل لو أتيح له التطبيق بالكامل، ولم تكن تحتاج قوة من الخارج او تحالفا عالميا، او حتى استشارة إدارية او قانونية من جهة غريبة، غربية كانت ام شرقية!.

وأمنيا، إقالة قيادات عسكرية وأمنية نخرت الأجهزة الحساسة في البلد، هي الأخرى خطوة باتجاه الحلول الجذرية، ولو أن الإقالة غير رادعة لمن تسول له نفسه مستقبلا بتكرار الفعل ذاته، لكنها بشكل عام بداية حسنة لتنقية أجهزة حماية الدولة من الخارج وفي الداخل، على أن تعقبها عمليات إصلاح وتطهير حقيقية شاملة، لعناصر منتسبة الى مثل هذه الأجهزة الحساسة.

ولعل حلولا أخرى سيتحفنا بها السوداني في مقبل الأيام، في الجانب الاقتصادي الداخلي والتجاري الدولي، وانتشال البنى التحتية من وحل التدني والتدهور، وإنقاذ الفرد العراقي من واقعه المرير.

الحلول إذن، تبدأ منا نحن العراقيين في الداخل، وأولنا قطعا رئيس المجلس التنفيذي، وقد قالها الإمام الشافعي:

ما حك جلدك مثل ظفرك

فتولّ أنت جميع أمرك

وإذا قصدت لحاجةٍ

فاقصد لمعترفٍ بقدرك

***

علي علي

في المثقف اليوم