أقلام حرة

حميد طولست: ليس المشكل في التعرف على الظواهر، لكن في معالجتها

من الظواهر التي عرفت انتشارا واسعا في الآونة الأخيرة، والتي ليس لإهمالها من مسوغات ظاهرة ديوع حالات مرض تورم المفاصل وأسفل الظهر والتهاب الرقبة والكتف والركبة، وباقي الأنواع الروماتيزمية - التي لم أرى لها أثرا بالغا في مصر خلال زيارتي بعد رمضان لها - التي يشكل عجز السيطرة على آلامها الحادة، تحديا كبيرًا للأطباء، الذين وحتى إذا ما حدث وتمكنت بعض وصفاتهم المتنوعة من إخمادها، فلا يكون ذلك إلا مؤقتا، ما يجعل معاناة المرضى مضاعفا، كما هو الحال الذي اضطرني للخضوع لمختلف العلاجات الطبية مند ثلاثة أشهر، مدة إصابتي المفاجئة، والتي تجرعت خلالها الكثير العقاقير والأدوية المُسكنة التي لم يَنُبني منها، -رغم تنوعها وارتفاع تكلفتها - غير الآثار الجانبية المزعجة التي أرغمتني، كما الكثيرين مثلي، لاعتماد "العكازة" في المشي، ودفعت بي اللبحث عن وسائل غيرها، تكون قادرة على تخليصي من معاناتي مع آلام المفاصل وأسفل الظهر والرقبة والكتف والركبة، ومعالجة كلَّ متاعبي النفسية التي راكمتها، حتى لو كانت من خارج الخياراتِ العلاجية المعتادة، كالعلاجات التكميلية البديلة التي لا تعترف بها الجهات الصحية الرسمية، والمبنية على الشعوذة والخرافة المرتكزة على المعتقدات الدينية الخاطئة ، والتي شرعت في تسقط أخبارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتقاط وصفاتها وتركيباتها العلاجية معلوماتها من الكتب ومواقع التواصل الاجتماعي الزاخرة بمقاطع الفيديوهات المنوهة بفعاليتها وخبرات ممارسيها، وغير ذلك من المعلومات المغرية بتجريبها، ما يخلق لدي الباحثين مثلي عن الصحة والعافية والشفاء، شغف وفضول تجريب تلك الوصفات العلاجية، التي لم تكن في يوم من الأيام مطلباً أكثر إلحاحية من اليوم، والتي من بينها على وجه الخصوص " الرقية الشرعية والحجامة"، والتي زادت الدعاية من عادة ارتياد المغاربة، لمراكز الرقية والحجامة طلبا للشفاء، بدل ارتيادهم الأطباء للغاية نفسها، ما ساهم في تكاثر عدد الحجامين والرقاة في النسيج المجتمعي المغربي بصفة ملفتة ومنفلتة، وانتشار مراكزهم بشكل سرطاني مخيف بجوار المساجد المتواجدة بالأحياء الشعبية لجل المدن المغربية، ما حول الرقية والحجامة المبنية على الشعوذة والخرافة، ليس إلى مهنة دارّة للدخل وحسب، بل إلى اقتصاد قائم بذاته وسوق مزدهرة، فتح الباب مشرعا أمام أعداد العاطلين للانخراط في نشاطاتها التي لا تخضع لشروط معينة، ولا تتطلب شواهد أو خبرات طبية عالية، ويكفي للراغب في امتهانها إلا أن يلبس جبة قصيرة، ويطلق لحية أفغانية، ويحفظ ما تيسر من كتاب الله وبعض أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، و"هاك يا معالجة "مس الجن وإبطال السحر والحسد وجميع الأمراض الروماتزمية، في مراكز علاجية اجتماعية كانت إلى المس القريب معشبات، أدخلت عليها بعض الترتيبات والتنظيمات الهيكلية الداخلية، باعتماد مساعدين للرقاة وسكرتيرات وتقنيين إعلاميين مؤهلين في تسويق قدرات الحجام أو الراقي الخارقة، والترويج لأسلوبه في العلاج، واستعراض كل ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي أعطت لهذه الحرفة الطابع الاحترافي الذي انتقل بها من النهج البدائي الذي كان يتم فيه علاج المرضى "المسحورين" أو "الممسوسين" في عقر مساكنهم أو في بيوت سرية، إلى وضعية المراكز/المعشبات التي أصبح وضعها الأكثر تنظيما يحتم على الراغبين في العلاج الانتقال إلى فضاءاتها بيافطات اشهارية كبيرة، بدل انتقال الرقاة إليهم، كما كان متعارفا عليه قبل هذا الانتشار السرطاني المهول، ودون تدخل للجهات المعنية بالصحة العامة الرسمية التي اعتادت على النحيب والولولة والصراخ والعويل واللطم والندب بدل مواجهة الواقع كجزء من مهمة تصحيح الأوضاع ومواجهة ما يمكن أن يتسبب فيها هؤلاء المعالجين الذين لا يملكون لا الخبرة ولا التخصص إلا في باب المتاجرة بمآسي المرضى وهشاشة أحوالهم النفسية والجسدية، من أضرار خطيرة التي يتسبب فيها الكثير من المحتالين الذين لا يكتفي العديد منهم فقط بالنصب والاحتيال على أموال الناس، ويتعدون ذلك إلى القيام بسلوكيات مخلة بالقانون والأخلاق، وعلى رأسه الاستغلال جنسي للمرضى. .

***

حميد طولست

في المثقف اليوم