أقلام حرة

صادق السامرائي: ثورة المأمون!!

المأمون قاد ثورة عقلية ذات قيمة حضارية، لكنه إرتكب خطيئته الكبرى عندما قرّب المعتزلة وعمل على فرض رؤيتهم على الآخرين، مما تسبب بتداعيات وإنهيارات فكرية، أودت بالحركة وأخرجتها من قدرات التواصل والنماء.

فعندما تبنى مفهوم "خلق القرآن"، نسف ثورته وأصابها بمقتل، وحرّف تطلعاتها ومنطلقاتها الحضارية الأصيلة، ويبدو أنه لم يكن قائدا سياسيا محترفا، وإنما قائدا فكريا مضطربا، لأنه لم ينجح في بسط سيادته على ربوع الدولة، وفشل في إخماد العديد من الحركات والثورات التي قامت ضده، وفي مقدمتها الحركة الخرمية.

ولكي يقبض على السلطة وجد في المعتزلة وسيلته اللازمة لإبراز القوة وبسط السيادة، فاقتنع بأن القرآن مخلوق، وعلى الناس أن تذعن لذلك، وإلا ستحسب خارجة عن الطاعة وستلقى العقاب الشديد.

هذه الرؤية المستقيمة المنخرفة، أدت إلى تفاعلات سلبية أضرّت بالدولة العباسية، وزعزعت أركان وجودها الحضاري، ولولا المعتصم لإنهارت بعد وفاة المأمون، أو في آخر أيامه، ولتوزعت بين القادة وأصحاب الشأن والتأثير.

والذي أقام أركان الدولة العباسية التي فجر عقلها وأوهاها المأمون، هما المعتصم والمتوكل والذي بقتله تهاوت الدولة على عروشها، وأصبح الخليفة لعبة بأيدي الأغراب.

المأمون كان ذكيا ومثقفا، وكلما زاد الذكاء كانت الشطحات كبيرة ومريرة، وما جرى في السنوات الأخيرة من عهد المأمون، بشير إلى ذلك.

وكان لإمعانه بالفلسفة وعدم توفر العقول القادرة على توجيه طاقته الفكرية وإستثمارها، أوقعه في حبائل أعلام المعتزلة الذين صاروا يحكمون بواسطته، لأنهم تملكوا عقله، وإجتهدوا بتقديم الحجج لإقناعه بصوابية ما يرونه ويعتقدونه على أنه الإسلام الصحيح.

فالمعتزلة منهج عقلي، لكنهم كأي حركة دينية تميزوا بالغلو والتطرف المرير، ووجدوا في تعذيب وسفك دماء مَن يعارضهم الوسيلة الأمثل لتأكيد رؤيتهم، فكان المأمون عبدهم المطيع ومن بعده المعتصم والواثق حتى وضع المتوكل لهم حدا.

فالقول بأن المأمون لم يرتكب خطيئة بحاجة إلى أدلة وبراهين، ومن نتائج ذلك توليته لأخيه المعتصم، وليس لإبنه كما جرت العادة.

فتلك سقطة تأريخية  دحرجت عصور على عصور!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم