أقلام حرة

علي علي: السكوت ليس صمتا

ربّ يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره بكيت عليه

بعد عقود الجور والقمع والبطش، والحروب والحصار والحزب الواحد والقائد الأوحد، حل علينا عام 2003 فكان به -على ما ظننا- الخلاص من تلك السنين، غير أن الخلاص من مفردة الدكتاتورية جاء مشوبا بمفردة الاحتلال، فبتنا كما قيل سابقا:

المستجير بعمرو عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنار

وبتحصيل حاصل، فقد أنعم علينا العم سام بتخليصنا من ذاك الكابوس، ولو أعدنا النظر الى ماكان يحمله الكابوس من أضغاث أحلام، للمسنا أن هناك صراعا مريرا دام على مدى أربعة عقود، دارت رحاه فطحنت الشيب والشباب من أبناء البلد، وكان طرفا المعادلة معلومين، وبالإمكان تسميتهما والإشارة اليهما بكل بساطة، فالطرف الأول هو صدام، أما الثاني فهو الشعب.

اليوم بعد مضي أكثر من تسعة عشر عاما على انقشاع الطرف الأول -صدام- كذلك انقشاع النظام بحزبه الدموي النازي، وأزلامه ومجرميه وأدوات إجرامهم، من المفترض أن يلمس الطرف الثاني -الشعب- انفراجا في كل تفاصيل حياته، ويشهد البلد الذي كان يئن تحت نير الدكتاتور وسياط حزبه الفاشي، انبثاق فجر جديد لحياة مشرقة بعيدا عن الاضطهاد والتمييز، لاسيما وقد تغير الحزب والقيادة والوجوه، كذلك تغير لدينا نمط الحياة السياسية، حيث يشير المواطن الى الشخص المناسب بسبابته، لينتخبه ويضعه في المنصب المناسب.

لكن واقع الحال عكس غير ماكان مؤملا، فتلاشت الآمال بعين المواطن شيئا فشيئا على مر السنين العجاف، وأتت الرياح بما لايشتهي، بعد أن اتضح له زيف الشعارات التي رفعها أشخاص، كان قد رفعهم بسبابته البنفسجية الى مناصب مرموقة، وسلمهم وكالة (عامة مطلقة) بحاضره ومستقبله وثروات بلده، فكان الخذلان حصيلة ماحصده في التجارب الانتخابية التي مضت من عمره وعمر العراق.

وما زال دأب المنتخبين خذلان ناخبيهم، بما استطاعوا من خلال منصبهم ومكانتهم في سلم الوظيفة والمسؤولية، وهذا ديدن رؤساء الكتل وزعماء الأحزاب والائتلافات، في مسيرة المليون ميل في العملية السياسية، والتي لاندري متى تبدأ الخطوة الأولى بالاتجاه الصحيح فيها، إذ على ما بدا أن عقدين غير كافية لتصويب الخطى وتوحيد الرؤى، حيث بات مانلمسه من تقدم في المسيرة بضع خطوات، يعقبه تقهقر فيها وانعكاس باتجاهها أضعافا مضاعفة. وبلغ ما يتفتق من رحم ساستنا من خروقات بحق الوطنية والمهنية فضلا عن الإنسانية والأخلاقية، حدا يصعب معه التصحيح والتصليح، فما يقابله من حلول خجولة، لاتكاد تصيب من عين النجاح ومرمى الفلاح إلا بقدر مايصيب الأعمى مرماه. ولعلي أصيب إن شبهت حال ساستنا في المشاكل وحلولها بمثلنا الدارج: (الشگ چبير والرگعة صغيرة) والأمثلة في هذا كثيرة لايحتويها عمود او صفحة او عدد من صحفنا. ومثلنا القائل: (الإيده بالثلج مو مثل الإيده بالنار) ينطبق هو الآخر تماما على مايحدث في الهوة الكبيرة التي تفصل بين قبب مجالس الدولة الثلاث، وبين المواطن المسكين الذي وضع يد الانتظار على خد الصبر الذي طال ونفد بدوره، وتداعى في ساحات التحرير الى صرخات لا أظنها صمتت، بل هي سكتت إلى حين.

***

علي علي

في المثقف اليوم