أقلام حرة

مزهر جبر الساعدي: صفقات التطبيع

سيناريوهات كونية لشرق اوسط جديد

تعود عملية التطبيع بين دولة الاحتلال الاسرائيلي ودول المنطقة العربية الى واجهة الاخبار مرة اخرى، وعلى وجه التحديد الحصري؛ تطبيع السعودية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، والذي يفتح باب التطبيع واسعا اذا ما تم هذا التطبيع في المقبل من الزمن. هناك مراقبون يحيلون محاولة بايدن او سعي بايدن لتطوير فكرة ضمانات امنية امريكية للسعودية في مقابل تطبيع الاخيرة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي مع قبول الاخيرة بتوفير الارضية والبيئة السياسية والاجواء؛ لفكرة حل الدولتين؛ لتوفير الاجواء التي تساعده في الانتخابات الامريكية المقبلة. ان هذه القراءة على درجة كبيرة من الخطأ، وفي نفس الوقت؛ صحيحة عند احالتها الى التكتيكات المتبعة من المرشحين الامريكيين لخوض التنافس الانتخابي في استثمار منطلقات السياسة الخارجية الامريكية، بعيدة الامد والمدى. فهذه السياسية الامريكية والتي تخص الدفع بعملية التطبيع الى امام لا تخص فقط بايدن، ولا الديمقراطيين فقط ولا الجمهوريين، بل هي سياسة امريكية مهما كان نوع الرئيس الامريكي، سواء من الحزب الجمهوري او الديمقراطي؛ فهي سياسة ثابتة في دعم دولة الاحتلال الاسرائيلي. التغيير فقط في الاسلوب والطريقة والظروف السياسية التي تفرض نوع وطريقة واسلوب هذا الدعم. أما الخلاف الآن الذي يظهر على السطح بين هذه الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية العنصرية المتطرفة، فهو خلاف مهما كان نوعه ودرجة عمقه وسعته يظل خلافا هامشيا لا يمس جوهر العلاقة بين الدولتين، ولو مسا خفيفا. دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ تشكل لأمريكا موقع صد متقدم؛ لجهة المصالح الامريكية في المنطقة العربية وحتى في جوارها، بالإضافة الى الجانب الديني الذي يشكل الوشيجة المتينة الغير قابلة للقطع بمختلف الظروف والاحوال، فهي اي هذه الوشيجة تشكل جسرا للتخادم الامبريالي المصلحي المتبادل، والديني، وغيرهما بين الدولتين. ان سعي امريكا بايدن للدفع بعملية التطبيع بين دولة الاحتلال الاسرائيلي والسعودية؛ ترتبط بمخطط بعيد الأمد والمدى، لا يشمل السعودية فقط، بل يشمل دول الشرق الاوسط حسب هذه التسمية للدول العربية في شرق الوطن العربي ودول جوار هذا الشرق العربي؛ التي تروق هذه التسمية، لدوائر صناعة القرار في امريكا والغرب؛ لغايات محورها واساسها هو تفتيت او توزيع الوطن العربي بين الشرق الاوسط وشمال افريقيا؛ بتغطية اعلامية لهذا المنهج تغطية كلية؛ حتى يتم تغييب مفردة الوطن العربي عن الاعلام والسياسة، وبالتالي عن نفوس الناس واذهانهم، لتعبيد الطريق؛ كي ننسى اننا ابناء وطن واحد كبير، مهما اختلفنا وتباعدنا. ان خطة التطبيع بين السعودية ودولة الاحتلال الاسرائيلي؛ تناولها توماس فريدمان، في مقالة له؛ نشرها مؤخرا، يشير فيها الى؛ ان امريكا تريد استكشاف امكانية للحوار حول التطبيع بين امريكا ودولة الاحتلال الاسرائيلي والسعودية وفلسطين وهو هنا يقصد بفلسطين؛ وبكل تأكيد السلطة الفلسطينية. ان هذا يعني وفي اهم ما يعني؛ ان خطة التطبيع بين دولة الاحتلال الاسرائيلي والسعودية ذات ابعاد استراتيجية؛ تشمل الكيفية التي يتم بها، بعد التطبيع والطريقة التي يجري على هديها؛ ايجاد مخارج لحل قضية الشعب الفلسطيني. هنا يظهر جليا هو ان عملية التطبيع هذه، من وجهة النظر المتواضعة؛ الاخطر على القضية الفلسطينية؛ اكثر كثيرا من عمليات التطبيع السابقة. حيث انها اذا قدر لها وجرى تنفيذها على ارض الواقع؛ طعنة في ظهر قضية فلسطين، وشعب فلسطين المجاهد؛ سيكون لها تداعيات واسعة ومؤثرة جدا؛ لأن السعودية دولة لها قدرات اقتصادية كبيرة جدا، ولها ايضا تأثيرات منتجة على محيطها العربي، وعلى جوار المحيط العربي وعلى الفضاءات الدولية، وهي تأثيرات عميقة وواسعة. أما في التصدي ومواجهة عمليات التطبيع؛ يكون لزاما، أو ان من واجب قوى المقاومة الفلسطينية وقواها الاخرى الحية والمناضلة تحديدا، وليس غيرهم؛ هو وحدة الصف، وحدة حقيقية على الارض؛ حتى يكون بمقدورها انتاج خطابا مضادا؛ يتصدى لهذا التطبيع المرتقب، من الآن وليس الانتظار حتى يكون واقعا على الارض، على ان لا يكون موجه ضد السعودية وهي لم تطبع بعد، بل خطاب يتصدى بقوة  لعمليات التطبيع هذه بالمجمل. هذا التصدي لا يجب ان يكون فقط من الفلسطينيين المجاهدين والمناضلين، بل من جميع الاحزاب والقوى العربية، والادباء والمثقفين. بالعودة الى صفقة التطبيع بين السعودية ودولة الاحتلال الاسرائيلي؛ ان من بين اهم الضمانات التي تطالب بها السعودية كلا من دولة الاحتلال الاسرائيلي وامريكا؛ يتلخص كما اوردها او سربها؛ توماس فريدمان في مقالته التي اشرت لها في اعلى هذه السطور، وهي كما كتبها توماس فريدمان؛ سيطالب به السعوديون والأمريكيون من نتنياهو هو أربعة أمور كمقابل لهدية كبيرة مع دولة عربية مسلمة: "وعد رسمي بعدم ضم الضفة الغربية، لا توسع استيطانياً في الضفة الغربية خارج المستوطنات الموجودة، ولا شرعنة للبؤر الاستيطانية، ونقل المناطق الفلسطينية المصنفة (ج) والخاضعة الآن للسيطرة الإسرائيلية الكاملة إلى مناطق ألف وباء ووضعها تحت سيطرة السلطة الوطنية حسب شروط اتفاقيات أوسلو. وعلى السلطة الوطنية المصادقة على اتفاقية التطبيع السعودية – الإسرائيلية (المقصود بالسلطة الوطنية؛ السلطة الفلسطينية..)". ان هذه الضمانات حتى وان تم الاخذ بها من الجانبين الامريكي والاسرائيلي؛ لا يمكن بناء مستقبل حل الدولتين عليها، أو ان تكون ضمانة لها الحظ الاوفر في اقامة دولة فلسطين على الضفة الغربية والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية. أذ، وبكل سهولة يمكن لهذا الكيان الاسرائيلي التنصل عنها، كما تنصل عن تنفيذ ما ورد في اتفاقات اوسلو التي صارت الآن نسيا منسيا. انها ومن وجهة النظر المتواضعة؛ هي لغرض الاستهلاك وليس التنفيذ، هذا اولا وثانيا هي لإخراج هذا التطبيع ان حدث وصار واقعا على الارض؛ كما لو أنه انتصارا للقضية الفلسطينية؛ في عملية غير بريئة؛ في عصر قضية شعب يريد الحياة، لتصغيرها حتى يسهل تاليا، في الزمن اللاحق؛ تحويلها الى قطعة جغرافية صغيرة؛ يُسهَل لدولة الاحتلال الاسرائيلي وضعها في احد جيوبها مع منحها وضعا خاصا ولو الى حين. خصوصا اذا تم اعادة انتاج السلطة الفلسطينية الحالية بسلطة اخرى بديلة في المستقبل القريب. ان هذا السيناريو عندما يتم طرحه مستقبلا، في بيئة وظرف دولي، يصنعه؛ التحول الدولي المقبل؛ يصبح مقبولا من القوى الدولية والاقليمية، الصين وروسيا وايران وتركيا؛ في سلسلة من المقايضات التي لامحالة سوف تظهر في الزمن اللاحق. ان الدولتين، الصين وروسيا؛ سوف تصعدان، وحتى الهند والبرازيل؛ الى موقع قيادة نظام الكوني متعدد القيادات. دولة الاحتلال الاسرائيلي تربطها مع كل من روسيا والصين علاقات قوية، وبضوء اخضر امريكي حتى وان ظهر على عكس هذا الرضا. في الوقت عينه ان السعودية سعت وتسعى الى بناء علاقات واسعة مع الصين وروسيا في الحدود المقبولة من الجانب الامريكي؛ بحيث لا تمنح مساحة واسعة للدولتين على حساب المساحة ذات الابعاد الاستراتيجية بين السعودية وامريكا، اي حصرهما في اضيق مساحة ممكنة للحركة.  البيت الابيض، اشار مؤخرا، قبل اسابيع الى ان مسار مفاوضات التطبيع بين دولة الاحتلال الاسرائيلي والسعودية؛ تم وضع الاطار لهذه المفاوضات.. جون كيربي المتحدث الرسمي باسم مجلس الامن القومي الامريكي اشار في 9- اغسطس 2023؛ ان المفاوضات حول التطبيع تجري، إنما لم تحرز بعد تقدما، ربما يستغرق الامر فترة ربما لم تكن قصيرة. ماثيو ميلر المتحدث باسم الخارجية الامريكية اشار الى ذات الموضوع. إما من وجهة النظر المتواضعة فأن التطبيع، ربما كبيرة جدا؛ لن يحدث قبل الانتخابات الامريكية. السعوديون لا يريدون او لا يرغبون ان يتولى الديمقراطيون ادارة البيت الابيض لأربع سنوات مقبلة..

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم