أقلام حرة

صادق السامرائي: نُذِلُ أحياءَنا ونُجِلُ أمواتنا!!

ظاهرة عراقية بإمتياز، لا مثيل لها في الدول المجاورة ودول الأمة الأخرى، وتتكرر عبر الأجيال. فلو نظرنا لِما حصل في القرن العشرين للأشخاص الذين برزوا بميادين الحياة المتنوعة، لتبين أنهم تعرضوا للتصديات والمعوقات والعدوان على ما يمت بصلة إليهم.

ولو تابعنا مسيراتهم، فسنجد معظمهم غادروا الوطن، وإنتهوا في بلاد الآخرين، وما ظفروا بإعتبار أو قيمة في وطنهم وهم أحياء.

وحالما يُعلن نبأ وفاتهم، تستيقظ الغيرة والحماسة، بإدعاء محاسنهم وأنهم أبناء الوطن، وما منهم مَن تم تكريمه وهو حي إلا فيما ندر.

مات فلان وإذا به يبدو وكأنه لا يتكرر ولا كمثله في الدنيا، وتبدأ أحاديث النفاق والرياء والتفاعل المريب معه، والبعض يستغله لتمرير أجندات معينة.

لو سألت عن أي مبدع وذي عقل فاعل في البلاد ستجده ذليلا، إن لم يكن صاحبا للكرسي!!

الكراسي لها دورها في الموضوع، لأنها تمضي على سكة أما أن تكون معي أو أنت عدوي، فيكون المبدع الحر عدوا ولابد من محاربته وحرمانه وتمريغ رأسه بالذل والهوان، وعندما يموت يكون قد رحل وحان وقت التفاعل بوجه آخر معه.

في حياته عدوّي وعند مماته صديقي العزيز، وتلك لعبة غبية تسمى سياسة، وما هي كذلك؟

وعندما تسأل عن الشعب، فهو بلا قدرة على النعبير عن رأيه، ويتعبّد في محاريب الكراسي، فالشعوب مطية حكامها، شئنا أم ابينا.

والقضية الأخرى الفاعلة في الحالة، نشاطات لاواعية في أعماق الناس تأخذها إلى فضاءات التفديس والتنزيه للأموات، وكلما إبتعدوا في زمانهم تراكمت التوصيفات التقديسية المغالية حولهم، حتى تجد القرون المتوالية تلقي بأحمالها عليهم، فتخرجهم من بشريتهم، وترفعهم فوق العرش درجات، وبتكرار التداعيات المتصلة ببعضها، تجدنا أمام أهوال توصيفات، تمحق العقل، وتتجذر في النفوس والأعماق المتأججة بعواطف ملتهبة ذات إقترانية عالية.

وهكذا يعاني الأحياء المبدعون، وكأن تأنيب الضمير يأخذنا إلى عوالم التكفير عن سيئاتنا بتقديسهم الوهمي الفتاك.

فهل من موضوعية وعقل قويم؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم