أقلام حرة

صادق السامرائي: التأريخ المُفتعَل!!

القراءة المتأنية للتأريخ تطرح أسئلة وتثير مسائل تستحق النظر، فلا يُعقل أن العرب لم يدوّنوا على مدى (119) سنة بعد وفاة النبي، وهو الذي كان له كتّاب وحي، ودعى إلى تعليم المسلمين القراءة والكتابة عقب معركة بدر كفدية أسر.

ومن المعروف أن وثيقة المدينة كانت مدونة، وكذلك صلح الحديبية وغيرها من المواثيق والعهود، وفي القرآن الكريم نصوص تحث على التدوين.

وهناك مَن يذكر بأن السيرة النبوية قد تم تدوينها بالكامل في زمن عثمان بن عفان، ومعظم الصحابة كانوا يقرأون ويكتبون.

وهل أن علي بن أبي طالب لم يدوّن، وكذلك الحسن والحسين، وعدد من أعقابهم؟

المسألة تثير أسئلة وشكوك، ولا بد من فهمها.

العرب دوّنوا!!

فأين ذهبت مدونات العرب منذ الهجرة وحتى سنة (132) هجرية، عندما إنطلقت الدولة العباسية وبدأ عصر التدوين الحقيقي؟

يجب أن لا نغفل ما ورد عن وقعة الحرة (63) هجرية، التي قضت فيها جيوش يزيد بن معاوية (60 -64) هجرية، على الكثير من الصحابة في المدينة، وهم من أنصار علي بن أبي طالب المخلصين، والذين كانوا يريدون خلافته وقيادته.

تلك المأساة التي فتك فيها المسلمون بالمسلمين صحابة وأبناء وبنات صحابة، لابد من تسويغها ودفنها في غياهب النسيان أو محوها من ذاكرة المسلمين.

ويبدو أن معظم المدوّنات كانت بواسطة الأنصار، مما دفع الأمويين إلى حرق التي تتحدث عن الأنصار وقيمتهم التفاعلية مع الرسالة المحمدية، وقد فعلوا بهم ما فعلوه من النكبات والآثام، حتى إغتصبوا نساءهم وبناتهم، وما بقيت فيهم فتاة باكر، كما تذكر المدونات، والعهدة على مَن كتب.

هذه حادثة لازلنا نحاول طمرها، وننفي دورها في محق المدونات التي بلغت ذروتها في زمن الخليفة عثمان بن عفان، ولا يمكن القول بعدم وجود مدونات قبله وبعده.

فالأموييون قد كتبوا التأريخ على مقاساتهم لتأمين وتسويغ سلطتهم التي ربما يرفضها الكثيرون، ولهذا نشبت الحروب الداخلية القاسية بين المسلمين، ومن أجل الكرسي محقوا الكثير من الدلائل والوثائق والشواهد والمعالم التي تدينهم، لجعل سلطتهم قدر وبتفويض إلهي.

فالواقع تعرض لمسيرة محق على مدى قرن أو يزيد، وهذا ربما يفسر لماذا لا توجد مدونات في زمن معاوية الذي إستمر في الحكم لأربعة عقود.

ويبدو أن العباسيين حاولوا أن ينقذوا ما ينقذوه من المحفوظ شفاهيا فإنطلقت حركة التدوين التي بين أيدينا معظم مصادرها، ولا يوجد مصدر معتمد مكتوب في الزمن الأموي، فكان المدون على مقاساة الدولة الجديدة.

وكأنهم جعلوا القرآن المدوّن الوحيد لا غيره.

فهل أن الذي وردنا من الغابرين ينطق بلسان الحقيقة والدين، أم للكراسي مخلص أمين؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم