أقلام حرة

مزهر جبر الساعدي: قراءة متواضعة في خواتيم المجازر الاسرائيلية بحق الشعب الفسطيني

من وجهة نظر متواضعة؛ ان حرب الابادة الاسرائيلية على قطاع غزة، ارضا وشعبا؛ لا تشكل سوى جانب واحد من الصراع العربي الاسرائيلي، على اهمية ودموية حرب الابادة هذه، ليس على الشعب الفلسطيني في غزة، بل على الشعب الفلسطيني في كل الارض الفلسطينية المحتلة. ما اقصده هنا؛ هو ليس، انها، اي هذه الجريمة الاسرائيلية؛ سوف تتمدد الى خارج حدود الارض الفلسطينية المحتلة، بل ان ما اقصده؛ هو ان نتائجها وتداعياتها سوف تتمدد الى خارج الارض الفلسطينية، سلبا او ايجابا، لصالح المخطط الامريكي الاسرائيلي، او لإخفاقه وفشله في تحقيق نتائج ملموسة. ان هذه القراءة تؤيدها، او تثبت صحتها افتراضا؛ هو التصريحات الغربية والامريكية، وطروحاتهما السياسية؛ لإيجاد مخارج للصراع العربي الاسرائيلي، وهي مخارج لصالح الاحتلال الاسرائيلي.. بالاعتماد في التحليل على التالي:

اولا: كل تصريحات رؤساء الدول الاوربية، وامريكا؛ اعتبرت المقاومة الفلسطينية ورأس حربتها حركة حماس والجهاد الفلسطيني؛ منظمات ارهابية وبالذات حماس، ليس لها علاقة بالمقاومة الفلسطينية، او انها لا تمثل الشعب الفلسطيني في مغالطة صارخة للواقع.. ان هذا العزل والاقصاء؛ مقدمة لتصفيتها عمليا على الارض؛ او هو ضوء اخضر امريكي وغربي، للاحتلال الاسرائيلي بمواصلة جريمته في قتل الفلسطينيين في غزة، كل الفلسطينيين، اطفال ورضع ونساء وكبار السن، اضافة الى تدمير المشافي وكل البنى التحتية من كهرباء وماء وكل ما له علاقة بحياة الناس؛ تمهيدا لصفحة التهجير القسري. أما بقية التصريحات للمسؤولين سواء الدول الكبرى، روسيا والصين، او الدول العربية او الدول الاقليمية؛ باستثناء ايران وتركيا، والعراق وسوريا؛ وضعت بالتساوي، الجلاد المجرم، الاحتلال الاسرائيلي، والضحية، الشعب الفلسطيني في غزة على طرفي الصراع او الحرب، في تجني على حقائق الواقع الموضوعي. اذا ما وضعنا جانبا الملحمة التاريخية الفلسطينية في السابع من ت1، اكتوبر، وهي عملية بطولية؛ جاءت كرد على الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه، ليس كعمل ارهابي مجرد من الاسباب، وهو احتلال الارض والفتك بالإنسان وسلبه ارضه وانسانيته. فان الحرب بعد هذا التاريخ، اي ما تسميها اسرائيل بالسيوف الحديدية؛ في اشعال محارق على الارض و على الانسان، وهي محارق كلية الوجود على الارض، لا تترك شبرا مهما كان صغيرا، الا واشعلت فيه الحرائق، على مدار الاسبوعين المنصرمين، والى الآن. أذا؛ المساواة بين المجرم الجلاد الاسرائيلي العنصري وبين الضحية الفلسطينية؛ لا تمت الى الانسانية باي صلة مهما كانت صغيرة، وهذه المساواة غير اخلاقية تماما، وهي بالإضافة الى هذا؛ اعتداءا صارخا على حق الأنسان في الوجود الأمن وعلى القانون الدولي الانساني. الاحتلال الاسرائيلي ما كان له ان يقوم بكل هذه الجرائم لولا الدعم والمشاركة الامريكية والغربية، والصمت الحقيقي، وليس اصوات الصمت، العربية والدولية والاقليمية؛ تلك الاصوات التي ترفع عقيرتها بالتصريحات سواء الدولية والاقليمية والعربية، والتي مفادها؛ من المهم ايقاف قتل المدنيين من الجانبين، وكأن المقاومة في امكانها او في قدرتها مواجهة ألة الحرب الاسرائيلية في احداث التأثير المتبادل والمتكافيء على جانبي الصراع، على الارض والأنسان؛ أنها بطريق او بأخرى اعطاء حجة للجريمة الاسرائيلية بحق الشغب الفلسطيني في غزة. أما البيان الذي صدر من الدول العربية التسعة؛ فهو بيان الا يرتفع الى مستوى التحدي اولا ولا الى مستوى المجازر الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني؛ لذا يظل هذا البيان دعائي بالدرجة الاولى؛ وتجميل مواقف تلك الدول العربية من هذه المجازر؛ وكأنها بهذا البيان دعمت المقاومة الفلسطينية؛ وهي سياسة تبرير امام شعوبها العربية. عليه فان هذا البيان كأنه لم يكن اصلا؛ لأنه غير مصحوب بإجراءات تنفيذية، وما اكثرها في حوزة هذه الدول العربية ان هي أرادت فعلا استخدامها في دعم الحق الفلسطيني..

ثانيا: الدعوة الامريكية والغربية في اعتبار المقاومة الفلسطينية؛ ارهاب دولي. ووضع هذه المقاومة على منضدة واحدة هي وداعش وتنظيم القاعدة. هذا يعني ولو بصورة غير محددة وواضحة، وبنبرة منخفضة الصوت، في الوقت الحاضر من جهة، اما من الجهة الثانية؛ فهي دعوة لتشكيل تحالف دولي لمحاربة المقاومة الفلسطينية، وحتى كل من يدعمها واقصد هنا ايران، وغير ايران من الدول العربية ومن الدول الاقليمية. وهي دعوة خطيرة جدا على الأمن العربي والاقليمي، وعلى الامن والسلام العالمي..

ثالثا: الاستعدادات الامريكية العسكرية غير المسبوقة في المنطقة العربية، لا يمكن ان تكون بلا اسباب استراتيجية، بمعنى اخر؛ ان هذا التجييش الامريكي في المنطقة؛ يتعدى الحرب الاسرائيلية الاجرامية في غزة؛ والى ما هو ابعد منها، من حيث الاهداف الختامية لهذه الجريمة؛ وليس للمشاركة في مفاعليها العسكرية بالشكل المباشر الفعال، فهذه مهمة الاحتلال الاسرائيلي، والاحتلال الاسرائيلي بفعل ألة الحرب الامريكية قادر على تنفيذها على الارض والناس تدميرا وليس انتصارا، فهذا الأخير، له شكل اخر وطريق اخر. امريكا بتواجدها العسكري المدمر والفعال، الآن، في المنطقة العربية؛ هو لكبح رد الفعل من دول اقليمية او من المقاومة؛ لاحتواء تداعيات جرائم الاحتلال الاسرائيلي في غزة في المقبل من الاسابيع، التي ربما تتعدى الاسابيع الى الاشهر، وربما اكثر.. هذه التداعيات اذا ما كانت او انتهت لصالح الاحتلال الاسرائيلي؛ فأنها سوف تلقي بظلالها على سياسة تلك الدول وعلى المقاومة في آن واحد. أذ، انها سوف تأكل من جرف تلك الدول لجهة طروحاتها السياسية وتوجهاتها الملعنة، ومن جرف المقاومة العربية للاحتلال الاسرائيلي. ان ما تفعله امريكا والغرب والاحتلال الاسرائيلي معا؛ يقع في خانة المخطط بعيد الامد والمدى، وفي خانة الخبث اللامحدود في استخدام الامن الاقليمي والاستقرار والسلام؛ باعتبار المقاومة الفلسطينية (حماس) ارهاب دولي، يستلزم الاصطفاف الدولي لمحاربته؛ كغطاء لتمرير جريمة الاحتلال الاسرائيلي على فلسطين ارضا وشعبا وتاريخا.

رابعا: الموقع الاخباري البريطاني نشر في يوم 26ت1، اكتوبر؛ تقريرا مفاده، او ملخص ما جاء فيه؛ ان امريكا واسرائيل تعملان في الخفاء على الاستعداد لحرب برية مفاجأة؛ وباستخدام غاز الاعصاب في مهاجمة الانفاق التي تستخدمها قوات المقاومة الفلسطينية في غزة. امريكا تشارك في هذه العملية من خلال او بواسطة الخبراء، او قوات الدلتا التي كانت قد عملت في العراق اثناء الغزو والاحتلال وفي السنوات التي تلت الاحتلال. الغاز من النوع الذي يكون تأثيره محدود لمدة تتراوح بين 6-12ساعة وهي كافية لإنقاذ الرهائن (الاسرى)، وقتل افراد قوات المقاومة. ربما يكون نشر هذا التسريب صحيحا وربما الغرض منه؛ التأثير على المعنويات.. في جميع الاحوال ان هذا يعكس بصورة واضحة؛ ان مرحلة الصراع العربي الاسرائيلي؛ قد دخلت في اخطر مرحلة من مراحل هذا الصراع. كما ان هذا يؤكد بلا ادنى شك؛ ان المخطط الاسرائيلي الامريكي الغربي، مخطط خطير جدا، بل هو الاخطر، ليس القضية الفلسطينية، بل على الاوطان العربية، وعلى البعض من الجوار الاسلامي (ايران).

خامسا: الحديث عن تهجير سكان غزة الى مصر، وفي تزامن جار الحديث عن الوطن البديل. لم يكن من فراغ او ليس له صلة بالعملية الاجرامية للاحتلال الاسرائيلي التي تجري الآن على مدار الساعة والدقيقة والثانية في القتل والتدمير التي لامثيل لها ابدا في جميع مراحل الصراع العربي الاسرائيلي.

السؤال الكبير، هو هل تنجح اسرائيل والغرب وامريكا في كل هذا الذي تقدم في اعلى هذه السطور؟ الجواب وبكل تأكيد: لم ولا ولن تنجح. وباختصار للأسباب التالية:

اولا: ان الهجوم البري اذا ما اقدمت عليه اسرائيل فأنها سوف تفشل بفعل صلابة وقوة ودرجة الاستعداد الجهادي للمقاومين الذين سوف يتصدون له وبجدارة. هذا من جانب اما من الجانب الثاني وهو جانب افتراضي ليس الا؛ اذا ما نجح الاحتلال الاسرائيلي مع ان وجهة النظر الشخصية؛ من انه لن ينجح ولكن افتراضا؛ فان اسرائيل سوف تواجه مقاومة شرسة في غزة وفي كل الارض الفلسطينية المحتلة. وتجبر اسرائيل حينها على ان تدفع اثمان باهظة في حفظ الامن واقصد امن جنودها، وفي الادارة وفي غيرهما الكثير. ومن جانب أخر؛ فان السلطة الفلسطينية في رام الله سوف تهتز اهتزازا قويا جدا،  بما يطيح بها، قبل ان يطيح بها هذا المخطط الاسرائيلي الامريكي الغربي لاحقا في المقبل من السنين..

ثانيا: ان هذه الخواتم؛ سوف توسع منطقة الفراغ بين الشعب العربي في كل دولة عربية على حده، ونظام الحكم فيها، وما اقصده هو الانظمة العربية المطبعة. مما يقود الى ان تجد هذه الانظمة نفسها تحت الضغط الواقع الناتج عن المخطط الامريكي الاسرائيلي الغربي؛ مجبره ليس بالوقوف على الحياد، كما هو جار حاليا، اذا ما صرفنا النظر عن تصريحات مسؤولوها، التي لا صوت لها ولا تأثير جدي، بالوقوف الى جانب المقاومة بمواربة، أو بطريقة ما ملائمة لها في الظروف السياسية التي تولدها الخواتيم في حينها.

ثالثا: دول الجوار الاسلامي وما اقصده على وجه التحديد الحصري، ايران؛ سوف تجد نفسها، او انها سوف تدخل في الصراع ولو عبر اذرع المقاومة، على الرغم من التلويح الامريكي، وبالتهديد الصريح والواضح من انها سوف تجابه برد قوي من قبل امريكا ان هي تدخلت في هذه الحرب، ولو بواسطة اذرعها كما هي تقول امريكا. من الجانب الثاني وفي الفحص المتأني للأوضاع ومخارجها لاحقا، وعلى ضوء الخطاب الايراني الايديولوجي وطروحاتها السياسية التي تعكس هذا الخطاب؛ اذا لم تتدخل ولو بواسطة المقاومة، فأن هذه المخارج سوف تؤثر تأثيرا جديا وفاعلا ومنتجا؛ على الداخل الايراني وعلى النظام بأكمله. عليه فان مقاومة جوار المقاومة الفلسطينية؛ سوف لن تكتفي كما هو حاصل في الوقت الحاضر من الصراع؛ بضربات منتخبة محدودة، بل سوف تتوسع الى رد مفتوح..

رابعا: ان الرأي العام الدولي وفي جميع دول العالم؛ بدأ في الايام الاخيرة هذه يرتفع اكثر واكثر مع كل يوم يمر بالتنديد والادانة لهذه الجريمة الصهيونية. اضافة الى الرأي العام العربي والاقليمي. مما سوف يشكل قيدا على هذا المخطط الامريكي الاسرائيلي الغربي. كما ان الداخل الاسرائيلي مفكك بصورة واضحة ومفلته للنظر؛ من خلال ما تنشره الصحافة الاسرائيلية..

في الختام اقول؛ ان المقاومة الفلسطينية والعربية وفي كل مكان؛ سوف تنتصر، ليس على مخططات دولة الاحتلال الاسرائيلي، وربيبتها الامبريالية العالمية المتوحشة، بل على كل مواقف الانبطاح والمهادنة..

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم