أقلام حرة

بكر السباتين: ذرائع إبليس لدخول الجنة

ومشروع إسرائيلي لما بعد انتهاء حرب غزة

ليس خافياً على المراقبين بأن الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية، ومن يدور في فلكها من الحلفاء الغربيين، وبعض الدول العربية المنضوية تحت عباءة الاتفاقية الإبراهيمية، هو البحث اليائس في مصير قطاع غزة ما بعد الإطاحة بحركات المقاومة في غزة وعلى رأسها حماس!! وذلك من خلال ارتجال خطتين جرى الإعداد لهما على عجل نظراً لعنصر المفاجأة الذي حققته المقاومة في طوفان الأقصى ما أربك كل حسابات القيادة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة.. وذلك على النحو التالي:

أولاً:- محاولة إخضاع قطاع غزة لإدارة مشتركة، قطرية إماراتيةمصرية سعودية إلى جانب ما تبقى من حطام سلطة أوسلو ، بدون الأردن الذي اعترض على هذا النهج التصفوي للقضية الفلسطينية، وذلك برعاية أمريكية شاملة، مع احتفاظ "إسرائيل" بكامل الحق في التدخل أمنياً وفق المستجدات الطارئة في القطاع لقطع "دابر حماس الإرهابية" لو أعادت بناء نفسها مستقبلاً.

وبالتالي العودة إلى شعار "مواجهة الخطر الإيراني" الداهم -وفق الرؤية الغربية- الذي بسببه تم إبرام اتفاقيات إبراهام حيث توقفت عند عتبات السعودية؛ بسبب طوفان الأقصى.

وقد جرى التمهيد لذلك إعلامياً على اعتبار أن حماس مجرد ذراع إيرانية عسكرية لو انتصرت فإنها قد تزعزع أمن المنطقة؛ ليتم تصدير هذه الفكرة المضللة إلى الإعلام العربي والبناء عليها بمشاركة الجيش السيبراني الإسرائيلي المؤثر عبر الفضاء الرقمي.

وهذا من شأنه لو تحقق؛ أن يبرر ضرب حماس في غزة بالحديد والنار فَيُشْفَعُ ل"إسرائيل" ما اقترفت من جرائم لا تقارن إلا بالنازية؛ حتى لو جاءت النتيجة وبالاً على الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للتطهير العرقي في عموم فلسطين وخاصة غزة.

مع أن دخول قوات أجنبية إلى غزة سيعرضها لنيران المقاومة كونها تدرك الغاية من مجيئها حتى لو رفعت علم الأمم المتحدة.

في تحليل نشرته فورين بوليسي في الثامن من نوفمبر 2023، يقول، جيسون باك، وهو مقدم برنامج بودكاست (Disorder)، ومؤلف كتاب "ليبيا والاضطراب العالمي الدائم"، إن الغرب يجد في الحرب المستعرة في غزة، فرصة لا تعوض لإعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط السياسية.

ويحاجج الكاتب بأن الفشل في اغتنام الفرصة الدبلوماسية التي توفرها هذه الأزمة من شأنه أن يزيد احتمالات نشوب حروب في المستقبل، خاصة أن الشهر الأول من الحرب لا يعطي بوادر تشير إلى إمكانية تحقيق نتائج عسكرية قادرة على توفير الأمن أو الرخاء سواء للإسرائيليين أو الفلسطينيين.

ويعتقد أن نهاية الحرب في ظل غياب حل إقليمي، وتعقيد الانقسامات القائمة حاليا سيشكل "انتصاراً لحماس وإيران وروسيا" حسب رأيه.

وفي تقدير معظم الخبراء العسكريين -منهم الدويري عبر قناة الجزيرة- أن هذا الأمر يبدو مستحيلاً لأن الوقائع الميدانية تشير إلى عجز جيش الاحتلال عن تحقيقِ سيطرةِ حقيقةٍ على الأرض، رغم توغله فيها، حيث تشير التقارير إلى أن جيش الاحتلال غارق في مستنقع غزة ويتعرض لحرب استنزاف خطيرة.

إذْ حوّلت أنفاقُ غزةَ رجالَ المقاومةِ إلى أشباح ما لبثت تكبد جيش الاحتلال خسائر طائلة في المعدات والأفراد ثم تختفي.

إلى جانب أن حماس كانت مستعدة لحرب طويلة الأجل، وقد تحولت الأنفاق إلى مدينة استثنائية تحت الأرض، كاملة الخدمات، مما سيساعد على إطالة أمد الحرب، وخاصة أن المقاومين عبرها دمروا أكثر من 165 دبابة ميركافا وناقلة جنود من طراز النمر بصواريخ الياسين المصنعة محلياً.

ثانياً:- فإذا نجح جيش الاحتلال -وهذا مستحيل- في سحق المقاومة ومن ثم إخضاع القطاع لأدارة عربية إسرائيلية؛ فإنه سَيًعْلَنُ عن تنفيذ مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء كهدف استراتيجي منشود يجتمع عليه الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه.

من جهته ألقى اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كلمة متلفزة، أكد فيها حرفياً بأن “لا هجرة من الضفة أو غزة إلى مصر، وأحيي موقف الأشقاء في مصر الذين يؤكدون أنهم الحاضنة ولكن على أساس لا هجرة”.

وأكد هنية أن “أهل غزة متجذرون في أرضهم ولن يخرجوا من غزة”.

ويرى مراقبون أن هاتين الخطوتين إنما تدلان على تخبط القيادة الأمريكية وفي أن جيش الاحتلال في مأزق وجودي، وما استهدافه المدنيين إلاّ تأكيداً على ذلك.

وهذا من شانه أن يفسر الكثير مما يدور حولنا من سياسات مبهمة ومتعددة التفاسير.. على نحو الرفض المصري الأردني لمشروع تهجير الفلسطينيين القسري سواء كان ذلك إلى سيناء أو إلى الضفة الغربية مستقبلاً في إطار الوطن البديل.

وقد اعتبر البلدان محاولة تنفيذ هذا المشروع بمثابة إعلان حرب حقيقية.. ناهيك عن حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على غزة دون تمييز رغم أن القصف الذي استهدف البنايات السكنية لم يؤثر على أنفاق غزة التي يتمترس فيها المقاومون.

وهذا يعيدنا إلى تحقيق اجرته قناة الجزيرة في 2017 خلصت فيه إلى أن خطة توطين الفلسطينيين بسيناء قديمة وتعود إلى عام 2003، بصدور أول مطالبة إسرائيلية بتوسيع حدود قطاع غزة 50 كيلومتراً لتصل إلى العريش؛ لكن المصريين رفضوا المشروع.

فقد كتب رئيس قسم العالم العربي والشرق الأوسط راينر هيرمان في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" عام 2017 واستهله بالإشارة إلى أن النظام المصري استقبل -من قَبْل- وزيرة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية غيلا غامليئيل في القاهرة، العضو بالحكومة الإسرائيلية.. التي تحدثت عن سيناء كأفضل وأنسب مكان لإقامة دولة فلسطينية ووجه كلامها بالرفض الشديد.

وأشار هيرمان إلى أن شبكة "بي بي سي" البريطانية ذهبت إلى أبعد من الجزيرة بكشفها وثائق أظهرت أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك وعد بتوطين الفلسطينيين بسيناء عام 1982، مشيرا إلى أن هذا العام شهد أيضا استرداد مصر آخر جزء احتلته "إسرائيل" من سيناء بعد حرب 1967.

ومن يومها دفنت الفكرة تحت مستحقات اتفاقية كامب ديفيد لدى الطرفين، ولكن الفكرة ظلت كامنة في العقل الصهيوني لاغتام أية فرصة قد تساعد على تحقيقها.

ويبدو انها الآن قد حانت في سياق الحرب على غزة؛ رغم استحالتها بفعل صلابة المقاومة.

ففي حالة التخبط الذي يعاني منه الاحتلال فإن فكرةً كهذِهِ لو تحقق جزءٌ منها سَيُخْرِجُ القيادةَ الإسرائيليةِ من عنق الزجاجة.

الحسابات المصرية الراهنة اعتبرت المشروع خطراً على أمن مصر القومي على المدى البعيد، ما دعا الرئيس المصري، السيسي إلى أن يرفض المشروع جملة وتفصيلاً، لا بل واعتباره بمثابة إعلان حرب على مصر.

وهو ما فعلته الأردن -من جانبها- كونه لو نفذ سيمهد لتنفيذ مشروع الوطن البديل من خلال تفريغ الضفة الغربية من الفلسطينيين على حساب الأردن.

ولكن المثير في الأمر هو الدور الإماراتي غير الواضح في العودة إلى مشروع التهجير والذي كان مرتبطاً بصفقة القرن والاتفاقية الإبراهيمية، وذلك من خلال رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة ومستشار بن زايد، محمد دحلان، حيث خلص هيرمان في مقاله المنشور في جريدة "تسايتونغ" الألمانية -أعلاه- إلى أن وجود المئات بالعريش من أنصار محمد دحلان الممول من الإمارات يُعَدُّ دليلاً إضافياً على أن "صفقة القرن قادمة".

فعقلية دحلان مهيأة لمجابهة حماس، ولا أريد توظيف ما اتهمه به عباس باغتيال الشهيد عرفات رغم نفيه لذلك؛ ولكن تجدر الإشارة إلى اتهام دحلان بالوقوف وراء تشكيل خلية الموت التي أنيطت بها مهمة تصفية الشخصيات البارزة في حماس، حيث نُسِبَتْ إليها عملية اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي، فبراير 2010، وفق ما كشفه في حينها محمد نزال أحد القياديين في حركة حماس من خلال اضطلاعه على نتائج التحقيقات رغم نفي دحلان مسؤوليته في ذلك،

فهل يشير ذلك إلى دور إماراتي مشبوه باتجاه تحقيق مشروع ترحيل الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء!؟ مع أن الأمر لا يخرجَ عن طور التكهنات.

وإلّا فما هو تفسير ما جاء في كلمة مندوبة الإمارات في مجلس الأمن حينما ساوت ما بين الجلاد والضحية متهمةً حماس في أنها حركة إرهابية!؟

إلا يشير ذلك إلى تأييد الإمارات المبطن للموقف الإسرائيلي! أم أنه خطاب سلمي تتبناه الإمارات في المواقف الإقليمية!؟

وما رأيكم فيما قالته شبكة (Rotter Net) الإخبارية في أن “الأمريكيين والإماراتيين يحاولون الضغط على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لقبول سكان قطاع غزة مقابل سلسلة من المزايا الاقتصادية والأمنية”.

إلا يتوافق هذا الموقف مع ما قاله موقع صحيفة إلموندو ديبورتيفو الإسبانية في" أن هناك مرتزقة من إسبانيا وألمانيا وفرنسا والهند وعرب وأفارقة يشاركون في الحرب على غزة، وتقوم (شركة بلاك شيلد الإماراتية للمرتزقة العسكريين) بإرسالهم للقتال في غزة، ما فتح التكهنات حول اسم هذه الدولة العربية.

وقالت تقارير غربية ان علاقة مشبوهة تربط الإمارات بشركة بلاك شيلد التي تقوم بتجنيد المرتزقة بمرتبات خيالية للقتال إلى جانب "إسرائيل" في حربها البرية على غزة،

فماذا لو علمنا بأن لدى دحلان علاقات وثيقة مع شركات الأمن الخاصة التي توفر هؤلاء المرتزقة في كل الحروب الإقليمية التي شاركت فيها الإمارات سواء في ليبيا، اليمن، السودان!؟

والغريب أن "إسرائيل" التي دمرت معظم مستشفيات غزة تمنح الإمارات تصريحاً ببناء مستشفى ميداني في القطاع، وفق وكالة الأنباء الإماراتية "وام"..

فهل يثق أهل غزة -بعد كل ما ذكر- في مستشفى سبق وأن طُرِدَ كادرُهُ من غزة عام 2014 بسبب اتهامه بالتجسس؟

ففي مثل احوال غزة فإن الشك يشبه اليقين.

وللتذكير في مجريات ما حدث آنذاك فقد أوضح موقع " الجمهور" يوليو 2014 بأن الجهاز الامني التابع لحركة حماس بما لا يدع مجالا للشك اكتشف أن جميع أفراد الطاقم الإماراتي يعملون لصالح الموساد الإسرائيلي، وأن مهمتهم السرية التي جاؤوا من أجلها إلى قطاع غزة تنصُّ على جَمْعِ معلومات استخبارية عن مواقع كتائب القسام ومنصات إطلاق الصواريخ.

ولفتت المصادر إلى أن التحقيقات المطولة التي اخضع لها الوفد الاماراتي كشفت بشكل قاطع عن أن عدداً من أعضائه يعملون كضبّاط كبار في جهاز الأمن التابع لأبو ظبي.

فهل مهمة المستشفى الميداني الإماراتي الجديد تختلف نظراً لهمجية القصف الإسرائيلي على القطاع أم هو يمثل حصان طروادة تحت مظلة طبية.

أتمنى أن تأخذنا الإجابات إلى تبرئة الإمارات العربية من هذه التهم حتى نحلم بمؤتمر عربي منصف للفلسطينيين في 11 نوفمبر المقبل، يؤدي دوره باقتدار لصالح حقوق الشعب الفلسطيني بدءاً من فتح المعابر لإدخال المساعدات إلى غزة ووقف إطلاق النار، واعتبار حماس حركة مقاومة تهدف إلى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني التي وأدتها أوسلو .. ولعله حلمٌ اقصاه قطع العلاقات من الاحتلال ولا نريد تدخلاً عسكرياً من اي قطر عربيّ كان.

أيضاً الإقرار بأنه لولا طوفان الأقصى ودماء الشهداء والتفاف الشعب الفلسطيني في غزة وخارجها حول خيار المقاومة لما ظل للقضية الفلسطينية من أثر.. وها هي المقاومة تضع النقاط على الحروف فيما جيش الاحتلال وأوهامه غارقان في مستنقع غزة.

***

بقلم: بكر السباتين

9 نوفمبر 2023

في المثقف اليوم