أقلام حرة

محمد سعد: القوة الناعمة المصرية والصعود الى الهاوية!!

شهدت مصر في الحقبة التاريخية في خمسينيات وستينيات القرن المنقضي .ثورة ثقافية وأدبية وفنية مازالت حاضرة الأن فكان الفن والأدب والشعر والمسرح والسينما والغناء، والصحافة قوة ناعمة لمصر من المحيط الي الخليج ..

وكانت هناك مقولة مشهورة (الكتاب يكتب في القاهرة ويطبع في بيروت ويقرأ في بغداد) فكانت القاهرة منارة ومقصد لكل المواهب في جميع المجالات .. ومع بداية فترة الثمانينيات بدأ عصر الفهلوة والقطط السمان في مجالات مختلفة.. وظهور شخصيات مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي أطلق عليهم صديقنا الروائي العراقي /حمزة حسن "بالمحتال الخفي" إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في المقاهي وعلي المصاطب في الريف وفي جلسات المزاج من تناول الشيشة بالحشيش فقط، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل (جائزة نوبل) يطلق عليهم / الأديب والفيلسوف الإيطالي / أمبرتو إيكو.

(غزو البلهاء)

ومع وسائل التواصل تنتشر ظاهرة الإحتيال الثقافي ومن السهل على أي شخص، حتى لو لم يقرأ كتاباً في الأدب او الأقتصاد والفلسفة والسياسة والتاريخ والجغرافيا والشعر والفن، وهذه الظاهرة في الجنسين، إستعارة مقاطع وبوستات والتواصل مع كتاب وأدباء وشعراء، ومع مرور الوقت تكتشف ان هذه المقاطع بلا خلفية ثقافية ولا نقدية ولا عقلية أدبية ولا ذوق ففي أثناء دراستنا في كلية الأداب كان مقرر علي كل الاقسام مادة (تذوق الأدب) وكانت نسبة النجاح فيها لاتتعدي 20%رحم الله استاذنا / محمود ذهني. لظهور بهلونات بلا اخلاق، هي الطعم والفخ في البحث عن مكانة وقيمة وأهمية لكائنات معطوبة في المجتمع تبحث لها عن دور فوجدت ضالتها علي شبكات التواصل فيسبوك او غيرها . وهذة الكائنات تعيش في فراغ داخلي كصحراء مترامية الأطراف ليس فيها سوى الفراغ.

بعض هؤلاء يسمى "النرجسي الخفي النخبوي" وهو أخطر وأحط أنواع النرجسية الخفية لقدرته على صنع شخصية مزيفة وقصة حياة ملفقة وطرح نفسه "أديب" وانه ضحية مجتمع وكل أشكال التلاعب والكذب، ويختار ضحاياه للآسف من طبقة من المتعلمين و النخب لرفع مكانته وللشعور بالقيمة والهروب المتواصل من مشاعر دونية راسخة ومن ذات خاوية مزيفة، ومع الوقت تتضح الصورة الزائفة الملفقة وان هذا الكائن يضع على الرف قائمة من الاشخاص مصنفين عندما يكتب بوست في برنامج خاص ولكل واحد لغة خاصة وحكاية خاصة واسلوب تعامل خاص، ووقت صلاحية جاهز مسبقاً كمعادلة حسابية محسومة النتائج، وتتم عملية رفع وتخفيض هؤلاء حسب الحاجة دون أن يعرف أحدهم الآخر، وصنع صورة مثالية مزيفة.

أي أنك أمام " مجمع شخصيات" في شخص واحد. هذا النمط المريض ينتشر في مجتمع مغلق لغياب الثقافة النفسية القادرة على تحليل الشخصيات، ويلجأ للتفسيرات الأخلاقية السطحية مع ان العاهة أعمق وأخطر من ذلك بكثير وانه نوع من الاختلال العقلي المنظم والشرير.

لا يمكن إنكار ان هناك من يحب المعرفة والثقافة.والشعر والأدب والفن حتى بخلفية ثقافية متواضعة لكنه مجرد من النوايا السيئة التي تنتهي بافراغ الضحايا من الطاقة النفسية عبر مسلسل تلاعب خطير وتحويل حياة البعض الى جحيم، وعندما يتم الإكتشاف يكون الأوان قد فات على البعض.انه كان محتال وليس لدية من الفن والأدب اي صلة ..، هذة الظاهرة ازعجت الكثير من المثقفين بعد فتح الباب أمام كثير بالإشتراك في نقابات مهنية ..سمحت لهم بصفة كاتب وأديب وفنان وشاعر... والخ ..!!

يقول الروائي العراقي حمزة حسن / انه اتصل بطبيب أمراض نفسية ..لفهم هذه الظاهرة. قال: "إن ظاهرة الإحتيال الثقافي لتحقيق أهداف كثيرة، ظاهرة جديدة على مجتمعنا العربي، وانتشرت بشكل واسع وهؤلاء يختارون " صيدهم" من نخب الأدب لضمان الأمان والشعور الزائف بالمكانة ويتم الدخول الى عالمهم من خلال التلاعب بمشاعر حساسة لأن هؤلاء أكثر قابلية للوقوع في الفخاخ من غيرهم بسبب حسن الظن والحساسية والرهافة والحاجة للفهم والعواطف النقية، وهذا الصنف " المحتال الخفي" في سلوك مستنزف من اليقظة حتى النوم بدل البحث عن علاج يساعده في تصحيح الإنحراف الوجودي في النظرة للحياة، نسوا وجوههم الحقيقية وصارت الأقنعة وجوهاً من طول وتكرار التجارب، والصعوبة ان هؤلاء لا يعترفون بحالتهم بل العكس بالشعور بالعظمة الزائفة بلا أي أسس متينة ويرفضون تحمل المسؤولية ويرمون اللوم على الآخرين رغم كل أشكال التلاعب الفجة المكشوفة".

كان النصاب القديم يلجأ للطرق المباشرة في الإستغلال المادي أو العاطفي أو السياسي أو الثقافي، بلا أي مخططات تدميرية لكنه اليوم تطورت، وصار " مثقفاً" مع المثقفين وشاعراً مع الشعراء وميكانيكياً مع أصحاب ورش تصليح السيارات، ولا مانع لديه من أن يكون عاشقاً أو خطيباً في مسجد وفقية وحتى موسيقياً ورسام .عندما يصل الخراب الى آخر المساحات النظيفة، عندما يتحول الشعر والأدب والفن، الى أداة قذرة، تكون آخر معاقل الحلم، وآخر مساحة للأمل، قد تلوثت، وآخر حديقة للأحزان السرية قد خرّبتْ.

ثم إلى أين. اصبحت القوة الناعمة في مصر الي الإضمحلال بسبب صعود كثير من المحتاليين علي خشبة المسرح في مجالات كثيرة ..؟!

***

محمد سعد عبد اللطيف .

كاتب وباحث مصري متخصص في علم الجغرافيا السياسية

 

في المثقف اليوم