أقلام حرة

الطيب النقر: في قمع الخنا والفجور

المقالات التي يدونها أصحاب

العقل الراجح، والفكر القادح يجب أن تحتشد فيها مواكب هادرة من الصخب والضجيج، الذي يلفت الإنتباه لبعد الصلة بين ماضينا التليد، وحاضرنا الذي ناله ما ناله من نكاد الدنف، وكامن الوصب، الذي هزّ فينا منابت الوقار، وبيئة أهل اليراع المولعة بتعقب العيوب، ينبغي أن ترصد مجسات أسنتهم ما في الحياة الإجتماعية من قوة وضعف، وتحليق واسفاف، وأن تنأى تقاريرهم عن شوائب المصلحة، وتخلو ألفاظهم من اللطف والرفق، ومعانيهم من التزيد والافتراء، لقد جنح مجتمعنا عن الطريق الذي سار عليه أسلافنا، وأجنف عن السبيل القويم، وبات العربي المغنمٌ المدخر للقيم، والمأثرة الباقية للأخلاق، لا يتمعر وجهه وهو يرى قطيع الذئاب يرتع في وداعة مع أسراب الظباء، بل يرى الشيطان الممثل في الميديا الغربية تحتال بخديعتها ومكرها، ولطف مسالكها، فلا يأبه لذلك، ليت شعري أين ذهبت النخوة التي يحتكم لمبادئها، ويستضئ بنورها. نظرات خاطفة، ولمحات سريعة في أرصفة الطرق، وأقاريز الشوارع، تخبرك عن الباطل الذي استأسد، والهداية التي خنست، والدول التي زينت اسمها بهالات من المجد الكاذب، فأين هي شريعة الإسلام بربكم والفجور فلكه دائر، وسقفه سائر، ورقيمه مائر، أين هي الشريعة وجحافل العصاة قد استمرأت الوقوع في حرمات الله، أين هي الشريعة وسماء العروبة كثر فيها الريح العاصف، والزعزع القاصف.

لقد حرص الإسلام على ترسيخ  الحياء والفضيلة فى النفوس، وسعى لأن يكون سجية يجب أن يتحلى بها المؤمن، فالحياء من الإيمان كما أخبرنا المعصوم عليه أفضل صلاة، وأندى تسليم فــ "عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان".كما دعت شريعته الخالدة، لنبذ الأفعال والألفاظ التي تخدش الحياء، ويمجها الذوق السليم، و إلي الإبتعاد عن كل ما يضرم الشهوات، ويذيع الرذيلة، ونجد أن الدين الخاتم قد طمر جميع البؤر والمنافذ التي يمكن أن يتسلل منها الشيطان إلي الأفئدة، فنهى عن النظر االشهوان، ونادى بكبح جماحه، لأن ذلك النظر يجعل الغلبة والإنتصار لإبليس وجيشه اللجب من الفتن والشهوات، فبيننا وبين ابليس اللعين نزاع لا ينقطع، وصراع لا يفتر، ودوحة الحياء العرضى العام يجب أن يرسخ لها أصل، ويسمق لها فرع، فى مجتمعاتنا بحيث لا تقع أبصار الناس على ما ينافى عقائدنا المغروسة، وتقاليدنا الموروثة، فتخلو ردهات الجامعات، وصالات الأعراس، من التبرج والسفور، وفوضى الإختلاط، وتشابك الأيادي، فنحن نختلف عن الدول الغربية التى تدعو إلى الزنا، وتيسر أسبابه، وتمهد سبله، وتقبل نتائجه، فعندنا من" يحتوي زوجته فى الطريق العام يعد مرتكباً لجريمة الفعل الفاضح فى علانية، رغم أن ما آتاه ليس جريمة فى ذاته، وإنما هو أمر مشروع، إلا أن المسلك الذى أتصف به فعله مؤداه إيذاء الشعور العام، وخدشاً للحياء العرضى". الأمر الذى يقتضى أن يعاقب عليه عقوبة تعزيرية تحجمه عن تكرار الفعل إذا سولت له نفسه فعل ذلك مرة أخرى.

ولا يخالجنى شك بأن من يقدم على هذا التصرف الذى يندب الأخلاق، وينعى الشرف والنخوة، فى حوزته من موارد الدين والقيم ما هو قمين بأن يعصمه من ذلك الزلل، ولكن الإستلاب الغربى الذي يعانى منه، والذي اجتمع تحت مظلته الوارفة الملايين من شباب وكهول أمتنا، هو الذى جعله ينجرف عن جادة الصواب، وينظر لمن هو متشبث بدينه وقيمه، بأنه شخص يعيش فى سجية الماضى، ونجد في تصرفات هذه الناجمة تصديقاً للحديث الذى رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنه فقد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو أن أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه".

حرصت الشريعة الغراء على حماية الشعور العام بالحياء، وعرقلة كل فعل فاضح، وإجهاضه بكل سبيل، حتى لو كان ذلك الفعل تعبيراً عن علاقة مشروعة بين زوجين يتساقون أقداح الوداد فى قارعة الطريق، لأن بفعلهم هذا يدركهم العار، ويلحقهم الشنار،ويصيبوا الصلة التى كرمتها العقيدة فى مقتل، والتي نظمت كنه هذه العلاقة ودعت أن تؤتى في عزلة، وتتم فى صمت، أما من يخرج عن الموروث، ويعارض المألوف، فيقع تحت طائلة العقوبة التي ارتضتها الشريعة الغراء قمعاً للشهوات، ولجاماً للنزوات.

***

د. الطيب النقر

 

في المثقف اليوم