أقلام حرة

مزهر جبر الساعدي: اليوان الصيني والدولار الامريكي في التدافع الجيوبوليتيك

يشتد الصراع بين القوى العظمى والكبرى في العالم؛ اقتصاديا وتجاريا وماليا. وكل يوم يمر؛ تتسع مساحات هذا الصراع، وتتسع وتنتشر وتتنوع معها؛ حروب الوكلاء، في جميع دول ومناطق العالم تقريبا. ان واحدة وليس كلها؛ من اهم السبل للتخلص من الهيمنة والجبروت والغطرسة الامريكية وغزواتها على الدول والشعوب واحتلالها لها؛ هو انهاء، او على الاقل تقليص سيطرة الدولار الامريكي على الاقتصاد العالمي، بما يرافق هذا ويصاحبه حكما؛ من صراعات اقتصادية وما هو إليها. ان هذا التحول يؤدي لزاما الى أحداث توازن في العلاقات الاقتصادية الدولية المتكافئة، والمنفعة المشتركة؛ على اسس العدالة في العالم، وهذا هو ما حاصل الآن تجليا؛ كبداية في هذا التحول المرتقب؛ الذي سوف يكون فيه الصراع العالمي؛ صراع تنافسي في الاقتصاد والتجارة والمال والاعمال؛ وتتسع معه، بالتوازي مساحات الصرعات العسكرية؛ بأذرع وكلاء حروب الانابة. على حساب.. ان هذه البدايات لم تكن او لم تبدأ في الوقت الحاضر، بل انها بدأت منذ عدة سنوات، إنما هي صارت واضحة تماما في الوقت الحاضر؛ من خلال تسارع الدول الكبرى، الصين وروسيا؛ بإقامة تجمعات ومنظمات اقتصادية تشاركية؛ منظمة البريكس، ومنظمة شنغهاي واوراسيا، لكن البريكس تقع في خانة الصدارة؛ لأنها تضم دول عظمى وكبرى، الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا. هذه المنظمة في الوقت الحاضر تتدافع اغلب دول الجنوب او الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، وحتى غير الصاعدة؛ السعودية وايران والامارات العربية واثيوبيا والسعودية وفنزويلا والارجنتين؛ للانضمام إليها، وقد تم قبولهما كما اعضاء كاملي العضوية في المنظمة مؤخرا. دول منظمة البريكس تعمل وبدفع من الصين وروسيا على ايجاد عملة بديلة عن الدولار في التعامل البيني؛ حتى يتم لها التخلص ولو بعد زمن ما؛ من هيمنة الدولار وبالتالي وبالنتيجة من الهيمنة والتأثير الامريكيين عليها. من الصعوبة بمكان حسب رأي خبراء هذا الشأن ان يتم ولو في المستقبل المنظور التخلص او تقليص هيمنة الدولار على هذه الدول من النواحي الاقتصادية والتجارية والمالية، وحتى الركون الى التعامل بالعملة المحلية؛ امر يجده خبراء الاقتصاد امرا في غاية الصعوبة على الاقل في الوقت الحاضر وحتى في الزمن المنظور، وربما ابعد منه زمنيا. لكن هذه المحاولات سوف تستمر وبقوة في الان، وفي الامد المنظور الى ان يتم لها ولو بعد حين من الان؛ التخلص من سيطرة الدولار على الاقتصاد والتجارة العالميين. من وجهة النظر الشخصية المتواضعة؛ انهاء سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي امرا مفروغ منه، لكن زمن او وقت حدوث هذا التخلص؛ من الصعوبة الكبيرة جدا؛ تحديده زمنيا. من الجانب الثاني ومن وجهة النظر الشخصية المتواضعة ايضا؛ ان التعامل التبادلي بالعملة المحلية لدول البريكس؛ سوف لن ينجح في المقبل من الزمن. ان الذي سوف ينجح هو استخدام العملة الصينية اليوان، كبديل عن الدولار في التعامل الاقتصادي والتجاري والمالي بين دول منظمة البريكس؛ فهي العملة الوحيدة القادرة ان تكون عملة دولية، أما بقية عملات دول البريكس، فليس لها اي حظوظ ان تكون هي العملة البديلة في التعامل التجاري والمالي والاقتصادي لمنظمة البريكس؛ لأن جميعها لا تمتلك قوة اليوان من ناحية الهيكل الصناعي الواسع جدا لجهة الانتاج الصناعي المتنوع والواسع جدا، والذي يغطي جميع الحقول وجميع الحاجات سواء المدنية او العسكرية او غيرهما. ان من المعروف ان الصين هي مصدر القلق الامريكي وليس اية دولة اخرى، بما في ذلك روسيا؛ بسبب مشاريع الصين في العالم وقدرتها اي الصين على تنفيذ ما تخططه على الورق؛ بتحويله؛ الى واقع على الارض، بالاتفاق مع مختلف الدول في العالم؛ ذات علاقة بهذه المشاريع الصينية؛ بما فيها دول منظمة البريكس، سواء اعضاءها المعروفين او الاعضاء الجدد او الدول الأخرى التي سوف تتدافع للانضمام الى المنظمة في المقبل من سنين المستقبل. بالاعتماد على قراءة خبراء الاقتصاد للاقتصاد الدولي.. ان هذا يعني مستقبلا؛ ان هذه الدول ومن خلال المشاريع الصينية، في الحزام والطريق، وغيرها من مشاريع الصين الطموحة الأخرى؛ سوف تحتاج الى اليوان الصيني اكثر كثيرا من الدولار في التعامل مع الصين في الاقتصاد والتجارة والمال والاعمال وما الى ذلك او ما يقع في هذا الاطار من التعاملات الاقتصادية والتجارية والمالية، في جميع حقول سلاسل التوريد للمواد المصنعة في المصنع الصيني الكبير. كما ان الصين هي ايضا سوف تستخدم اليوان في استيراد المعادن والطاقة والمواد الاولية الأخرى من بقية الدول الاعضاء في منظمة البريكس. ان اكتناز اليوان في دول منظمة البريكس؛ لن يظل بلا منافذ للاستخدام والتفعيل، ليس مع الصين فقط، بل ايضا مع بقية دول المنظمة في التبادل التجاري البيني؛ لأن جميعها، سوف تحتاج له في توريد ما تحتاج اسواقها من المواد المصنعة صينيا او في مصنع الصيني الدولي، او من مصانع الدول الأخرى، او غيرها من المعادن والطاقة والمواد التي تحتاج لها الاسواق والمصانع. ان هذا لا يتم الا بعد الاتفاق والتوافق بين دول المنظمة على اعتماد العملة الصينية، اليوان كبديل عن الدولار في التعاملات الاقتصادية لهذه الدول. ان هذه العملية الطموحة، ربما كبيرة جدا؛ سوف يتم الاتفاق عليها، بين دول المنظمة، في المقبل من السنين؛ بالركون إليه، عندما تقتنع جميع دول المنظمة؛ بأن لا طريق هناك للتخلص من سيطرة الدولار الامريكي على اقتصاداتها، الا باعتماد اليوان كعملة بديلة عن الدولار. من هنا، في الوقت الحاضر، وعلى طول هذا المسار الذي سوف يبلغ مبتغاه، ان نجحت دول منظمة البريكس، وبالذات الصين وروسيا، باعتماد اليوان كعملة بديلة عن دولار؛ سوف يبدأ الصراع الاقتصادي التنافسي بين الصين وامريكا بالدرجة او بالمستوى الاساس لهذا الصراع التنافسي على مستوى العالم، او لناحية الواقع الموضوعي وحقيقة هذا الصراع؛ من انه قد بدأ قبل عدة سنوات، بطريقة خفية قبل ان يظهر الى العلن والوضوح في الوقت الحاضر، بما فيه الكفاية.

***

مزهر جبر الساعدي

 

في المثقف اليوم