أقلام حرة

البشير عبيد: خصوم الإنسان والمعركة المصيرية

لا يعترفون بالهزيمة بل يواصلون تعنتهم وصلفهم وعشقهم للغنيمة.. عرفنا هذه الحقيقة جيدا من دفاتر التاريخ وبامكاننا أن تذهب بعيدا في التفسير وتاويل المقاصد.. وحده الزمن بكل منعطفاته ومفارقاته وكوابيسه كفيل بكشف الالاعيب والمخططات والمؤامرات.. رغم كل شيء سنواصل السير على جمرات الواقع ولا يهمنا انهاك الجسد والذاكرة.. لابد من الخروج من النفق الكبير مهما تكبر التضحيات..

المدافع الجسور عن المشروع الوطني الديمقراطي بافقه الاجتماعي لا ترعبه الاساليب المنتهجة من قبل الخصوم بل تزيده اصرارا على مواصلة الدرب العسير بعزيمة المقاتلين الشجعان وعقيدة المحاربين العاشقين لبهاء المعركة...

لقد اثبتت التجارب عبر كل مسارات التاريخ القديم والحديث والمعاصر ان الشعوب الطامحة للتحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي، لا ترهبهم التضحيات الجسام والخسائر في الأرواح والممتلكات،بل تزيدهم إصرارا وعزيمة على مواصلة المشوار والمسار المضني بإتجاه الحرية،هذه الحسناء الخارقة الجمال والبهاء والنبل الساكنة في ادمغة الأحرار..

ليس خافيا على أحد ان مشاريع التحرر الكبرى التي خاضتها الإنسانية التقدمية، لم تات من فراغ، بل كانت بوصلتها المركزية في المعركة قيم العقلانية والتنوير ومناهضة الظلامية والذهاب بافكار التقدم والمواطنة وعلوية القانون والأفق الإجتماعي للدولة الوطنية إلى الأمام مهما تكبر التضحيات في الزمان والمكان.المهم في المعركة، هو الإيمان اليقيني بمشروعية الصراع مع كل الكيانات المتصادمة مع الإنسان، جسدا وروحا وقيمة مناهضة للاستبداد والإستغلال والتبخيس والسلعنة والتحقير.

يبدو ان الإنسانية في هذه المرحلة التاريخية المفصلية تمر باحلك فتراتها عل الإطلاق، ولعل وحشية المجازر والمذابح التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب النازي في غزة، وبايعاز وتشجيع من القيادة السياسية والعسكرية للامبريالية الأمريكية دليل واضح على هذا المسار الغارق في الظلام.

ليس هناك أي افق للخروج من هذا النفق الكبير، سوى التحالف الموضوعي الذي فرضته الأحداث والوقائع بين القوى السياسية والمدنية المؤمنة بقيم التنوير والتقدم والعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات لخوض معركة مفصلية ومصيرية مع القوى الإستعمارية بكل رمزية هذه في قاموس الفكر السياسي، هنا وهناك، في كل اقاليم المعمورة. إن المنعطفات التاريخية الكبرى التي حدثت الإنسانية، لم تكن ثمرة صراعات هامشية، بل كانت نتيجة معارك حاملة لمشاريع كبرى في التحرر والإنعتاق ضد خصوم الحرية والعدل الإجتماعي وقيم التقدم وانسنة المجتمعات خارج محددات الدين والعرق والإقليم واللون واللغة والطائفة..

سابقى الإنسانية تدور في دوامة المتاهة، طالما ان القوى المؤمنة بانسنة المجتمعات، لم تتوحد وتتكتل في جبهة واحدة ضد كيانات الإستبداد والإستغلال والعبودية المعاصرة.. الغد تصنعه السواعد والعقول المستنيرة بعيدا عن الظلام بكل تعبيراته.

***

البشير عبيد

كاتب تونسي مهتم بقضايا التنوير وإشكاليات المشهد السياسي العربي والنزاعات والصراعات الدولية.

 

في المثقف اليوم