أقلام حرة

حميدة القحطاني: لمن أنكر وتنكر لعمره

لم يعد موضوع انكار العمر والتنكر له صفة لصيقة بالنساء فقط، بل هناك العديد من الرجال في الوقت الحالي يتنكر لعمره ويخفيه، ويخاف ويخشى من الاعتراف بحقيقة عمره.  لمن شارف على الخمسين من العمر الزمني اود الكتابة والبوح، التنكر لهذا العمر والتشبث بوهج شباب لعمر زمني بدأ بالعد التنازلي السريع لا يجلب سعادة حقيقية، ولا يقرب لجوهر وحقيقية الانسان الكامن فينا، وقد يبعدنا عن الحكمة والصدق، رأيت اشخاص بدأوا ينكروا عشر او أكثر من سنوات عمرهم ويعطون رقما أصغر، فلا يغيب عنا اننا كائنات معنوية في الأصل، بالروح نحيا والروح بالجسد تظهر، وستفارق هذه الروح الجسد في اي لحظة كتب فيها لها اجل "مسمى او غير مسمى".

اننا منظومة ان شاخ وكبر عمرنا الزمني فجمال الروح ان اتصلنا بها يشرق ويتجدد بمر السنين، نحن نفس ان تعرفنا عليها وتمكنا من صحبتها وتزكيتها وتنميتها فأنها سوف تضيء بمر العمر والسنين، نحن فكر وقناعات ان وفقنا في ترتيب هذه القناعات وفق مرجعيات رصينة ونيات خالصة، وتمكنا من انتقاء غذاء فكرنا بعناية فائقة فانه يشب وينضج ويكون كالسراج ينير ظلام دروب سبلنا، نحن قلب ان سكن الأيمان هذا القلب وطبعت المحبة فيه فكانت عنوانا له فسوف يحل الجمال والاشراق والتجدد فيه.

لنكن اقرب لحقيقتنا، وندع السنوات تتخلل اجسادنا وتفعل الطبيعة فعلها ونحن  نراقب بتروي وطمأنينة ولنذكر انفسنا ان العيش الواقعي ينتج حياة اكثر وضوح وحقيقية وعافية، وان الانكار ما هو الا حيلة يبتدعها الدماغ، وعادة هذه الحيلة ينتجها ويطرحها امام غير المستعد والخائف، لكي يساعده على الحفاظ على بقائه وعلى الاستمرار، اما ذاك الواعي الشجاع المتفهم لطبيعة الكون وقوانينه وانه عضو وجزء من هذا الكون تسري عليه القوانين كما تسري على غيره من مخلوقات الله يعيش راضيا متقبلا اكثر سكينة، فالسكينة لاتحل ولا تظهر إلا بانحسار طبقات عديدة من الخوف والمخاوف داخلنا، وإزاحة الكثير من الانكار، السكينة والحكمة تنبثق مع اشراق الحكمة، والحكمة ترادف الحقيقية وتبتعد عن الوهم والزيف. وهذه ليس دعوة لإهمال اجسادنا، بل هي دعوة لتقدير كامل منظومتنا والتركيز على كامل أبواب وفصول قصتنا،" فكل بقاء يكون بعده فناء لا يعوّل عليه.. كل فناء لا يعطي بقاء لا يعوّل عليه". ولا بقاء لجسد وانما يصح البقاء للفكر والأثر الروحي الجليل وقد أحسن واجاد احمد شوقي حين قال: " فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني".

***

د. حميدة القحطاني

 

في المثقف اليوم