أقلام حرة

نهاد الحديثي: يفرحنا جداً حين يكون قادتنا بهذا الوفاء للمبدعين

اعلان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، توقيع محضر عقد مع شركة مصرية لتشييد مدينة "علي الوردي" السكنية الجديدة، جنوب شرقي بغداد، وفيما وصف المشروع بأنه "الأكبر" بين مشاريع المدن الخمس،، واطلاق اسم الفنان الكبير فائق حسن على المجسر الجديد ببغداد فعل من أفعال التخليد ، تحسب لصالح حكومة السيد السوداني،كذلك قامت الحكومة المحلية في البصرة بإطلاق اسم الاديبين محمد خضير وكاظم الحجاج، على شارعين في المدينة، ولا يقع تمثال الشاعر موفق محمد في بابل خارج التفكير العملي هذا، الذي يقضي ببعث الروح الوطنية، عبر قناة الثقافة في ضمير الشعب التي مزقتها الاديان والمذاهب والطوائف والحروب بالنيابة وغيرها، واذكر ان المفكرُ العراقيُ الكبير “حسن العلوي دعا قبل أكثر من سنتين الادباءَ والصحفيين والكتابَ وجماعاتِ الإعلام في العراق الى تحريكِ جسدِ الإعلام العراقي، محذراً من تحولِه إلى جثةٍ هامدة.جاءَ ذلك في مقالةٍ للمفكرِ “العلوي” في صحيفةِ الزمان طبعةِ العراق، دعا فيها أيضاً إلى حملةٍِ يُطلق عليها إسمَ “حملة ُ مظّفر النواب” لتخليدِ سيرتهِ الشعرية كونَه شاعراً عالمياً من الصعبِ تكراره، كما دعا إلى تكريمِ “النوّاب” في حياتِه وليس كما هو معتادٌ في العراق “يموتُ المبدعُ ثم يتمُ الإحتفالُ به، للاسف اليوم ترى المعاول ترفع لتهديم كل من يرتفع ، يحاربون كل مجد أو شريف ونزيه أو مبدع، إنها السلبية التي تطبع سلوك العراقي”. معللا بالقول بان الخلل يكمن في إن السلطة هي المحور في حياة العراقي على مدى عقود. هذا بعض الخلل أو بعض أسباب الخلل بيد إن طبيعة السلطة أيضا وأسلوب الإدارة ومن المسيطر على السلطة اليوم ترى في المؤسسات والوزارات السيادة والغلبة للجهلة والسراق. لدينا الآن منتحلو صفة وليسوا حقيقيين تدرجوا ووصلوا بسبب تزوير شهاداتهم وشراء مناصبهم. فكيف بنا إذن أن نصنع النجوم ونحن نحارب كل مبدع ولامع؟ صناعة النجوم تحتاج إلى بيئة تشجع الإبداع لا أن تهدمه،وتخيل حتى النجوم الذين تصنعهم ظروف حياتهم في الخارج والتشجيع الذي يلقونه هناك تراهم يتعرضون للتجاهل إن لم يكن للمحاصرة والتهديد بمجرد عودتهم إلى العراق ويتعرضون للتحجيم الكامل فتراهم يقفلون عائدين من حيث جاؤوا والى حيث يجدون التقدير الكامل لكفاءاتهم،، وفي ظاهرة غريبة نسمع أن فنانين ومبدعين عرب كرموا في الخارج بدول عربية وأوربية بينما يقومون بدور مزمار الحي الذي لا يطرب ببلدهم!!

يفرحنا جداً حين يكون قادتنا بهذا الوفاء ، ويؤسفنا جداحين لم يبادر أي مسؤول في الدولة ولا الوزير المعني طيلة السنوات الماضية لجعل تكريم المبدعين في مجالاتهم من أولويات سياستنا الداخلية فلطالما سمعنا عن تكريم فلان بعد وفاته، وهذا لا يتفق إطلاقاً ومبدأ الوفاء والعرفان لمبدعينا من أدباء وشعراء ومفكرين وموظفين في كل القطاعات، فأتساءل دائماً لماذا لا يتم تكريم المبدعين وهم أحياء؛ بل وفي عز عطائهم وليس بعد أن يبلغوا من العمر عتيا. حتى أصبح لسان حال البعض أن لا يأتي ذلك اليوم الذي أُكرم فيه لارتباط هذا اليوم بالموت أو أرذل العمر في أحسن الأحوال وكأن المرض أو الموت يوقظنا من غفلتنا عن تقدير هؤلاء والاعتراف بعطائهم،، لقد صدق أوغست كونت حينما قال: (الرجال العظام ينالون الخلود الذاتي بعد موتهم عن طريق تكريم الأجيال المتلاحقة لهم) إلى متى نبقى لا نعرف قيمة عظمائنا، إلا بعد أن نفقدهم ولا نحتفي بالعظام إلا بعد موتهم؟ أما التكريم ما بعد الموت فإنه وفاءٌ متأخر، لذلك نرى أنه من الضروري من القائمين على الهيآت الثقافية والفنية في العراق ، وربما، الوطن العربي أن يهتدوا إلى تكريم المبدعين قبل أن تغلق جفونهم ويغادرون عالم الأحياء ويلتحقون بعالم الأموات لأنه حينها لا يجديه التكريم نفعاً ولا ضراً، فالتكريم بالنسبة للمبدع وهو حي يزيد من قيمته ويضاعف أعماله وطاقته مما يمكنه من مواصلة إنتاجه وعطائه. فمن المهم تخليد العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، من أجل تخليدهم واستذكار منجزهم الإبداعي لتشجيع الشباب على اقتفاء آثارهم في التميّز والإبداع، لكن الأهم من هذا كله الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير العيش الكريم لهم وفاءً لما قدّموه، من المهم تخليد العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، من أجل تخليدهم واستذكار منجزهم الإبداعي لتشجيع الشباب على اقتفاء آثارهم في التميّز والإبداع، لكن الأهم من هذا كله الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير العيش الكريم لهم وفاءً لما قدّموه، إلى متى نبقى لا نعرف قيمة عظمائنا، إلا بعد أن نفقدهم ولا نحتفي بالعظام إلا بعد موتهم؟

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم