أقلام حرة

علي حسين: مانديلا في مجلس النواب العراقي

في مثل هذا اليوم الحادي عشر من شباط وقبل 34 عاماً أطلق سراح نيلسون مانديلا بعد أن قضى 27 عاماً في السجن . بالتأكيد لم يعرف العالم سياسياً مثل صاحب الابتسامة الدافئة، ليس لأنه سُجِن أكثر من ربع قرن، بل لأنه كان صاحب الشخصية الساحرة والمناضل المتسامح داخل السجن وخارجه، الرئيس الذي رفض إعادة إنتاج الظلم، والسجين الذي قال لسجانيه: "عندما أخرج من هذا المكان سأمدّ يدي لكم لنبني معاً مستقبلاً جديداً لهذه البلاد".

في حكاية مانديلا التي كُتب عنها مئات الكتب وآلاف المقالات، ما الذي يمكن لكاتب مثل جنابي أن يضيف بعد أن تحولت حكاية الجوهرة الأفريقية إلى مرايا تعكس لنا صورة عفوية للتحولات الكبرى التي تحدث من حولنا، فقبل شهر والعالم يتابع الشكوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية ضد جرائم إسرائيل في غزة، كانت صورة الزعيم الجنوب أفريقي وهو يبتسم تطوف في خيال الملايين في معظم أنحاء العالم، فالكل يتذكر كيف كان وجود هذا الرجل ضمانة للعدالة الاجتماعية .

سحرَ مانديلا العالم بتواضعه، وبعفوه الدائم وبابتسامته السمحة وبإيمانه بأن السير نحو المستقبل أهم من لعبة إعادة الماضي واقصاء الخصوم . ولهذا عارض بشدة مطالب شعبه من السود بالتفرغ للانتقام فيكتب في مذكراته: "كنت أعلم أن حاجة الظالم إلى الحرية، أمسّ من حاجة المظلوم، فالذي يسلب إنساناً حريته، يصير هو نفسه أسيراً للكراهية والحقد ".

قبل سنوات وقفت أرملة مانديلا السيدة غراتشا ماتشيل لتذكر العالم بأن أهمية زوجها كانت: في مدى إدراكه بالشعور بالكرامة لدى كل فرد. وكانت له القدرة على فهم وتقدير ما يصبو إليه الآخرون. فهو ظل يؤمن حتى اللحظة الأخيرة من حياته بأن الإنسان لا يستطيع أن يبني جسور الثقة مع الآخرين إذا لم يدرك جيداً أن ثمة حقاً للآخرين أيضا يجب أن لا يصادر .

قبل وفاته بسنوات أجرت معه مجلة التايم حديثاً عن أهم درس تعلمه في السجن فأجاب بجمل قصيرة: " إن الشجاعة لا تعني انعدام الخوف.. إنما تعني تشجيع الآخرين لتجاوز الخوف .. إحرص على وجود أنصارك بقربك، ومنافسيك أقرب إليك "، لم يستبعد أو يسحق منافسيه بل أصر على أن يجعلهم شركاءه.

لعل التجربة السياسية لزعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا تستحق منا نحن العراقيين ان ندرسها جيدا ونحن نتابع برلماننا المقر وهو منقسم وتعلوا فيه نغمة الكراهية، البعض يخون من يختلف معه، والبعض الآخر يريد البرلمان لطائفة واحدة، فيما ظل مانيلا يذكرنا بان "الإنسان الحق هو ذلك الذي لا يكرر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه".

***

علي حسين

في المثقف اليوم