أقلام حرة

صادق السامرائي: القتل النفسي!!

مجتمعاتنا مقتولة نفسيا وكأنها جثث هامدة على أرصفة الدروب المعاصرة المزدحمة بالمستجدات والمبتكرات، ومعظمها مسلوبة الإرادة ومحنطة في أوعية السمع والطاعة، ومحفوظة في فورمالين الأدينة، الموظفة للقبض على مصير الناس وتأكيد تبعيتهم وخنوعهم الغنيم.

وفي زمن التطورات الهائلة في العلوم النفسية والتفاعلات البشرية، تجدها وكأنها فئران تجارب وميادين لتطبيق النظريات والقوانين النفسية السرية والعلنية، فتحولت إلى موجودات تلبي دعوة الداعي المعادي لوجودها، وهي المنومة المثمولة بخمور الأدينة.

مجتمعات لا حول ولا قوة لها إلا بغيرها، الذي تحسبه قدوتها والموفر لِما يتوافق والحياة المعاصرة من الحاجات والتقنيات، فكل ما فيها مستورد، ويقف المواطن حسيرا كسيرا لفقدان أية مساهمة في معطيات العصر، ووحوش الغاب من حوله تنقض عليه متى تشاء، فتصادر حقوقه، وتنهب ثرواته، وهو المبتلى بالمتسلطين على وجوده من العاقين لوطنه ودينه وجوهر وجوده.

ولهذا فالمجتمعات في ديارنا لا تستطيع التغيير والتعبير عن إرادتها الحرة، فتتحول إلى مطية للكراسي، وأنى تميل الرياح تميل، فهي كالسفينة بلا ربان، تتلاطمها الأمواج والعواصف، ولا تعرف ميناءً تذهب إليه، ومَن فيها يتصارعون من أجل البقاء ، كالأسماك في مستنقع تأكل الشمس ماءه.

أي أن مجتمعاتنا غاطسة في آبار التلاحي والتلهي ببعضها، والمفترسون يستحوذون على حقوقها بحرية مطلقة، فالمواطنون دائخون، ومعلّبون في أوعية الأدينة المسخرة للنيل من الدين وإستلاب حرية الإنسان، وتحويله إلى أجير متهم ولن يثبت براءته إلا بالموت، المعسّل بالآمال الوردية الغيبية الثرية بالرغائب والملذات الخالدة.

ويبدو أن أبناء الأمة إنحشروا في دائرة مفرغة من النكسات والإنكسارات والهزائم المتكررة، التي رسّخت مشاعر الدونية والمذلة والإنهماك في مطاردة سراب معونة الأجنبي، الذي تهمه مصالحه أولا وأخيرا ولا يأبه لمصالح غيره، فهل وجدتم أسدا يراعي مصالح فريسته، أم يريد إلتهامها؟

إن الأمة لن تصنع حاضرها الأفضل ولن تصل إلى مستقبل زاهر، ما دام المواطن بلا قيمة، وحقوقه مصادرة ويتسلط عليه وكلاء الآخرين، فالوطن لقمة سائغة بأفواه الطامعين، والمواطن رقم على يسار رقمٍ مفترسٍ عتيد.

فقل زهق الوطن وإنمحق المواطن، وما فوق التراب وما فيه رزق مشاع من رب يرزق مَن يشاء بغير حساب، فهل أن الدين ضد الوطن والمواطنين؟!!

و"حب الوطن من الإيمان"!!

و"إذا عظّم الأوطان بنوها... أنزلتهم منازل الإجلال"!!

***

د. صادق السامرائي 

 

في المثقف اليوم