تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

محمد العباسي: عيد الفطر .. لمن صام بحق

كما هي عادتنا كل سنة خلال اليومين الأخيرين من كل رمضان، نترقب العيد.. والبعض منا يترقب الهلال وكأنما العيد إفراج من عقاب رباني بالامتناع عن الأكل والشراب.. بينما الأجدر أن تكون فرحتنا بالعيد لأننا أتممنا صيامنا طوال الشهر الفضيل على خير وجه.. فالعيد لا يستحقه إلا من صام الشهر كاملاً وأتم فيها الصلوات والنوافل، وأمتنع عن كل المنغصات التي تجرح العبادة الحقة وكفّ عن المنهيات التي تنهينا عنها العقيدة والدين الحنيف والأعراف.. فالعيد لا يستحقه إلا من مارس واتّبع حيثيات التجربة الرمضانية بكل جوانبها وكف عن كل الموبقات بيده ولسانه وقلبه!

فهناك بيننا العشرات ممن لا يصومون في رمضان بالذات عن زلات الكلام في أعراض الناس وقبيح العبارات.. ولا يحفظون ألسنتهم عن التأفف والشكوى بداعي الجوع والعطش طوال النهار.. وإذا أقبل الليل، ينسون كل ما يتعلق بدروس الصيام ويتقولون ويفعلون ويمارسون من التصرفات أسوأها.. ومن الصائمين بشر نراهم لا ينجزون أعمالهم الوظيفية بعذر تعب الصيام، ويسرقون من أوقات العمل بعذر الصلاة أو بحجة الإجهاد.. ونجد الكثيرين منهم يقودون سياراتهم بجنون وحماقة ويزعجون خلق الله في الطرقات ليلحقوا على مواعيد الصلاة في المسجد مثلاً وكأنهم هم فقط من العباد الصائمين.. وآخرون ممن يسابقون الريح ويكسرون كل القوانين المرورية فقط ليلحقوا على الإفطار الدسم في المنزل.. يقودون سياراتهم وكأنها دبابات عسكرية بطريقة هوجاء ويزعجون خلق الله ويعرضون أنفسهم وغيرهم لأخطار الحوادث وكأنهم إن تأخروا دقائق معدودة سينهارون من الجوع والعطش!!

و من الصائمين من تتعكر أمزجتهم بحجة الصيام، وتتسم كافة تصرفاتهم بغوغائية لا عذر لها بحجة الجوع والعطش والامتناع عن ملذات الدنيا في سويعات النهار، وكأن شهر رمضان شهر عذاب ونقمة، بينما هو شهر فضل ونعمة.  فترونهم مكفهري الوجوه، واجمين، مسعورين، يتطاير الشرر من جباههم، فقط لأنهم صائمين وممتنعين عن الأكل أو التدخين.. فأي صوم محسوب في ميزان حسنتاهم؟  أينهم هؤلاء من أفضال رمضان وحسناتها وخيراتها ودروسها الربانية؟  والغريب في الأمر أن أمثال هؤلاء هم أكثر الناس شوقاً للعيد.. والعيد ليس لهم ولا من حقهم.. بل هم في شوق للعودة لممارساتهم الموبوءة التي هم بالكاد كفوا عنها في رمضان.. بل ربما كفوا عن بعض سيئات الأمور ومن ثم تمادوا في ممارسات شتى من تلك التصرفات المذكورة سابقاً دون وازع من إيمان.

و الأغرب أن البعض ممن لا يصومون أصلاً وربما لا يمارسون من متطلبات الدين قيد أنملة، وتراهم يترقبون انتهاء الشهر فقط لأنهم منعوا أنفسهم من المجاهرة بالأكل والشرب والتدخين.. بل وكلنا نعرف أشخاصاً يقضون السنة كاملة في السفر في تلك البلاد المعروفة بممارساتها المشبوهة، ويتعاطون الخمور ويمارسون كافة أشكال الموبقات والمحرمات، ثم يعودن لأوطانهم في الشهر الفضيل بحجة أن رمضان أحلى مع الأهل.. وجل استمتاعهم بالشهر الفضيل محصور في السهر في المقاهي والبوفيهات الفارهة والشيشة والمسلسلات التلفزيونية.. بينما يقضون نهارهم في النوم حتى موعد الإفطار.. عن أي رمضان يتحدث هؤلاء؟  وأي حق لهؤلاء في الاحتفال بعيد الفطر مع عامة المسلمين؟

يمكنني سرد مناقب الشهر الكريم في مجلدات، وأغلبنا ليس بغافل عنها في عالمنا الإسلامي.. ولكنني هنا سأركز على مقتطفات عن الأمور الحياتية المستحبة في هذا الشهر الفضيل لعلها تنفع البعض ممن لا يعطيها حقها في ممارساته خلال هذا الشهر من السنة.. فبحسب الموقع الإلكتروني "موضوع" في هذا الشأن، ومن منظور دنيوي بحت، ربما يكون من أهم النقاط المستحبة التي يجب أن يمارسها كل فرد منا هو محاولة جادة وصادقة لتغيير العادات بشكل عام.. ففي رمضان تكمن فرصة تغيير العادات السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية، كالسهر الطويل ليلاً والنوم كثيراً في النهار.. ففي رمضان يسهل تحديد جدول يومي والانتظام والالتزام به في هذا الشهر وما بعده ليصبح نظاماً واضحاً وعادة صحية ونمطاً للسلوك المنضبط الواعي.

و أيضاً يجب أن يساعدنا رمضان على تعلّم الصبر.. فمن يصبر على الجوع والعطش يستطيع الصبر على الأمور الأخرى التي تحتاج وقت انتظار.. والصبر خصلة مهمة يجب على الجميع أن يتحلّى بها لأنها تعين الإنسان على مجابهة صعاب الحياة ومشاكلها.. ويعلمنا رمضان التحكم في الأهواء وكسر شهوات النفس.. حيث كرم الله الإنسان بالتحكم في شهوة الجسد واللسان والعين والأذن، وباقي الجوارح.. لذا على المسلم بشكل عام والصائم بشكل خاص الامتناع عن السب والشتم وسوء الخلق كامتناعه عن الطعام والشراب، والحاجات الجسدية، وغضّ البصر، وكفّ الأذى، وتجنّب الإصغاء إلى المُحرّمات.. والكف عن مجالسة أصدقاء السوء وإضاعة الوقت فيما لا ينفع.

و صيام رمضان فرصة لتطهير النفوس من الضغينة.. فيُنقّي المسلم نفسه من الأحقاد والخصومات السابقة طمعاً بالأجر والمغفرة، فيسامح من أخطأ بحقه، ويعتذر ممن تسبّب لهم بالأذى، فتصفو النفوس، وتزول الخطايا، وتسود المحبة بين أفراد المجتمع في حال الاستمرار على هذا الأمر حتى بعد انتهاء شهر رمضان.. ومن الجمائل في ساعات النهار الإقبال على العلم والقراءة.. وأول العلم القرآن الكريم، لذا هي فرصة لكل مسلم "بمدارسة" القرآن لتُفتح له أبواب العلم كاملة، من مدارك لغوية، وشرعية، وعلمية، وعقلية ونفسية.. فيقبل المسلم على التعلم والاستزادة في العلم ليفهم القرآن الكريم، ويتوسّع معها في مختلف مجالات العلوم، ولا يقتصر هذا البحث على القرآن فقط، بل يمتد ليشمل العلوم كافة باختلاف مواضيعها، مما يخلق جيلاً قارئاً واعياً لمتطلّبات عصره وحاجته.

 فهل نحن ممن نعي خيرات الصيام وأفضال شهر رمضان؟  هل نحن من يصوم فرحاً بفرصة الممارسة الحقيقية لهذا الركن الأساسي من أركان الإسلام؟  إذا كنا من بين هؤلاء الملايين ممن نمارس عادات وواجبات الشهر الفضيل ونقّدر خيرات هذا الشهر ومن الملتزمين بكل الممارسات الأخرى المتوقعة إلى جانب الصوم والصلاة وحفظ أنفسنا ومراعاة حقوق كل من حولنا.. فلنا الحق كاملاً بالاستمتاع بعيد الفطر المبارك وترقبه.. فهنيئاً لنا ولكم أجمعين.. وكل عام وأنتم بألف خير وصحة وعافية!

***

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

في المثقف اليوم