كتب واصدارات

"أكتفي".. عرض لديوان الشاعرة فوزية شنة

ها أنذا لا زلتُ في محراب السّيْر

أبتسمُ لي أحيانًا أتلقّفُ دمْعتي حينًا آخر

لا زلتُ أسير بعقيدتي

أعتنقُ الصّمْتَ حين يلفّني الوجعُ

صدر هذه الأيام عن دار متون للنشر والترجمة والطباعة والتوزيع بالجزائر ديوانٌ شعريٌّ بعنوان (أكتفي بِعضِّ أطراف شفتيّ) للأديبة فوزية شنّة، وهو الإنتاج الإبداعيّ الثالث لها بعد ديوان شعريٍّ بعنوان (أخاديد عمر)، ومجموعة قصصية بعنوان (سراديب الحياة).

الديوان الجديد من الحجم المتوسط، تتضمّن صفحاتُه 68، بعد الإهداء والتقديم 24 نصًّا شعريًّا.

الشاعرة فوزية كانت مُحِبّة لوالدتها كثيرا، ومتعلّقة بها، وازداد هذا التعلّق بمرور الأيّام بعد وفاتها منذ سنوات، فجاء الإهداء لها:

« إلى مَنْ سافرتْ في رحلةٍ أبدية

إلى منْ تركتْ ريحَها وعبْق عطرها فيَّ

إلى منْ تدفعُني ذكراها بقوّة نحْو الحياة فأُشْعِلُ شموع دربي وأسير

إلى منْ قلبي عامرٌ بنبضها وبه أستنيرُ

إلى روح أُمّي التي استلمتْ مشْعلَ الكادحين بعد وفاة أبي رحمه الله..

إلى روحيْكما (أمّي وأبي) أُهْدي هذا العمل .

وممّا جاء في التقديم الرائع الذي خطّتْه الشاعرة الإعلامية نادية نواصر:

«...مثقّفة (فوزية شنة) تمثّل زبدة المجتمع، هي لا تكتب ولكنها ترسم باللغة الرومنسية الشّفّافة السّهل الممتنع، هي لا تبوح للغة الشّهيّة، ولكنها تهمس همس الأنثى المُجلّلة بعبق الورد والحياة في أسلوبٍ شيّقٍ، إنجازٌ ساحرٌ وبلاغة مغرية وصور شعرية جذّابة. ص: 07»

من التقديم:

«...حين تكتب فوزية شنة تشعر وكأنها فيروز تغنّي، تتسلّل بلغة دافئة إلى القارئ فتعتقله برُقيّ همْسها، هي التي قالت الفصيح، والهايكو، والقصة، والقصيدة النثرية. ص: 08 »

الشاعرة فوزية شنة في ديوانها عديد النصوص الحاملة لانكسارات في مسار حياتها مع الآخرين مثلما لها انشراحات:

من نصّ: {حسرة قلْبٍ}

وكمْ من خِلٍّ أهديناه عمرا مديدًا

سرق العمرَ وصار للعدوّ صديقًا

في غفْلة كنّا حين جاور شريانه الوريدا

كم حلمنا وانتظرنا

صار الضّباب مَعْلَمَ طريق ص: 17

ومن نصّ {لا زلْتُ أنتظرُ}:

عُدْتُ أدراجي أقتفي أثر خيْبتي

أُزيحُ بعْض الحيْرة بابتسامةٍ

أُقاومُ كلَّ شيء يغيّر من ملامحي

تأوّهْتُ..

أيُعْقلُ أن أكون أنا بكلّ زينتي

أيجرأُ على نقْض الموعد

عُدْتُ إليَّ ألُفُّ رأْسي في حُزْمة حريرٍ

أطلُّ على المرآة لعلّي أستيقظ من غفوتي ص: 19

تنهض الشاعرة ثائرة على انكساراتها، مستجمعة قواها، مستمدّة عزيمتها من نخوة المرأة العربية الشرقية، وإبائها، من نصّ {لا تترقّبوا سقوطي}:

أنا امرأةٌ شرقية تخْشى أن تسقط أشياؤها إنْ هي استغْنتْ عن رباط خصْرها

أحمل زادي تحت ردائي تحسُّبًا لأيّ طارئٍ

أنا امرأة حين يغادرها النوم تغزل الحياة وتنسجها

أقول للّيل ها قد حوّلْتُكَ نهارًا في خلوتي ص: 23

ويعود الانشراح مكلّلًا بالعزيمة، عزيمة إنارة الدروب المعتمة، من نصّ {امرأةٌ وأنا}:

أنا شمعة تُنير درْبها ودرْب الآخرين دون كلامٍ

أنا قطعة عِشْقٍ لا ينتهي في قلب الإنسانية

أنا وصْفةٌ للتائهين في دروب الحياة..للعالقين في مسالك متاهاتها

أنا بلْسمٌ مُعطّرٌ خفيف الملْمس أسكن كل مسامات الدنيا

أنا ربيعٌ مُزْهرٌ يحلّ دون أوانه بين أهله وجيرانه

أنا كلّ ما تراه العين من جمال مختبئ في ثنايا العمر

أنا الواقفة المُتدلّية حبًّا، أقطر شَهْدًا يُعيد الضالّين إلى الصّواب. ص: 59

الشاعر(ة) ذاك المبدع (ة) الذي بمقدوره أن يبدع الجمال، والسمو بالحياة، كما يمتلك فنّ صيانة الذات، ومواجهة الظلم، والمهانة، فالشاعر الأصيل كمنْ يصوغ عقد لؤلؤ ويهديه لمحبوبته، هذا هو سرّ المتعة المنشودة في الشعر: ترنيمةٌ غنائيةٌ صادقةٌ تولّدت من شعور المبدع، ونفسيته الشّفّافة.

الشاعرة المبدعة فوزية شنّة واحدة من هذه الفئة التي تمتلك أسرار الشعر، ومفاتيحه، وفنّياته، وهو ما عشْتُه في نصوص ديوانها الجديد" أكتفي بعضّ أطرافي شفتيّ" الذي يمكن اعتباره ثمرة مكابدة وجـَلد استطاعت بواسطته أن تعزّز تواجدها في درب الإبداع الشعري فهي لا تكتب الشعر؛ بل ترسم لوحات  شعرية جميلة، ورائعة وتعزف ألحان أنوثتها وعفويتها بكلمات رقيقة وشفافة، وعبارات سلسة، رقراقة.

***

كتب: بشير خلف

في المثقف اليوم