روافد أدبية

مهدي الصافي: فخ الشيطان الابيض

mahdi alsafiالفصل الاول: المشهد الاول

الفرق بين الشيطان الابيض والاسود الاول تكون فيه منافع دنيوية كبيرة .. والاخر يأخذ بصاحبه الى الكوارث الدنيوية

 (تتحدث مسرحية الفصل الواحد عن ما يحدث في دول العالم الثالث .. .عندما تريد تلك الدول ان تدخل تجرب الديمقراطية بعد الفوضى .. ومن هذه الدول الفاشلة هي التي تقبل ان يقودها السيد الامبراطور .. .المشهد الاول في موقع عقد الصفقة .. الحاكم العسكري المستشار الاجنبي والقيادات السياسية .. التجربة تحاكي ماحدث في العراق ومايراد له ان يحدث في سوريا واليمن ولبنان واي دولة اخرى تريد الدخول في تلك التجربة المرة .. .هي مجرد فرضيات وافكار شخصية ليست بالضرورة انها تمثل الواقع او قد حصلت فعلا .. . انما اردنا ان نحاكي عملية اكتشاف واستنطاق النيات السيئة الدفينة التي يحملها المستعمر لمستعمراته وفقا للقراءات والثوابت التاريخية)

الحاكم العسكري (المستشار يطلب من حرسه معرفة القادة السياسيين الذين وصلوا الى قاعة الانتظار) .. ايها الضابط اذهب وتحقق من الاسماء التي جاءت الى الاجتماع .. خذ هذه القائمة وطابق معها اسماء الحضور .. وبعد ان يكتمل الحظور .. تعلم سياسة المناورة ادخل الاشخاص بشكل فردي .. الاسماء التي تحتها خط احمر اخر القادة الذين يسمح لهم بالدخول .. .

لابد ان تكون الجلسة الاولى هي الدستور والقاعدة التي سنبني عليها تصوراتنا المستقبلية.

 (يخرج الضابط)

الحاكم العسكري .. اصعب لحظات حياتي هي تلك التي قابلت فيها العملاء .. صحيح ينتابني شعور عال اشعر معه انني امبراطور او حاكم مطلق اعيش في القرون الوسطى .. وهم كالعبيد جالسين امامي طائعيين .. لكنني اشعر ايضا عندما انزع عن رأسي تاج الامبراطور انني اجلس في حضيرة خنازير .. اي مثلهم ففي تلك اللحظات لايمكن التمييز بين الانسان والشيطان ..

 هي لحظات فقد الكرامة والدخول الى عالم الشياطين .. على كل حال انه عملي ووظيفتي .. كل شيء مدفوع الثمن .. .. .

الضابط .. .لقد نفذت الاوامر وصل الجميع وهم في قاعة الانتظار .. عدا قلة ممن كنا قد توقعنا مسبقا انهم لن يأتوا الى الاجتماع .. اسماءهم مؤشرة لدينا هنا

الحاكم العسكري اي المستشار .. الذين لم يأتوا وفروا علينا جهد اعداد خطة ابعادهم .. هل حصل التباس او اية مشاكل

الضابط .. بعضهم لم تعجبه اجراءاتنا لكنهم انصاعوا لاوامرنا

الحاكم المدني .. (ينهض للدخول الى قاعة الاجتماع) اهلا وسهلا .. اعتذر عن التأخير قليلا لقد كانت لدي اتصالات مهمة مع الادارة العليا وقد ناقشنا بعمق ولمدة طويلة وبأستفاضة كاملة مستقبل بلدكم .. وقد ارتيئنا ان نضع دستور او خطة عمل عصرية مدنية حضارية لانتشال بلدكم من الفوضى .. فكما تعلمون انكم من دول العالم الثالث مما يعني ان مهمة انقاذ بلدكم ليست سهلة ابدا .. لكننا حتما سنجد المخرج والحلول لجميع مشاكلكم .. لكن في البداية دعوني اشرح لكم الية عمل النظام الديمقراطي في دولة كانت تعاني من مشاكل سياسية وامنية واقتصادية وعرقية وطائفية وفي كل المجالات .. .النظام الديمقراطي ايها الاصدقاء فيه صورتان الاولى مخفية تخص النخب السياسية الحاكمة

 وظاهرية تسوق للعوام من المجتمع وهذه لابد ان تكون وتبقى صورتها جميلة دائما.بيضاء ناصعة حتى وان قال عنها الناس انها سوداء .. ضعوا فيها الدين والاخلاق المصطنعة والبطولات والتراث والعادات والتقاليد والشعارات البراقة ضعوا فيها كل شيء (يضحل المستشار فيقول ضعوا فيها الخرافات والاساطير بل حتى عقدكم الشخصية) .. الخ.

المهم ان يبقى الشارع مشغول دائما بالمشاكل والاحتياجات والمطالب من اجل ان يبقى طائعا لكم لايقوى على الاحتجاج او الثورة اثناء الازمات .. .ومن اهم مقومات الحاكم الناجح هي ان يكون بعيدا عن رصاص الانقلابات او الثورات وبلادكم هذه ارض خصبة لتلك الحالات الدموية .. لاتقل لي ان الوضع والزمن تغير .. فهناك قوى خارجية قادرة على تحريك شعبكم لتنفيذ اية اجندات مقابل الاموال .. المهم

هذه هي السياسة او مايطلق عليه في بلادكم بالامبريالية فالحياة لعبة كبيرة والكل فيها يحفر فخا لعدوه

واحيانا تحفر فخا لصديق قد ينافسك في مستقبلك او يقف في طريق نجاحك .. وهنا يصبح عامل الزمن حاسما في اتخاذ القرار

وحدهم الابطال قادرين على العبور بسلام الى بر العظمة .. .

بلادكم فيها تاريخ وحضارة ولايليق بها حاكما الا من هو على شاكلتكم اقصد من يستحق قيادتها لابد ان تكون لديه مواصفات خاصة

 وقد تم اختياركم على هذا الاساس

. .. مايعنينا الصورة الاولى اي الاتفاقات والمحاصصة المخفية عن الشارع .. .الديمقراطية كما تعلمون يعني الرأسمالية اذ لايمكن ان تنجح الديمقراطية مع الاشتراكية وقد لاحظتم فشل المعسكر الاشتراكي منذ نهاية الحرب الباردة الاولى في البقاء ضمن دائرة القوى العظمى على الرغم من انهم اصحاب نظرية فكرية تهتم بفقراء العالم وبالطبقات العاملة المهملة في النظام الرأسمالي كما كانوا يروجون لذلك .. .على كل حال في بلادكم لم يكن هناك اهتمام واضح بالقطاع الخاص .. والدولة هي الراعي للشعب المسؤولة عن كل شيء من احتياجات وخدمات ومشاريع ووظائف وحتى لقمة العيش .. وانتم لاتملكون الاموال كي تصبحوا ديمقراطيين واصدقاء اقوياء لنا .. لهذا عليكم التخلي عن دعم القطاع العام بشكل تدريجي ان اردتم البقاء في الحكم فترة طويلة .. .بصراحة لابد ان تكون لديكم لجان اقتصادية محترفة مهمتها جمع اموال العمولات والرشاوى عبر احالة المشاريع الى شركات صديقة ومضمونة.

 .. .. اضافة الى تخصيص رواتب شهرية لكم عالية جدا نسبة للحالة المعاشية ومقارنة بذوي الدخل المتوسط والاعلى كأن يكون الراتب

 بمقدار عشرة اضعاف راتب الاستاذ الجامعي او المهندس او حتى الطبيب .. اضافة الى اشياء اخرى يمكن فتح ابواب الصرف فيها ..

لاتهتموا الى هذا الامر فلدينا عقول فذة في مجال التجارة والمال والاعمال والاستثمار في البنك الدولي وصندوق النقد سيتكفلون بتدريب كوادر وطنية واعدة عندكم كي تكون سندا للانتقال نحو التجارة العالمية الحرة والانطلاق نحو الاقتصاد العالمي الطموح كي تكون بلادكم يابان الشرق الادنى ..

 (قيادي شيعي يرفع يده للحديث)

القيادي الشيعي .. تحدثت استاذ عن مستقبل بلادنا .. .وقدمت ملاحظات عديدة .. لكن يبدوا انك نسيت اننا مسلمون والسرقة عندنا حرام .. .لن نلمس دينارا واحدا حرام .. ثم نحن ممثلين لحركات سياسية عريقة صاحبة مبادئ وقيم اخلاقية عليا .. ولدينا قاعدة جمايرية كبيرة .. .. كيف تريدنا ان نخون الامانة وندوس على دماء الشهداء .. .

الحاكم العسكري (المستشار) كلام جميل لايختلف عليه اثنان وهذا بالضبط ما اردت سماعه منكم .. .لكن هل تعلم ياحضرة الشيخ ان الادارة العليا في بلادنا لديها اقسام خاصة لدراسة الاديان والمذاهب والحضارات والثقافات والتراث هي تعرف كل شيء عن العالم .. لانها سيد العالم وقائدا اعلى له .. عندكم في دينكم شيء اسمه الخداع او الحيل الشرعية .. وشيوع سرقة الاموال المجهولة المالك .. واشياء اخرى يمكن التأويل واستغلال الفرصة العظيمة منها .. واعتقد حتى بقية المذاهب لديها منافذ لاستغلالها من اجل المصلحة العليا

القيادي السني .. .الامة والقومية العربية لاتسمح لنا ان نبيع المبادئ وندوس على ضمائرنا .. سنرفض تلك العروض حتى تعود الامور الى نصابها الاول ومسارها الصحيح .. ثم اذا كان الاخوة الشيعة لايمدون ايديهم لدينار واحد حرام نحن لن تمتد لنصف دينار حرام ابدا .. .

الحاكم العسكري .. .انتم ايضا لدينا معلومات انكم فقهاء في التأويل .. ونعرف انكم دائما تلعبون على الصورة المعلنة للجمهور .. لامانع لدينا ان ترفعوا السلاح بوجهنا او بوجه شركاؤكم في الوطن .. فهذه هي الديمقراطية الحقيقية .. لكن عليكم معرفة شيء مهم عن سياسة بلدنا قراراتنا اوامر ونحن لانرجع الى ماقبل اصدار الاوامر اذن لاعودة .. افعلوا كما فعل الاخرون ولكن بحدود

القيادي الكردي .. .نحن لايعنينا ولايهمنا اي شيء سوى ان نحصل على حق تقرير المصير .. واقامة دولتنا الكردية الكبرى.ولن تمتد ايدينا لاي مال حرام حتى لو كان ربع دينار فقط .. .

الاقليات (المندوب عنهم) .. نريد استعادة حقوقنا المسلوب .. هل تعلم ادارتكم المؤقرة بأننا اقليات منسية مهملة ..

الحاكم العسكري (المستشار يشير بيديه الى حالة تعبيرية يريد القول من خلالها كلمة فسيفساء) سمعت قبل مدة عدد منكم يتحدث عبر الاعلام واصفا المجتمع وتنوعاته بدرة او كما حاول المترجم شرحها لي وتعليمي لفظها بالعربية فسفسواء .. انتم كلكم في عيون ادارتنا العليا .. ..

 (القادة جميعا وبصوت واحد فسيفساء .. .)

نعم هذه هي .. .لاتقلقوا ستأخذون نصيبكم كاملا في دولتكم المستقبلية

في نهاية الاجتماع اود ان اشكر حظوركم ومناقشاتكم البناءة المهمة التي سنأخذها بعين الاعتبار .. لكن سأترك لكم ملفات خاصة معنية بمستقبل بلدكم والية عمل كل واحد منكم .. اضافة الى حقيبة مساعدات مالية هدية من اصدقاءكم الكرماء .. .وقبل ان تذهبوا الى مقرات عملكم او بيوتكم .. تذكروا ان الديمقراطية لايمكنها ان تنجح دون وجود رأس المال .. خذوا وقتكم في التفكير ومن يريد ان يخدم بلده معنا .. عليه ان يأتي غدا للاجتماع النهائي بغية التوقيع على بنود مواد الدستور الجديد لبلدكم .. ومن يتخلف عن عجلة التقدم عليه ان يبقى في محطات الانتظار حتى يأتي قطار اخر ليأخذه حيثما يريد .. .لاتنسون موعدالاجتماع سيكون غدا الساعة العاشرة صباحا ..

انتهى المشهد الاول

 

الفصل الاول المشهد الثاني ..

 (الضابط يتحدث مع مدير مكتب الحاكم العسكري) ماذا نفعل لقد حضر القادة منذ الساعة السادسة صباحا علما ان موعد الاجتماع العاشرة صباحا .. هل استيقظ سيدي الحاكم العسكري ..

مدير المكتب .. هل حضر الجميع ..

الضابط: جميعهم .. لم يتخلف منهم احد .. الا من وجهنا لهم الدعوة ولم يحضروا اجتماع الليلة الماضية

مدير المكتب .. دعهم ينتظرون .. لدينا عمل طويل معهم .. اما بخصوص من رفض دعوة الحاكم العسكري فسيعضون اصابع الندم طويلا

الحاكم العسكري كان يعرف انهم سيحضرون جميعا .. فقد كان اختياره صائبا .. .ما اصعب العمل مع العملاء .. .ولكن هل يشعر هؤلاء بالعار في داخلهم .. ام يعتبرون ان عملهم معنا مناورة اضطروا الى قبول شروطها .. .هؤلاء من الامم والشعوب الصعبة جدا .. لكن يسهل ايجاد العملاء فيهم لاسباب مجهولة او لعلها الحاجة للاموال والمكانة السياسية .. الايام القادمة ستكشف النوايا .. دعنا نعود الى عملنا ايها الضابط .. ودعهم ينتظرون مستقبلهم ..

 

المشهد الاخير ..

هو صورة صامتة تتحدث عن كل الاحلام الكاذبة التي يحملها الاستعمار للدول المستضعفة المحتلة

 .. الدمار .. الخراب .. الصراعات .. الازمات .. الفقر

.انحدار الاخلاق .. انتشار العنف والجريمة والمخدرات .الفساد المالي والاداري .. .فشل الدولة ومؤسساتها .. احيانا الاقتتال الداخلي ..

انتهى

الشعوب والمجتمعات المسلوب الارادة تبقى بحاجة دائمة الى وسائل احياء النبض .. والى تقوية عوامل تحرير ارادتها .. اي استعادة او احياء الوعي بالمعرفة

 

مهدي الصافي

مهداة الى مجاهدي الحشد والقوات المسلحة العراقية

٢٠١٦

 

في نصوص اليوم