حوارات عامة

القاص والروائي المغربي محمد داني... في ضيافة المقهى؟؟!

من هو محمد داني؟

- داني محمد إنسان متواضع إلى حد سكون البحر، هادئ إلى حد هدوء الرمل... لا أجد في نفسي ما يستدعيني للحديث عن داني محمد.

فتحت عيني بحي المحمدي، ذات ليلة باردة، في منتصف ليلة الثلاثاء من شهر نونبر. وقد كانت فرحة والدتي بي كبيرا لأنها استفتحت ولادتها بذكر كما تحث على ذلك أعراف عائلتها...

لا أذكر من ماضي البعيد غير فلقة الفقيه، وتفنن معلمي في جلدنا وعقابنا بالمدرسة الابتدائية، ورسوبي بالباكالوريا، وشعوري بالضيم، والغربة، وإصراري على الاستمرار رغم كل العقبات.

ها أنا أجدني أبا لأربعة ذكور توائم. الفرق بين كل توأم سنتان. وأجدني اجر ورائي سنينا من العمر حلمت فيها بأشياء كثيرة... وتمنيت فيها متمنيات كثيرة. وأجمل أمنية أتمناها ولا زلت: أن أزور البيت العتيق، والمدينة المنورة... معتمرا وحاجا...

 

ما هي الدوافع التي جاءت بك إلى عالم الإبداع؟

- لا أعرف ما هي الدوافع التي جاءت بي إلى عالم الإبداع والكتابة...كل ما أذكره أنني كنت في حصة الفرنسية عند أستاذة ( عرود) وفي مادة تحليل النصوص، حيث كنا نتناوب على  قراءة ( le fils du pauvre ) لملود فرعون على ما أظن، وأثناء النقاش، عنت لي فكرة، سجلتها على دفتري وهي  على شكل قصيدة نثرية بعنوان ( ما تقولين) ، حملتها بعض اللواعج، ونار الحب، وكوابد الهوى... ثم أطلعت بعض أصدقائي عليها، وكانت هذه بدايتي في الكتابة، كما قدمت لأستاذ العربية ( كريويل إدريس) – الله يرحمه-  كراسة بها مجموعة من الإرهاصات ، والكتابات، فاستحسنها مع بعض الملاحظات، وشجعني على المضي قدما مع قراءة دواوين لشعراء معاصرين، هكذا كانت رحلاتي.

 

هل تلعب الحوارات الأدبية دورا مهما في حياة المبدع؟

- الحوارات لها طعمها الخاص إذا ما أحسن التعامل معها. يمكن أن تكون أداة بناء، كما يمكنها أن تكون أداة هدم.

كثير من المبدعين يتهافتون على أن يجرى حوار معهم، لا لشيء إلا لإعطاء ثورة مغلوطة عنهم. صحيح أن الحوار مهم في حياة المبدع لأنه يعطي للمتلقي صورة عن بعض جوانب من شخصيته الإبداعية. لكن لا يكون الحوار هادفا إلا إذا كان الغرض منه هو خدمة الأدب، والثقافة، والإبداع عامة.

في المغرب الحوار لا يثكم شيئا للمبدع، لأن العمل الإبداعي هو الذي يعرف به. للأسف كثير من حواراتنا تدخل فيه المحسوبية والزبونية.

كما إن المحاور يجب عليه أن يعرف ماذا يريد بحواره مع المبدع، وما هي النتيجة التي يريد الوصول إليها. ليس الحوار من أجل الحوار.

 

ماهي طبيعة المقاه في البيضاء، وهل يساهم الفضاء في تشجيع الأنشطة الأدبية والثقافية؟

- ولو أنني لست من عشاق المقاهي، فإن المقاهي بالدار البيضاء لا ترقى إلى المستوى المطلوب. لم؟ عندما نلج مقهى من المقاهي الشهيرة بالدار البيضاء نخجل كثيرا من الممارسات التي تتم فيها. فتيات قاصرات من مختلق الأعمار، موسيقى صاخبة، مناظر خليعة... بالطبع هناك مقاهي محترمة وهي قلة، خاصة وأن أصحاب المقاهي يبحثون عن الربح فقط. لا يهمهم لا أخلاق ولا ثقافة.

كنت أجلس مع بعض الأصدقاء سابثا بمقهى سوهو. وكانت هادئة، وذات أنغام ساحرة.. لكن في ظرف شهور عدة، وبتغير مديرها، أضيف ي ركن منها مرقص بدأ يؤمه شباب وقاصرات، الشيء الذي أدى بالكثير من مغادرتها.

لذا المقاهي في الدار البيضاء  لها سياسة متبعة ( اشرب قهوتك واخرج).أما ما يهم الجانب الثقافي  فهو بعيد جدا عن اهتمامات صاحب المقهى. لكن بدأت تظهر مؤخرا بعض الصالونات الأدبية والتي تحول فضاءها من فضاء سمرن ومؤانسة إلى فضاء ثقافي.. ولكن هذا يبقى موسميا. ولذا في الدار البيضاء لم تضف المقهى شيئا للأدب والثقافة، والإبداع.

لم؟ لا أعرف. ربما أننا لم نصل بعد إلى حد الشبع للتفكير في الهم الثقافي. وتصبح عندنا مقهى ثقافيا بكل حي وشارع.

 

بعد هذا الرصيد الإبداعي الكبير، ألم يسبق لك أن كتبت أي نص في فضاء المقهى؟

- أولا أصحح لأستاذتي فاطمة المرابط معلومة. لست صاحب إبداع كبير. قلت لك امني إنسان متواضع، ما زلت أتلمس طريقي.. وأبحث عن اللحظة الإبداعية المثلى. ما  كتبته هي محاولات إبداعية لا ترقى  إلى الإبداع الملفت للنظر.

لم أكتب نصا إبداعيا بالمقهى إلا في مرحلة مراهقتي ودراستي بالرباط... في لحظة قلق، وانفعال عاطفي... دفعني إلا التعبير عن خالتي المزاجية ساعتها. بعدها لم تكن المقهى تسمح لي بذلك لانعدام شروط الإبداع فيها... خاصة إذا ما كنت مع بعض الأصدقاء.. تعجبني مقاهي الزرود والشواء،  بالأسواق الشعبية، أرى فيها لوحات فنية رائعة، من مغنين شعبيين، ومتسولين، ومهرجين/ ...

 

ما رأيك في طبيعة المقهى خلال الفترة الراهنة، أكيد أن هناك اختلاف بين الماضي والحاضر؟

- صحيح أن المقاهي اليوم اختلفت عن مقاهي زمان... أصبحت مقاهي اليوم لا يهمها إلا جلب كثير من الزبناء الذين لا يعصرون مشروباتهم عصرا طول النهار.. يريدون الزبون الخفيف الظل .

صحيح إن مقاهي زمان كانت ثقافية بدرجة كبرى... ففي روايات نجيب محفوظ،  نجد صورا لكثير من المقاهي الشعبية. كانت تسرد فيها السير الشعبية، وتغنى فيها المواويل، والحكايات البطولية، بل تتم فيها النقاشات الفكرية، والثقافية، والسياسية. ولذا اشتهرت مقاهي في القاهرة بأسماء أدباء ومفكرين.

في الدار البيضاء مثلا لا توجد مقهى خاصة ، تشتهر بجلوس أديب بها يوميا.

 

ماذا تمثل لك: الحياة، القصة، الحرية؟

- الحياة: تعب إلى مماة... ونظرة مزجت تفاؤلا وتشاؤما... وسفر يومي إلى حتميات، وإلى مجهول. الحياة كفاح، وشقاء، وغلبة لنقيضين، خير وشر... حب وكراهية،عطف وقساوة، رحمة، وغلظة...

القصة: نافذة اطل منها على الحياة.. ولوحة أشكل فيها بعض أحلامي، وبعض رؤاي المتواضعة.

القصة....لهفة في النفس، وسفر جميل في حقولها، وشرفاتها لاستشراف حياة سعيدة نسبيا.

القصة هوس يسكنني، أعشق من خلاله بعض المتواليات التي تنعشني.. من حلالها اكون، ولا أكون.. من خلالها أنمو وأموت....

الحرية: دم يتدفق هدرا.. وحلم لم يتحقق أبدا.. ونظرة للكون، والإنسان والحياة، والغد لم تتجاوز الأنف.

الحرية استيقاظ من نوم عميق، للوقوف على رضى يعم النفس، ويملأ القلب... إنها لحظة تكوين لم يحدث بعد.. وأتمنى أن يحدث ...

 

كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟

- آه... لو تحقق هذا الحلم.. إنني أتمنى إن يكون في مدينتي مقهى بغدادي، تقدم به الجرعات الثقافية، الممزوجة بنكة الشعر والأدب والفلسفة، والقصة، والفن.

مقهى يعر إن القهوة تحلى بالشعر، وتشرب مع الأدب بمختلف تلاوينه... وإذا كان أفلاطون قد جعل الفلاسفة يسوسون المدن الفاضلة، والسعيدة، فأتمنى إن يسير ويدبر المقاهي شعراء، وأدباء، يجعلون من كل يوم جلسة أدبية وثقافية على أنغام قهوة ساخنة.

*****

 

أشكرك أستاذتي فاطمة على هذه الفرصة التي منحتني إياها للإطلالة من خلال حوارك هذا على بعض الأحلام في نفسي.. لك كل التقدير والمحبة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1186 الجمعة 02/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم