حوارات عامة

الشاعرة السورية "مانيسا أمريكو" تقول:

1487  مانيسو امريكو- الكتابة رئتي الثالثة، هذه اللغة التي لا تجوع معها إذ تلتهم هالة قواعدها،

- المحيط الاجتماعي والثقافي يشكل موروثاً أساسياً لكلّ منا

- ولأنّ لكلّ زمانٍ ذائقته ومفرداته

- الحب والسلام قضيتي  الاولي والاخيرة

- رسالتي للشعب السوري الا يعول الا علي نفسه فقط


- "أنا الفتاة المحقونة بالحبر

بكلّ ما أوتيتُ من غيرة، أتجنبُ الموت بهمزةٍ طائشة وأبيع روحي لمن تعاطى الشعر

أتيتكم من قرية تُدعى Oşki kibar وتعني عاشقَ الجميلة أخاطبكم باسمي الصغير المشتق من نسيان الألم

سنوات عمري الثمانية والثلاثين نسجتُها في كنفِ سوريتي وصولاً إلى الوطن القسري ألمانيا

كانت جامعة حلب الشهباء قد اختارتني يوماً لأحتضن حقوقي في كنفها كما ونحو معهد للفنون الجميلة بصلصالٍ دافئ رسمتُ طريقاً إلى قسم النحت والخط

منذ نشأتي كانت وما زالت اللغة العربية تجري ندية الحرف على فمي، تهُبّ طازجة إلي موثقةً بفترةٍ مفتوحة الصلاحية فتجدني رغماً عن قلبي أتطيبُ شِعراً، أتمايل على موسيقا الحركات بين فتحٍ وسكونٍ وضم

أنا الفتاة المحقونة بالحبر

أرضع صغاري حبّها لتصبح الكتابة رئتي الثالثة، هذه اللغة التي لا تجوع معها إذ تلتهم هالة قواعدها، هذه التي لا تتجزأ والتي لم ولا ولن أراها إلا إرثاً معصوماً غير قابل للجدل أو السقوط في القاع

فتجدني أتذوق ملح ما يُدوَن، كترسباتٍ في قاع الكاتب مثلاً، تراني أحمل ملعقة في جيبي على الدوام أملأ فمي أتحرى عن أفعالها وأنسى وجهي وأصابعي أينما أمر

فاعذروا صراخي المفاجئ، انفعالاتي المؤقتة، إنّ تلوثَ المزاج العام للقارئ، يصنع أرضاً محترقةً مكتظةً بطينِ الخطأ والأنفة والتشويه

إنها الأمانة الثقيلة التي حباها الله أناملنا والتي من حقكم علينا أن نتريث ونتريث لنودعها بين أيديكم كما يليق بها وبكم" كان حديثها عن الذات صرحة شامية في وجهه  كل من يتجاهل وطنها باوجاعه  انها الشاعرة السورية  "مانيسا امريكو" التي سعدنا بالتحاور معها حيث سالتها في البداية:

س- أراك تتمسكين بعروبتك في وقت تخلي فيه الكثيرون عنها ما تحليلك لذلك؟

- منذ نشأتي كانت اللغة العربية تتوسد حنايا القلب برفقة لغتي الأم لطالما كانت تجري ندية الحرف على فمي، تهُبّ طازجة إلي موثقةً بفترةٍ مفتوحة الصلاحية فتجدني رغماً عن قلبي أتطيبُ شِعراً، أتمايل على موسيقا الحركات وأتجنبُ الموت بهمزةٍ طائشة

هذه اللغة باختصارٍ لا يجوع معها أحد

س- ما هي أهم المؤثرات الثقافية والفكرية التي ساهمت في تشكيل وجدانك الإبداعي؟

- في البداية كانت مدرسة نزار قباني الشعرية ذات وقع خاص حيث يمتاز شعره بأنه سهل ممتنع، وغالباً يستهويني هذا الشعر الذي يترك أثراً كبيراً في قلوب قراءه، حيث يلامس الأجيال بمختلف فئاتها العمرية كما وأنّ إضافة تفاصيل الحياة اليومية البسيطة لديه كان له أثر واضح في رؤيا أُخرى واسعة المدى ورويداً رويداً تعددت وتوسعت الذائقة الأدبية وغدت الملاحم تلفت انتباهي بشغف كبير كملحمة مم وزين للشاعر أحمد الخاني وملحمة جلجامش وأنكيدو

كما وأنّ المحيط الاجتماعي والثقافي يشكل موروثاً أساسياً لكلّ منا فقد نشأتُ داخل عائلة متشبعة بالأدب بين أمٍ تدندن الموشحات في مسامعنا قبل النوم ووالدٍ يخبرنا بقصص ممتلئة بالعبر والحكم منذ طفولتنا، كنّا كمن يُحقن بالحبر أو بالشعر لست أدري حقاً، ولطالما كان السرد الوارد فيما يرويه والدي وما ينتهي إليه من عِبرة يأسرني كنتُ أتفكر في ما ورائيات هذه الرواية وكيف استطاع الكاتب الإبقاء على الأثر طويل المدى في الذاكرة

أظنّ أنّ إتقان الإصغاء يقودونا نحو تذوق الجمال بطريقة متفردة كأن تنبت لنا رئةٌ ثالثة بها ومنها نتنفس الفن الكامن دواخلنا

وقد كانت الكتابة رئتي الثالثة

س- لكل كاتب قضية يحاول الوصول بها إلى وجدان وعقل القارئ فما هي قضيتك الأولى؟

الحب والسلام أولاً وأخيراً

السلام الداخلي بين النفس وذاتها، السلام الكامن في أصل الإنسان، لذلك تجدني أكتب الحب

فبه وحده ندرك السلام في زمنٍ تحجر فيه كل لين

حقاً إنّ الحبّ يغير نظرتنا بالمطلق وبدونه لا شكّ أنّ الإنسان مجردٌ من إنسانيته

هو سفير السلام به وبه وحده فقط نستطيع أن نجدّ أنفسنا التي فقدنا

س- من هو كاتبك المفضل على المستوى العربي والعالمي ولماذا؟

- الخارج عن المألوف سليم بركات صاحب اللغة الشعرية المتمرِّدة

سليم بركات بكل ما يغلب عليه من طابع الجموح، والذي قال عنه أدونيس: "هذا الشاب يمتلك مفاتيح اللغة في جيبه"

والفرنسي ميلان كونديرا القادر على أن يأخذنا دائماً للنظر في الأسئلة التي يطرحها كل إنسان منّا على نفسه باستمرار

كونديرا عبقري النقائض المحببة بالنسبة لي ينقلك بين الحلم والواقع، بين الفلسفة والخيال والعظيم أنّ كلّ هذا المزيج المعقد بكمٍّ هائلٍ من البساطة

والبرتغالي المذهل فرناندو بيسوا بكل شخصياته المتداخلة المنفصلة المتسم بالتكثيف والميتافيزيقية والحساسية

المهتم بالحياة العابرة والحب، المنغمس في الواقع

هذا على وجه الخصوص لكن القائمة تطول وتطول

س- الكاتب دائما وليد التجربة الحياتية التي يمر بها كيف رصدتي تجربة الحرب في وطنك الأم سوريا؟

- من خلال التحديق في عمق الإنسانية ففي جعبتي كومةٌ من الأحزانِ لا أبكي عليها

وهنا يستوقفني ما قلته في أحد نصوصي بأن شهادتي التي سبقَ وحصلتُ عليها استبدلتُها بحرفةِ صناعةِ الأحذية وجلستُ على الشاطئ أنتظرُ أقدامَ الناجين

س- لكل كاتب مقومات نجاح في كل زمان ومكان فما هي المقومات التي تساعد على نجاح المبدع والكاتب في ظل هيمنة وسائل التواصل على حياة الجميع؟

- من المؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من ضروريات الحياة الحديثة لكنها للأسف سلاح ذو حدين كما ويجب استخدامها والتعامل معها بحذر، أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي عملت على تقليل الحواجز التي تعيق الاتصال حيث أتاحت المجال لنقل الأفكار والآراء المتعلقة بموضوع معين لعدد كبير من الأشخاص وبطريقةٍ سهلة، وذلك من أيّ مكان وزمان، كما فتحت الأبواب لتبادل الآراء وتوسيع فرص المشاركة في التعبير عن الرأي، أما على وجه الخصوص فقد حررت الكاتب من أمورٍ عدّة إلى حدٍ كبير كما وأتاحت له تشكيل قاعدة جماهيرية كبيرة

س-  قضية الحداثة هي القضية القديمة الحديثة التي تشغل بال الكثير من النقاد في الوسط الادبي مارأيك في أسلوب الحداثة في الشعر؟

- مما لا شك فيه أنّ الشعر ظاهرة فنية عريقة رافقت حياتنا البشرية منذ القِدم ومما لا شك فيه أيضاً أنّ الشعر قد تطور ومنذ القدم حيث شهد في العصر الأموي تغيراً في بعض موضوعات الشعر أي أنّ التجديد كان محدوداً في شكل القصيدة وبنائها الفني مروراً بالتجديد البديعي والموشحات قبل عصرنا الحديث، ولأنّ لكلّ زمانٍ ذائقته ومفرداته

فلا بأس من ذلك لأن الذائقة العامة تستدعي وتختلف لكن دون التمرد والاستنكار على ومن هذا التراث الشعري الذي كان وسيبقى منارةً لاقتباس النضج الشعري الذي لا يتناسب كثيراً مع عصرنا باختصار إنّ الحداثة الشعرية استعاضت عن الإيقاع الصوتي بالإيقاع المشهدي من خلال قصيدة الومضة أو قصيدة المشهد

س- لكل كاتب أيدلوجية خاصة تهيمن على كل ابداعاته فما هي أيدلوجية شاعرتنا " مانيسا امريكو"

- التخلص من أيّ انتماء ذلك لأنّ النص الشعري بصفته جنساً أدبياً لا يقيم إلا بمعايير أدبية بحتة

س- ما هي رسالتك للشباب الكتاب في الوطن العربي؟

- إنّ تلوثَ المزاج العام للقارئ يصنع أرضاً محترقةً مكتظةً بطينِ الخطأ والأنفة والتشويه

وما الأدب إلا إرثٌ معصومٌ غير قابل للجدل أو السقوط في القاع

لذلك وجب التريث والتريث والتريث فيما يودعه الكاتب لدى القراء

س- ما هي رسالتك إلى الشعب السوري عامة والمرأة السورية خاصة؟

-إنما هي رسالة للإنسان على وجه العموم

لا تعول إلا على نفسك

س-  هل لنا أن تقدمي لنا بعض من نماذج إبداعك الشعري؟

بعنوان تَجليات

كنتُ أريدُ أن ألعقَ جَرحك

أن أدعوَهُ للعشاء وألتهمَ جمالهُ بعينٍ واحدة

أن أقيسَ حرارتهُ بقُبلة

أنقر زاويتهُ مثلَ عصفور

أُغري رطوبةَ جدارهِ وأنفخ فيهِ كثيراً إن هوَ تدفق

أن أمدَّ رأسي وأُثبّتَ بصري في عينهِ الساحرة

لا شيءَ سوى الغباش وظِلّيّنا المتعانقين

كنتُ أريدُ أن أُعلقهُ كتميمةٍ

وأن أجلسَ على الحافةِ وأتركَ قدميَّ الصغيرتين

تتأرجحانِ في دمه

كنتُ أريدُ أن ألعقَ جَرحك

أن أصطحبهُ إلى السينما

أن أرقصَ الفالسَ في شوارعِ دمشقَ الملهوفة معه

أقفُ على تعبي

أُدلّكُ ركبتيهِ الباردتين

أتركُ لكَ فمي الذي قَبّلك

وآخذُ فمكَ الذي لفظني

في كلِّ مرةٍ أردتُ أن أضغطَ على تفاعلِ (أحببته)

أضمكَ وأضغطُ على قلبي

-2-

بعنوان من حنجرةٌ تغرقُ بك

الدمُ الذي سالَ من حزني

صارَ نهراً

وأنا وأنا ما زلنا نتبادلُ الحديثَ عنك

أتسلقُ وجهكَ شامةً شامة

أطوفُ صوتكَ مترعةً بالشعر

كافرة بكلِّ ما صدقتُ عنك

أُشعلُ قناديلَ الخوفِ الآتي أنا واحساسي الذي ينمو في عينيك

أعصرُ اللغة في غربةِ الرمل

أسفكُ دمَّ الظلال

وأوزعُ نفسي عليك

-3-

قصيدة تباريح الهوى

ألا يا طيفَ صوتٍ لو أتاني

فلم أمسك فؤادي إذ دعاني

 

ولو في الأرض قد تبقى وحيداً

أغارُ عليكَ من بُعد المكانِ

 

أغارُ عليكَ مِن جفنٍ ورمشٍ

جمانٌ مِن جمانٍ في جمانِ

 

وأدنو مِن وصالٍ فيه أحيا

كما يدنو المصلي للأذانِ

***

حوارها د. السيد الزرقاني

كاتب مصري

 

في المثقف اليوم