حوارات عامة

مائدة حوار مع الطبيب والشاعر د. عبد المعطي الدالاتي

- كلّ شِعر إنساني هو شعر إسلامي

- القرآن الكريم هو سجلّ الوجود وسبيل الخلود

- لا أرى أبدا توظيف ألفاظ الحبّ الإنساني في مناجاة الله تعالى

- دراسة الأدب العربي في الجامعة ليست شرطا لازما لكلّ أديب

- ثمّة فرق كبير بين الكتابة للأطفال والكتابة عن الأطفال

***

طبيب وشاعر إسلامي، جعل كتابَ الله قِبلته في الأدب فلُقّب بشاعر الإيمان. وُلد في مدينة حمص السورية عام 1961م، وتخرّج في كلية الطب جامعة دمشق عام 1985، ثم تخصص في المختبرات والتحاليل الطبية. ولشغفه بالأدب؛ التحق بجامعة حلب، ودرس الأدب العربي في سابقة قلّ أن يفعلها طبيب أديب. ومن بين ضروب الأدب المتشعّبة، وجد نفسَه في عروس البيان وكعبة اللغة، الشِّعر، فامتطى هدْأة الليل حين يصمت الكون ويصفو الذهن وينشط الخيال، مستحضرا صدق الإحساس وعمق الشعور، ومستعينا بثقافة اجتناها من سعة الاطلاع وبتجارب خاضها في دروب الحياة طولا وعرضا، وعلى أثر ذلك كلّه نظم من الدواوين الكثير، طائفا بالحبّ والجمال والمرأة والقيم الروحية والأخلاق الإسلامية. وبينما اتخذ من شاعر الرسول (حسان بن ثابت) مثله الأعلى في الشِّعر، فإن أديب العربية مصطفى صادق الرافعي هو المتربّع على عرش أستاذيّته في النثر الفنّي. وكما نظَم للكبار وأجاد، فقد نظم للأطفال والفتيان، بحسبانهم نصف الحاضر وكلّ المستقبل، وبوصفهم الحصان الرابح في حلبة أيّـة أمّـة تطمح لبناء حضاري. وبكل الودّ تلقّى أسئلة الحوار عن بُعد، وها هنا أجاب بكلمات قطّرها على أساليب الحكماء فجاءت موجَزة على طريقة: ما قلّ ودلّ..

= ما جوابكم على من يتّهم الشعراء الإسلاميين بقصر الباع في الإبداع، ويدلّل على ذلك بأنهم يقتصرون في شِعرهم على غرض واحد دون بقية أغراض الشِّعر المتشعّبة؟

- الأمداء فسيحة أمام الأقلام المؤمنة الجميلة، سواء في حقل الشعر أو النثر الفني، وكل شعر إنساني هو شعر إسلامي؛ فالشعر الإسلامي لا يقتصر على الوعظ، بل ثمة أغراض عديدة مثل :

- الحبّ في مناجاة الله تعالى، وفي البوح عن محبّة الرسول الخاتم صلّى الله عليه وسلم.

- وكذا الحب الإنساني النظيف، ومحبة الأبناء، ومحبة الوطن، وشِعر الأخوّة.

- وكذا الإبداع في الشعر التأمّلي الفلسفي، سواء في آفاق الكون أو في أعماق النفس.

- وكذا الإبداع في شعر الطفولة.

= إذا كانت ملَكة البيان ممّا يُعلَّم بقراءة القرآن والحديث وآداب العرب، فكيف يكتسب المرء قوّة التصوّر اللازمة للإبداع الأدبي؟

- مِن شروط الإبداع الشعري أن يمتلك الشاعر قوة التصوّر، وتأتي من التأمّل الواعي لآفاق الكون وأعماق النفس. ومِن قراءة التاريخ والحضارات الإنسانية، وقراءة أشعار وآداب المتميزين سواء من العرب أو من باقي الشعوب.

= وصفْتم "جمال القرآن" شعرا، فبم تصفونه نثرا؟

- القرآن الكريم هو سجلّ الوجود، وسبيل الخلود ..وهو رسالة الله الأخيرة إلى الإنسان الظامئ إلى الهداية والنور. اختار الله تعالى سيّدة اللغات لتكون آنية هذا الكتاب المبين، الذي أعجز بجلاله البلغاء، وأدهش بجماله الفصحاء .

= إذا قلنا: "إنّ لكلّ ذي قلم، أديبا شُغف به فكرا وتَعلّق به روحا حتى ملأ عليه أقطاره"، فمَن يكون أديبك وصاحب حظْوتك؟

- الأستاذ مصطفى صادق الرافعي؛ إمام الأدب، وحجّة العرب، وسيّد بلغاء العصر، ونديم الجمال، وساقي البيان، وفيلسوف الفكر والمعاني، رحمه الله تعالى، ورفع درجته في الفردوس الأعلى من الجنة. فالرافعي هو عندي القلم الإمام!

= ما الإضافة النوعية التي أضافتْها دراسةُ الأدب لكم، وهل ينبغي لكل أديب أن يحذو حذوك في الالتحاق بمعاهد الأدب وكلّياته؟

- أفدتُ من دراسة الأدب في سدّ الثغرات المعرفية والأدبية، وخاصة في علوم النحو واللغة. ودراسة الأدب العربي في الجامعة ليست شرطا لازما لكل أديب، فكثير من كبار الأدباء والشعراء لم يدرسوا الأدب في الجامعة.

= كيف ترى تحفُّظ البعض تجاه مناجاة الربّ سبحانه بأشعار فيها ألفاظ الحبّ والعشق ممّا يتداوله الناس فيما بينهم؟

- ثمّة ضوابط في مناجاة الله تعالى، وأهمها التأدب في الألفاظ. فلا يخاطَب الله جلّ وعزّ إلّا بما شرع، واللفظة المختارة للحب هي الحب: (يحبّهم ويحبّونه) . فلا أرى أبدا توظيف ألفاظ الحب الإنساني في مناجاة الله تعالى، من مثل لفظة "العشق" وأمثالها.

= في ضوء ما نظمتم للطفل من دواوين، كيف هي الصورة الشعرية الأقْرب لنفسه والأفْيد لصياغة وجدانه؟

- أدب الأطفال ليس أدبا سهلا، فثمّة فرق كبير بين الكتابة للأطفال والكتابة عن الأطفال. ولا بد من انتقاء المفردات المناسبة للطفل، وكذا الصور التي تنتمي إلى عالمه الملوَّن الصغير.

= أين نجد بذور وجذور هذا الفيض الروحي الذي يسطع في سماء قصيدكم؟

- أمضيت طفولتي في بادية العرب، قرب تدمر، حيث الصحراء آفاق وأمداء، وصفاء واتصال بالسماء. وقد انعكس تأمّل هذا الجمال المؤمن الأخّاذ على قلمي ونتاجي الأدبي. لكن الدور الأهم آت من التربية الإيمانية، والقدوة الوالدية، رحم الله آباءنا وأمّهاتنا أجمعين ..

= هل وراء اختياركم للتخصّص الطبي في التحاليل والمختبَرات مغزى من حيث إيجاد فرجة للأدب؟

- منحني تخصّصي في التحليل المخبري فرصة كبيرة لضبط الوقت وترتيبه؛ فهو من (الاختصاصات تحت السريرية) والاحتكاك بالمرضى يبقى في حدود قطف عيّنات الدم عند الصباح .

= من وحي ديوانكم (لكم يغنّي الربيع)، متى يغنّي الربيع لسوريا الكَسيفة؟

- سيعود بعون الله تعالى الأمان والسلام إلى بلدي الحبيبة سورية، وما ذلك على الله بعزيز.

الشام تدري لن يفرّج كربها   والله، إلّا الواحد القهّار

= ما الذي وددْتَ قوله بين سطور كتابك (ربحْت محمّدًا ولم أخسر المسيح)؟

- إن الإسلام هو دين الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام. وإن رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم، هو أولى الناس بالمسيح ابن مريم. وإن المسيحي الذي يدخل إلى عالم النبي، فيحبه ويؤمن برسالته، لن يخسر محبته للسيد المسيح، بل سيحبه أكثر..صلاة ربي وسلامه عليهما .

= إذا اتفقنا على أن اللغة وطن الأديب، والفصحى جواز سفره.. فكيف تنظر إلى ما يُسمّى بالشِّعر العامي؟

- الشّعر العامي سفر بغير زاد ولا راحلة إلى غير وطن، ولن يُكتب له الخلود.

***

د. منير لطفي

أُجري الحوار في 5 مارس 2023م

في المثقف اليوم