تقارير وتحقيقات

تحقيق: شباب وفتيات يتعاطون المخدرات والكبسلة هرباً من الواقع

 عدد المدمنين في محافظة ميسان يشكل 5% من مجموع سكان المحافظة وأن أعلى نسبة للوفيات المدمنين بسبب المخدرات سجلت في محافظة كربلاء وتلتها ميسان وبغداد وبابل وواسط بالتعاقب، ووفق الأحصائيات فقد كشف مدير معهد الأمراض السارية في النجف عن وجود (4000) حالة إدمان على المخدرات، لتنتشر زراعتها في أماكن عديدة من العراق مع غياب الرقابة الرسمية ومنها في محافظة السليمانية وديالى ونينوى وبعض محافظات الجنوب ...

 

الإدمان تسمية لا تخلو من معنى الألم والضياع الذي بات مستشرياً في أوساط الشباب، فــ (الكبسلة ويكبسل) تطلق عادة على متناولي الحبوب المهدئة في إشارة الى تلك الحبوب المغلفة (الكبسول) وهي ظاهرة أنتشرت وشاعت في السنوات الأخيرة، لتباع بصورة علنية على ارصفة الشوارع في بعض المناطق الشعبية، وأيضا في أي صيدلية أو مذخر لبيع الأدوية، ويعود سبب أنتشارها الى تردي الوضع في البلاد وعدم وجود الرقابة، فنجد الشاب أو الفتاة تميل لإقامة علاقات مع أشخاص لديهم القدرة على الأستماع لمشاكلهم بالأضافة الى أمتلاكهم الأدوات العاطفية لتقديم العون فيكون عن طريق ذلك الأنزلاق برغبة كاملة للأدمان من قبل هؤلاء وتعاطي المخدرات تقليداً لهم وقد يكون حباً فيهم وعندما ينقاد الشاب لهذه لتجربة الأدمان بمساعدة هؤلاء اصدقاء السوء يعلل لنفسه السبب بأنه يهرب من واقع بائس ويشعر بالراحة والأنتعاش ...

 

واقع حالة الطالبة رنا

في صباح أحد الأيام أمضى فؤاد عدنان / طالب في كلية اللغات ساعتين وهو يتحدث عن شعوره بالأسى تجاه زميلته رنا، وهي طالبة بكلية اللغات / قسم اللغة الروسية مواليد 1986 من سكنة كربلاء، وهو عاجز عن التعبير في مدى الألم الذي يعانيه عندما كان يستمع لحديثها، وبالمقابل فهو وبحسب ما يقول " لم أكن جاداً في محاولة إنهاء معاناتها، لذا كانت محاولتي في أنقاذها بمثابة إيصال رسالة للآخرين ليشعروا بمدى خطورة الوضع " .. ليضيف قائلاً عندما تراها لا يخطر على بالك أن هذه الشابة تلجأ الى تعاطي المخدرات والذي دفعها لذلك هو إنها كانت على علاقة حب مع أحد أقاربها في كربلاء، وقد اقنعها بممارسة الجنس معه لانه سيتزوجها قريباً، وحينما أحست بخطأ ذلك، اخذ يهددها بفضحها أن لم تلبي رغباته، ليجبرها أن تمارس الفاحشة مع زملائه الشباب في محاولة منه للمتاجرة بجسدها، ثم تعرفت مصادفة بفتاة جامعية معروفة بسوء سمعتها، ليكمل فؤاد حديثه بنبرة حزن " كنت دائماً اراقب رنا وأسأل نفسي كيف تسير مع هذه الفتاة السيئة وحاولت مراراً التعرف عليها وفعلا تعرفت عليها لتحكِي لي سبب ارتباطها بتلك السيئة وكيف أنها تساعدها في عملية الحصول على المخدرات والحبوب المهدئة ...

 

فقدان الرغبة في الحياة

ويرى فؤاد " أن إنتهاء علاقة حبها بشكل سيىء خلف جرحاً عميقاً وأنهياراً بداخلها، مما أفقدها الرغبة في الحياة، لتتجه أفكارها نحو الأدمان، فهي الى الآن لا تدري ماهي المصيبة بدقة، لتبدو لها الأمور أضخم من حجمها في ذات الوقت، فقد تعرضت لتجربة حب فاشلة وأغتصاب من الحبيب وأرغامها على فعل الفاحشة وتعاطيها للمخدرات ...

 

الطالبات والطلبة في الجامعة

قصة رنا تصدم اي انسان، وان قيل أن مثل هذه التجارب عادية جداً بين طلاب وطالبات الجامعات، حيث يعتبر تعاطي المخدرات والحبوب المهدئة سبب رئيسي للهرب من واقعهم المرير، وأن هناك الكثير من الدراسات التي تؤكد على أن محاولات النساء الشابات للخوض في تجربة الأدمان على المخدرات ما هي إلا تعبيراً عن رغبتهن في وضع حد لأحساسهن بوضع سيىء لا يستطعن تغيره، فهن مجبرات تحت ضغط ما، أكثر من رغبتهن بإنهاء حياتهن على الرغم من كونه خيار مرعب لا يدمر الحياة فقط بل يسبب أذى نفسياً مخيفاً لمن حولهم، وعن تعاطي هذه الحبوب المخدرة يضيف فؤاد أن هناك الكثير من الطالبات والطلبة يتعاطونها ونحن على علم بذلك، وهذا ما أكدته له رنا، على الرغم من كثرة انتشارها بين صفوف الطلاب، فقد كنت أعرف طالب أسمه " زيد " كان من عائلة ميسورة جداً ويمتلك سيارة نوع " سبورتج 2008 " كثيراً ما يفتعل المشاكل بين صفوف الطلبة ومع أمن الجامعة والجميع يهابه ويخاف منه، وعندما سألنا فؤاد عن سبب إفتعاله لهذه المشاكل قال أن عندما يتعاطى هذه المخدرات يصاب بحالة نفسية سيئة ...

 

ضرب إبنتي وتهديدها بالقتل

عثمان سالم طالب في مرحلة السادس إلاعدادي أخبرنا بأنه يعرف الكثير عن زملاء له في المدرسة يتعاطون هذه الأدوية إذ يوضح لنا بأنه لعدة مرات قام بنصيحة صديق له بأن يترك هذه الأدوية لأنها تؤذيه فيكون جوابه بأنه لا يستطيع ذلك، وكيف أن الكثير منهم يتركون الدوام المدرسي أكثر أيام الأسبوع ولا يحضرون بسبب تعاطيهم هذه الأدوية ولعدم قدرتهم على الدوام ... بينما جنان الصائغ شاعرة وأم تقول أنا قلقة من تزايد هذه الظاهرة بين صفوف الشباب وعتبي على الأم لأنها لا تودي دورها بشكل صحيح في متابعة أبنائها وبناتها لتفادي وقوعهم في هذا الوحل .. أما أم رامي وهي معلمة في منطقة حي الجهاد تقول هناك الكثير من المدارس في عموم المحافظة يتعاطى طلابها هذه الأدوية ويدمنون عليها وقد حدث ذلك لأبنتي وهي طالبة في المرحلة الأعدادية وكيف إنها بطريق الصدفة شاهدت طالبتين في المغاسل الصحية للمدرسة وهن في حالة يرثى لها، أصابتها الدهشة من ذلك وعندما حاولت معرفة ما اصابهن، قامت أحداهن بمحاولة ضرب إبنتي والأعتداء عليها وتهديدها بالقتل لأنها عرفت بأمرهن خوفاً من تبليغ إدارة المدرسة ...

 

منطقة "سبع أبكار"

ويرى ولاء وهو في مرحلة الثالث متوسط أن الأرتين وأبو الحاجب من الأدوية المنتشرة بكثرة في كل مكان وأننا نستطيع في أي وقت ومكان أن نحصل عليها وخاصة في منطقة " سبع أبكار " وأيد رأيه زميله رافع الذي يعمل في الجيش العراقي إذ يرى أن أكثر الطرق المتبعة هي طحن هذه الأدوية وشمها كالمخدرات ...

 

لا يمتلك ثمن اللعب كالأطفال

ولكن للطفل أمير حسين الذي لا يتعدى عمره العشر سنوات له حكاية تدمي القلب إذ كان لنا لقاء معه عن طريق الصدفة وهو يقف أمام إحدى الألعاب في منتزه الزوراء بوضع بائس جداً فتعمدنا الى الأقتراب منه وسؤاله عن سبب وقوفه هنا ليجيبنا بأنه يحاول مشاهدة الأطفال وهم يلعبون، وهو لا يمتلك ثمن اللعب مثلهم، وعندما سألناه عن والده قال إنه في السجن حالياً بسبب ديونه الكثيرة حيث ان الادمان كان سبباً في ذلك، أما عن والدته فهي إمراة تعوقت بعد تعرضها لحادث أنفجار سيارة مفخخة والآن تعمل ببيع " الحرمل " أمام مرقد الأمام الكاظم عليه السلام لأعانتهم ..

 

تنوعت العقاقير وتأثيرها واحد

تعددت الوصفات التي يتخذها البعض بديلاً للمخدرات لرخص أثمانها إبتداءً من أدوية الحبوب المنومة والمهدئة فقد وضحت لنا الصيدلانية نهى صائب / الجادرية عن عدة عقارات يتم أستخدامها بدلاً من المخدرات الحقيقية ومنها " فاليوم 10 " ذات اللون الأحمر إيرانية المنشأ وتسمى بالحبوب الدموية، الى أدوية المفاصل منها، دواء (باركسنر) الذي يوصف للشلل الرعاشي، على الرغم من إنها غير مشاعة بين الكثيرين لأنها تحتوي على نسب مخدرة ولكنها بالنتيجة عند زيادة الجرعة سيصاب من يتناولها بهلوسة، وكذلك ادوية الحساسية والألبريوم مهدىء الأعصاب وشراب السعال (الكحة) لدى الأطفال المعروف (توسيرام 8 ملغم) الذي يحتوي على نسبة من مادة (بلموكودين) ومقشع (كودايين) الذي يحتوي على 10 ملغم من مادة البروفين، وأيضاً رائحة مادة السيكوتين، وغيرهم من يقوم بطحن هذه الحبوب لشمها كحبوب الفاليوم وغيرها ... أما الأدوية المؤشرة فعلا لمن يتعاطاها بأنه مدمن هي " باركزول " وحبوب الآرتين وحبوب أم الصليب ويقصد بها " المكدون " والحاجب، أن جميع هذه المواد والأدوية تعمل على أرخاء اعصاب من يتناولها والكثير منها يؤدي الى الهلوسة أن أخذت بجراعات كبيرة تفوق وصف الطبيب المختص ...

 

صيدليات وهمية ولا توجد رقابة

وفي ذات السياق حدثنا الدكتور الصيدلاني موسى جابر / المنصور : بان هناك الكثير من الشباب وخاصة المراهقين الذي يحضرون لطلب هذه العقاقير المهدئة والمخدرة، على الرغم من اننا نعرف المتعاطي من الشخص الطبيعي، وبالنسبة لي لا أصرف الدواء إلا بوصفة طبيب حقيقية، وحول أنتشار بيع هذه الأدوية في الصيدليات بصورة سهلة ودون تعقيدات، أعرب الدكتور بقولهِ " لا توجد رقابة من قبل الجهات المعنية وخاصة بما يخص الحصول على هذه الأدوية إذ يؤكد لنا أنه من السهولة على أي فرد أن يذهب ويحصل عليها من المذاخر وتباع له كيفما يريد ويشاء، وهذا ما يحصل بالفعل حيث في الآونة الآخيرة أنتشرت ظاهرة الصيدليات الوهمية بصورة كبيرة منها محافظة ديالى فقد رأيت العجاب وكيف أن اشخاص يمتلكون محال لبيع الملابس يضعون فيها (فاترينا) صغيرة أو ملحق معلق على الجدار يحوي الكثير من الأدوية الغريبة العجيبة التي لم أراها طوال مهنتي ...

 

أحيانا نرغم بالقوة لبيع مثل هذه الأدوية

ويتابع:

مع الأسف أن عدم أهتمام الدولة والجهات المسؤولة بحال شبابنا أدى ألى تفاقم الحالة وتزايدها، وكم من مرة دخلت عليّ مجموعة من الشباب لأرغامي على بيع كمية كبيرة من الأدوية المهدئة وكم تعرضت لقوة السلاح كي أعطيهم ماموجود منها .. وعن الفتيات سألناه عن البعض منهن يتعاطى هذه المهدئات ليجيبنا قائلاً " إنهن يأتين لطلب نوع معين من هذه العقاقير محاولات إيهامي أنه لوالدتهن وبعضهن لجدهن المسن وهكذا، ولكنني في كل الأحوال ارفض البيع بحجة عدم وجود هذ العقار عندنا في الصيدلية ...

 

فقدان القيم الدينية والأجتماعية والأقتصادية

ولعلم النفس رأيه في هذه الظاهرة فأخصائي علم النفس الدكتور محمد القريشي في مستشفى إبن رشد، له رأي في الموضوع إذ يرى أن تعاطي هذه الأدوية بسبب الحالة التي يمر بها الشباب في هذا البلد، لا سيما بأن الشاب قد، فقد أكثر القيم الدينية والأجتماعية، فهناك الكثير منهم من هو عاطل عن العمل رغم حصوله على شهادة جامعية، ولكثرة الأحباطات التي يعاني منها، ومنهم من فقد الزوجة والحبيبة ومنهم من تعرض للخطف والتعذيب وآخرين فقدوا أعز ما يملكون من الأهل والمال، والكثير منهم من تعرض لعوق جسدي ونفسي إضافة الى الوضع غير المستقر وعدم وجود متنفس لهم، كل هذه الظروف جعلت من الشباب يستسهل الأدمان هرباً من الواقع ناهيك عن عوامل الأغتراب التي يعيشها، فيكون بلا إرادة ولقمة سائغة يسهل استغلالها ويضيف إن أكثر الجرائم الحاصلة والمنتشرة كان الفاعل لها شخص مدمن على المخدرات، كما ويؤكد أن هذه الأدوية لها تأثير بالغ الضرر على من يتعاطاها، وينصح من أدمن عليها اللجوء للعلاج النفسي كي يتخلص من الأدمان ...

 

 إبتهال بليبل

إعلامية وكاتبة

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1184 الاربعاء 30/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم