تقارير وتحقيقات

همسات مقدّسة في المركز الثقافي العراقي بلندن / عدنان حسين أحمد

محمد هادي في محاولة جدية من "المركز" لاستقطاب المواهب العراقية الشابة التي تكتب باللغة الإنكليزية بوصفها اللغة الأُم لهم، لأنهم يكتبون ويتكلمون بها بطلاقة، بينما يتعثرون حينما يتكلمون باللغة العربية ويعانون من احتباس لغوي واضح يدفعهم غالباً للاستعانة ببعض العبارات والجمل الإنكليزية التي تسعفهم في التعبير عما يجول في خلَدهم وأذهانهم.

محمد هادي شاعر وراوئي بريطاني من أصول عراقية، حاصل على شهادة البكالوريوس في الفلسفة وعلم النفس، وعلى درجة الماجستير في علم النفس أيضاً. يمزج محمد هادي بين هذه المعارف العلمية التي حصل عليها بالدراسة والأبحاث العلمية المتواصلة وبين موهبة الكتابة التي يطوِّرها يوماً بعد يوم. ومنذ ذلك الوقت أصبح محمد هادي كاتباً غزير الإنتاج حيث أنجز عدداً من الكتب والسيناريوهات السينمائية، وسوف تصدر له قريباً مختارات شعرية تحمل عنوان "همسات مقدّسة". وقد حفّزه الغزو الأميركي للعراق على كتابة روايته الأولى "الأفعى البرّاقة" التي استوحاها من الحرب الأخيرة التي شنّتها القوات الأميركية والدول المتحالفة معها على العراق. قبل اندلاع شرارة الحرب كانت "سارة" تعيش حياة هادئة وادعة، لكن كل شيئ انقلب رأساً عقب حينما اختفى ابنها، وبينما هي تفكر بالانتحار نهارا رأت عوالم غريبة في الليل، إذ شاهدت أفعى سوداء وعدتها بتقديم المساعدة، وعلى أساس هذه القناعة الجديدة تنطلق "سارة" في رحلة البحث عن ابنها المفقود الذي اختفى من دون سابق إنذار. لكن ما هو هذا الكيان الغامض، وهل ستكون "سارة" قادرة على تجاوز المخاطر الجدية التي تصادفها في هذه الرحلة التي يلفها الضباب، ويتسيّد فيها المجهول؟ هذه هي الثيمة الرئيسية التي تدور حولها رواية "الأفعى البرّاقة" للشاعر والروائي محمد هادي.

قرأ الشاعر محمد هادي ست عشرة قصيدة نذكر منها "رسالة الحكماء"، "ظل ساطع"، "تحت شجرة التوت"، "إرهاب وجودي"، " المسيح"، "إذا لم تقف"، "رجل ميتافيزيقي"، "ناسك" و "كلمات أخيرة للشاعر". يستشف السامع من هذه القصائد التي قرأها الشاعر محمد هادي بلُكنة بريطانية صرف أنه أفاد كثيراً من دراسته للفلسفة وعلم النفس، فلاغرابة أن يبني بعضاً من قصائدة بنية فلسفية تحتدم في التساؤلات الفكرية التي تقوم على ثنائية السبب والنتيجة. وربما تكون قصيدة "إرهاب وجودي" هي خير مثال لما نذهب إليه. إليك عزيزي القارئ نص ترجمتها العربية.

"إرهاب وجودي"

هاي!

أنا إرهابي.

أنا أُرهِب العقول بمنطقي

أنا أُرهب الأدب بالبلاغة

أنا أُرهِب الحرب بالسلام

أنا أُرهِب الخطأ بالصواب

أنا أُرهِب الظلام بالضياء

أنا أُرهِب الصمت بالصوت

 أنا أُرهِب الغِنى بالحقيقة

أنا أُرهِب الحقيقة بخيالي

أنا أُرهِب الخيال بالطموح

أنا أُرهب الألم بالبهجة

أنا أُرهِب الجنَّة بالجحيم

أنا أُرهِب الجحيم بالرحمة

أنا أُرهِب الرحمة بالحُب. . .

لكنني لا أُرهِب الحُب

لا أُرهِب الحُب

فإذا كنتُ أنا إرهابياً، إخبِرني، مَنْ تكون أنت؟

يستمر هذا النفَس الفلسفي على الرغم من بساطه بنائه اللغوي في قصيدة "إذا لم تقف أنتَ؟" التي استوحى مناخها العام من "الأتكيت" الغربي الذي يعلّم الناس على آداب السلوك، والمعاشرة، وطريقة التواصل مع الناس بشكل مهذّب لا يجرح المشاعر الإنسانية للناس الذين تصادفهم في حياتك اليومية. لا أريد الغوض في تفاصيل قصائد الشاعر محمد هادي لأنها واضحة، لكن مُبدعها ليس شخصاً مغروراً، ولا تعاني أناه الداخلية من التضخّم كما هو دأب الكثير من الشعراء العراقيين أو العرب بدرجة أخف. وفيما يلي نص الترجمة لقصيدة "إذا لم تقف أنت"

إذا لم تقف أنتَ؟

إذا لم تقف لنفسكَ، كيف تتوقع أن تقف للآخرين؟

إذا لم تقف لنفسكَ، فكيف تتوقع أن تحظى بأي احترام للنفس؟

إذا لم تقف لنفسك، فكيف تتوقع أن تتألق؟

إذا لم تقف لنفسك، فلماذا يجب أن يحترمونكَ؟

إذا لم تقف لنفسك، فلماذا يرونَك؟

إذا لم تقف لنفسك، فكيف ستقف لهم؟

إذا لم تقف لنفسك، فكيف تستمر في الحياة؟

إذا لم تقف لنفسك، فكيف ستشعر؟

إذا لم تقف لنفسكَ، فسوف لن تنضج، ولن تعرف، ولن تعيش.

يخرج الشاعر محمد هادي من أسار الذاتية إلى الموضوعية في قصيدة "تحت شجرة التوت" وقصائد أخرى أيضاً، ويا حبذا لو يطوِّر هذا الاتجاه في تجربته الشعرية الواعدة، وعلى الرغم من بعض الشواهد المكانية مثل "الجنائن المعلّقة"و "مهد الحضارات" اللتين تحيلان إلى العراق مباشرة، وربما أزيز الرصاص، ودوي القنابل يأخذنا إلى الحروب العبثية التي دارت رحاها في العراق سواء مع بلدان الجوار أو مع القطعات الأميركية والأوروبية التي عبرت آلاف الأميال بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل تارة أو تحت ذريعة إسقاط النظام الدكتاتوري، ونشر الديمقراطية تارة أخرى. وربما تكون اللمسة الإنسانية حاضرة بقوة في هذا النص الشعري حينما يصف شجرة التوت واقفة بين أزيز الرصاص، ودوي القنابل، ولا تستطيع أن تبارح المكان لأنها ثابتة وجذورها ضاربة في أعماق الأرض. يتكرر هذا النَفَس الموضوعي في قصائد أخرى مثل "الرجل الميتافيزيقي" التي كتبها بضمير الشخص الثالث وتناول فيها حياة طفل في الرابعة من عمره يفقد كل أفراد أسرته، ويواجه الحياة لوحده، لكن شاشة ذاكرته تظل مسكونة بالخوف والدموع. وفي واحدة من ضرباته الشعرية الجميلة يتصور الشاعر محمد هادي نفسه ذلك الطفل الذي رصد فجيعته الصادمة حينما يقول: "عندما أنظر في عينيه أرى نفسي / كان يمكن أن أكون هو نفسه لو لم أستطع الهروب"، سيموت هذا الطفل بطلق ناري حينما يبلغ الحادية والعشرين من عمره والشيئ الأخير الذي يراه هو صورة أمه والقمر المكتمل. لابد من الإشارة إلى الالتفاتة التشجيعية الكريمة من لدن الدكتور عبد الرحمن ذياب الذي اقتنى، باسم المركز طبعاً، جميع النسخ التي جلبها محمد هادي من روايته الأولى "الأفعى البرّاقة"، وهي التفاتة تستحق التقدير والإشادة لأنها تُشعِر المثقف العراقي بأن منجزه الإبداعي على قدرٍ كبير من الأهمية، ويمكن أن يكون له مردود مادي يعزّز تجاربه الإبداعية القادمة. جدير ذكره أن الآنسة إينار مالك هي التي قدّمت الشاعر والروائي محمد هادي، كما أدارت الحوار بينه وبين جمهور المركز الثقافي العراقي، هذا المركز الذي تحوّل إلى بؤرة فعّالة من الأنشطة الثقافية والفنية المتواصلة.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2275 الخميس 15 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم