تقارير وتحقيقات

صناعة الكتاب العراقي وتسويقه

عُقدت في يوم 26-12-2017م ندوة علمية في مركز دراسات البصرة والخليج العربي –جامعة البصرة، ناقشت صناعة الكتاب العراقي وتسويقه، اشترك فيها القاص والروائي العراقي أ.د. لؤي حمزة عباس، والناشر والكتبي محمد هادي (دار الرافدين) والناشر والكتبي صفاء ذياب (دار ومكتبة شهريار)، وقد قمت بتقديمها منطلقاً من القول إن صناعة الكتاب تعني صناعة الثقافة، وإن الثقافة وليست السياسة هي من تحدد نجاح المجتمع، إلا إن هذا القول بحاجة الى دراسة لأن الثقافة نفسها بحاجة الى سياسة، لأن صناعة الثقافة تعني صناعة أمة .

إن صناعة الكتاب تشترك مع صناعة الكاتب، وهنا يراودني سؤال هل الكاتب يساهم بصناعة الدار أم إن الدار هي من تصنع الكاتب؟ في عالم تزداد فيه المعلومة وينقص المعنى، ويقود هذا السؤال الى أسئلة اخرى، من المسؤول عن صناعة الكتاب؟ هل هو المؤلف، المطبعة، أو التوزيع؟  وما دور الجهات الحكومية في دعم صناعة الكتاب؟ وما مستوى حضور الجهات غير الحكومية في صناعة الكتاب العراقي؟

هل يمكن القول إن الكتاب سلعة اقتصادية تتضمن عمليات الانتاج والتوزيع والاستهلاك، وهل يمكن التعامل مع الكتاب بوصفه ظاهرة من ظواهر السوق؟ لكن هنا لابد من تمييز الكتاب الربحي عن الانواع الاخرى على نحو يغدو فيه كل عمل ثقافي نتاجاً استهلاكياً، والسؤال الأهم هل يمكن أن تكون صناعة الكتاب من المشاريع الاستثمارية؟ وهل الاستثمار في صناعة الكتاب يضر بجودته؟

وإن الندوة بشكل عام قد تضمنت مناقشة  محورين مثلما مذكور في عنوانها (صناعة الكتاب العراقي وتسويقه). المحور الأول معرفي وهذا ما تكفلت به ورقة د. لؤي حمزة عباس، أما المحور الثاني فهو تقني لا يخلو من المعرفي تكفلت به ورقتا استاذ محمد هادي واستاذ صفاء ذياب .

تضمنت ورقة د. لؤي حمزة عباس مناقشة دور الفرد والمؤسسة في دعم هذه الصناعة وتوطيد حضورها في دول المشرق العربي بشكل خاص والدول العربية على نحو عام. وهذا ما فرض عليه الحديث عن وجهة نظر تاريخية لصناعة الكتاب، ثم وقف عند فاعلية الدولة الايديولوجية في انتاج نمط ما من انماط الصناعة وهو النمط الايديولوجي، من ثم دور الفرد في شغل مساحة خاصة لانتاج تصوره الخاص عن انتاج الكتاب. وقد انطلقت ورقته من القول بأن تأمل موضوع الكتب بوصفه مركزاً من مراكز الثقافة ومناقشة فاعلية الصناعة والنشر والتسويق في العراق، تعني مناقشة ركائز الدولة المدنية الحديثة، فالثقافة هي الأساس الذي تُبنى عليه الدولة، إذ إن صناعة الكتاب تشكل مفصلاً اساسياً من مفاصل صناعة الثقافة، بل إنها الجانب الأهم للثقافة التي تتجسد عبر جانبين (المعنوي والمادي)، وإن صناعة الكتاب وتسويقه، تشكل بُعداً مركزياً من ابعاد الجانب المادي الذي يسهم بانتاج منظومتها القيمية وصولاً للهدف الاسمى من اهدافها وهو بناء الانسان .

أما عن ورقة الناشر والكتبي محمد هادي( دار الرافدين)، فقد ذكر إن النشر مكمل للكتاب، إذ إنه القسم الثاني للكتاب فمن دون النشر لا يكون هناك كتاب، وقد ذكر افتقار الجامعات العربية الى قسم للنشر – أي يُدرس فيه النشر-مثلما هو موجود في بعض الجامعات الغربية. كذلك أكد على القول بأن على الناشر وضع هدف ورؤية يعمل عليها أو خارطة عمل، فضلاً عن حديثه عن طبيعة صناعة الكتاب بشكل عام بدءاً من وصول الكتاب من المؤلف الى لجنة التحضير ومن ثم احالته الى لجنة الدار العلمية، وبعدها تبدأ المرحلة الثانية وهي العملية الميكانيكية التي تُعنى بطباعته، من ثم عملية تسويق الكتاب من خلال الموزعين ومعارض الكتاب. وقد تطرق كذلك الى المعاناة التي تصاحب صناعة الكتاب، من مثل: ضعف الاسواق العربية والتأثير السلبي للميديا في حال تسويقها للكتب الهابطة على حد وصفه، فضلاً عن الوضع السياسي في العالم العربي ودور الرقابة السلبي على الكتاب، كذلك انتشار ثقافة الاستنساخ من خلال الورق أو الـ pdf . وختم حديثه بأن الكتاب العراقي معروف عربياً برصانته المعرفية، وإن النشر العراقي يعد نشراً واعداً، إذ إن دار المدى قد حصلت على افضل دار نشر في معرض الشارقة لهذا العام، وكذلك اشار الى الحضور المهم لدار الجمل واصداراتها القيمة .

وكانت ختام الندوة مع ورقة الناشر والكتبي صفاء ذياب (دار ومكتبة شهريار)، وقد تحدث عن ثلاثة محاور، هي: المؤلف، الناشر، والتسويق. وإن هذه المحاور الثلاثة ترتبط ارتباطاً وثيقاً، فإذا كان التسويق على عاتق الناشر، فإن مسؤولية صناعة الكتاب تقع بشكل كبير على عاتق المؤلف، لأنه المسؤول الأول والأخير عما يكتبه. وإن مشكلة صناعة الكتاب بجزء منها وفق رأي صفاء ذياب تتمثل اليوم باستسهال المؤلفين لما يكتبوه، بل عدم احترامهم لها حينما يطبع 50 نسخة من كتابه ويعده اصداراً، وهنا يعمل المؤلفون على تنشيط دور هي ليست بدور نشر إنما للطباعة فقط، لهذا لخص حديثه بأن مشكلات صناعة الكتاب تقع على المؤلفين بالدرجة الأولى، لأنهم اذا كانوا يريدون أن يؤسسوا لتاريخهم ومشروعهم فإنهم سيساعدون دور النشر على الترويج لأفكارهم .

 

د. قيس ناصر راهي

 

 

في المثقف اليوم