تقارير وتحقيقات

جلسة احتفاء بـالروائي والقاص ضياء جبيلي في منبر جامعة البصرة الإبداعي

472 ضياء جبيليعُقدت في جامعة البصرة-مركز دراسات البصرة والخليج العربي، اولى جلسات منبر الجامعة الابداعي-التي ستكون شهرية-، وتضمنت الجلسة احتفاء بالروائي والقاص ضياء جبيلي. ان منبر الجامعة الإبداعي، فضاء جديد، يجمع جامعة البصرة ومُبدعي المدينة. وهو محاولة لصناعة مجال يهتم بالاشتغالات المحلية الراهنة، في زمن أصبح الاشتغال على المحلي ضرورة كونية، لكن الاشتغال على الكوني لم يُعد ضرورة محلية. وفي الوقت نفسه توفير فضاء حر يلتقي فيه مبدعو المدينة مع الأكاديمين، للتواصل فيما بينهم، من خلال جلسة تتصف بالحرية بعيدا عن الثقافة الرسمية (لقاء الاستاذ والطالب فقط، أو الاساتذة فيما بينهم –في الجامعة على الأقل)، انما هي جلسة حوار تجمع المبدع بالاستاذ والطالب. وقد أدار الجلسة أ.م. د. صباح عبد الرضا، الذي أشار في تقديمه، أن الأديب ضياء جبيلي وفيٌ لمدينته، إذ اتخذ منها مكانا لاحداث رواياته وأعماله القصصية، وقد أنتقل عبر الأزمنة وتداخلت تلك الأزمنة عنده أو اتصلت ببعضها، لتنتج رؤية مقاربة لما حدث ويحدث. يأخذ من الواقع المعيش مفرداته وتفاصيله الصغيرة، ثم يجنح نحو عوالم الفانتازيا والخيال الرحبة مما يفتح التأويل على مصراعيه.

وكان لـ أ.م. د. اشراق سامي مشاركة، تتلخص بالقول: بدأ ضياء جبيلي مشروعه الروائي برواية لعنة ماركيز عام 2007م ومن كان متابعا هذا المشروع، يمكن له أن يدون ملاحظتين بسهولة بالغة، الملاحظة الأولى، هي أن أغلب هذه الأعمال تدور على ارض البصرة، وتتخذ من محليتها اساسا تدور حوله كل عناصر السرد الاخرى. فالبصرة في أعمال ضياء جبيلي تبدأ من العنوان كما في رواية (أسد البصرة)، أو في مجموعته القصصية (لا طواحين هواء في البصرة)، وتعتمد عليها في خلق وصناعة الحدث والشخصية. الملاحظة الثانية، أن البحث عن المحلية يتقاطع بشكل ملفت مع استعمال رئيس لاسماء اجنبية، مثل: (لعنة ماركيز) (وجه فنسنت القبيح) (مذكرات الجنرال مود) (بوغيز العجيب) (ماذا نفعل بدون كالفينو). هل يبدو هذا تناقضا أم انتقالاً ساحراً بين المكان؟ وما يحيل إليه من أفق للمعنى والفكرة وبين دلالات الاسماء ومحمولاتها؟ التي توظف غالبا في ترك متسع من الخيال بين النص وبين المتلقي. يبتعد الراوي عن محاولة توريط المتلقي في عملية ايهام وتماه تام داخل عوالم القصة أو الرواية، لذا تشتغل هذه الاسماء ميتاقص اخر ساخر في أحيان كثيرة، أو لا معقول ليتبنى عملية تأسيس وعي خاص، ينظر، ويفكر، ويفهم من بعيد، وليس من داخل اللعبة السردية. ومن ثم تركز اشتغال د. اشراق سامي في قرائتها لـ رواية أسد البصرة من خلال البحث عن نمط الشخصية النسوية في الرواية سابقة الذكر .

أما عن المداخلات، فكانت لـ القاص والمبدع الكبير محمد خضير، الذي تحدث عن تجربة الاديب ضياء جبيلي، كذلك مداخلة لـ أ. د علي غانم، الذي اقتصرت مداخلته عن رواية أسد البصرة، فضلاً عن حديث المحتفى به الروائي والقاص ضياء جبيلي عن تجربته الادبية.

تتلخص مداخلة القاص محمد خضير- التي نقلها المُحرر من الشفاهية الى الكتابة-بالقول:  توجد ملاحظات مهمة لتحديد هوية الكاتب، التي اعتقد أنها تشتبك بهويته السردية، لابد أن نحقق في مثل هذه الهوية. بالنسبة لضياء الجبيلي، فأنه ينتمي الى السادة الافاضل من الجبيلين، فالأسرة هي الطبقة العميقة من هويته السردية، والطبقة الثانية هي الهوية المعاصرة، هي هوية البصرة، والبصرة كما نعلم ذات طبقات عميقة، حكمها الترك، والفرس، والبريطانيون. مثل هذا التشابك العميق في هوية السرد تساعدنا كثيراً، ونحن في دراساتنا نغفل التحديدات، التي يهتم بها ما يسمى بالنقد الثقافي، ونهمل مثل هذا التشابك بين الهويات السردية، هويات الابطال وهوية الموضوعات، والهوية الاجتماعية، والثقافية، والايديولوجية للكاتب، اذا فهمنا مثل هذا التشابك، سنفهم المنطقة التي يشتغل بها ضياء، فالمنطقة هي منطقة الهامش، وهي منطقة الهويات الفرعية كما تسمى، منطقة الاشكاليات الايديولوجية، والانثربولوجية، وحتى الشخصية أيضاً. هل كان ضياء الجبيلي أميناً لهويته الاجتماعية والانثربولوجية عندما حدد هويات أبطاله؟ نعم، لذلك سننغفل الكثير من التأثيرات، التي تبدو طارئة على سرد قاص مثل ضياء، خاصة التاثيرات الاجنبية، تأثيرات الكُتاب الاجانب، مثل: ماركيز، كافكا، وغيرهم. الحقيقة، أنه ادرك هامشاً يشتبك أيضاً مع هذه الهوامش الاجنبية. وهذا شيء مهم، لأن اليوم الكاتب في مختلف بقاع العالم، يحاول أن يؤكد هويته المحلية بين مثل هذه الهويات، أي أن يكوكب منطقة اشتغاله السردي بين كويكبات سردية عالمية، وهذا الشيئ تغفله الدراسات الثقافية لدينا، أي يبدو الكاتب محلياً ومتأثراً، بينما لو ادركنا مثل هذا الاشتباك الهوياتي، هذه الهويات المتعامدة أو المتعمقة في أصولها الانثربولوجيا، والآيديولوجيا، سنفهم بشكل دقيق، لماذا يختار ضياء شخصياته من هذا الهامش، أو المنطقة المهملة في الوجدان والشعور العراقي والبصري المتشابك بشكل عميق، بحيث لا يمكن الفصل بين هوية والسارد وهوية الابطال، بل حتى هوية القارئ، التي تكاد تشتبك مع منطقة السارد، اذ من الصعب أن تقرأ أو تمركز قراءتك في صميم أو في مفصل من مفاصل السردية. لا يمكن أن يكون القارئ قارئا محايداً، إنما سيكون ثالث ثلاثة في هذا العمل، سواءٌ أكانت قصة أم رواية. المُلاحظ على قصص ضياء، انها تستفيد من الاتجاهات التي نشأت حديثا في سردنا العراقي، فمن المعايير، التي يقاس عليها السرد العراقي الحديث هو معيار الواقع الافتراضي، هذا المعيار الذي يشتغل ضمن حدوده قاصنا، وهو معيار من جذور عميقة أيضاً في السرد العراقي، هذا الواقع في بعده الفنتازي قد ظهر في العشرينيات، مع انور شاؤول، ويوسف مكي، أو كثير من القصاصين الذين اشتغلوا في هذا المجال، وكما نعلم أن هذه الفترة كانت فترة احتلال بريطاني، ويمكننا دراسة عوامل ظهور هذا التيار مع تاسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن العشرين. يمكننا أيضا فهم لماذا ظهر هذا التيار بعد 2003م؟ هل كان ضياء مخلصاً لمثل هذه العوامل أو هذه الجذور والاشتباكات؟ نعم كان كذلك، باعتبار ان ضياء يفهم عمله بشكل جيد.

471 ضياء جبيلي

أما عن مداخلة د. علي غانم(استاذ التاريخ الاسلامي-سيرة نبوية-)، فقد تضمنت فهماً لـ رواية( أسد البصرة) من منظور القارئ العام غير المختص بالشأن الادبي. ويمكن تلخيصها بالنقاط الآتية:

1- الرواية عبارة عن قراءة للواقع رغم حجم هذيان وأحلام (أمل)-الشخصية الأولى في الرواية، وهي تعالج أزمة الهوية وتشظي (أمل) وضياعه رغم تمسكه بالبقاء في الوطن ومقاومة دعوات عمته وخالته للخروج منه، وإن هذا التشظي الهووي ليس وليد سنة 2003م، إنما يمتد الى ما قبل ذلك، إلا انه كان خفياً مستترا .

2- تتضمن الرواية نزعة وجودية من خلال الاقرار بأن الوجود يسبق الماهية، مستشهدا في بداية الرواية بالحديث النبوي أن الأنسان يولد على الفطرة وأن ابويه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، التي اصبحت اليوم: يسننانه أو يشيعانه أو يكردانه...إلخ. وقد حاول (أمل) بكل ما أوتي من قوة أن يحدد هويته كانسان، وجرب أن يقرأ لمختلف وشتى التوجهات الفكرية والفلسفية، لكن محاولاته باءت بالفشل ولم تنتج إلا اللا ادرية .

3- في الرواية معالجة لأوجه عديدة، من ضغوطات الواقع وإكراهاته على الأنسان، عبر الحديث عن تابو الجنس، تابو العرق، تابو الدين، وتابو السلطة/السياسة .

4- تترواح الرواية في السرد من حيث العموم بين أسدين الأصل (اسد بابل) والتقليد (اسد البصرة) ، وهي تطرح (أمل) كبطل من ورق أو أسد ورقي، فهو انسان هش وضعيف ومستلب، ساهم التشظي الهووي، والواقع السياسي، والحروب في تشكيله، ويرمز للجيل الذي ولد في بداية العقد السادس من القرن العشرين حتى يومنا هذا. إنها ببساطة رواية تعكس معاناة جيل زامن مأساة حروب ومغامرات النظام السابق وتداعياتها عليه وعلى المجتمع .

5- ومن العلامات التي توقفت عندها:

أ/ قذف (امل) ورفاقه لتمثال اسد البصرة بالنفايات والبول عليه، التي، أجد فيها المعادل الطبيعي الذي يرمز لطبيعة علاقتنا مع تراثنا وتاريخنا حيث نصب جام غضبنا عليه بناء على تصورات مغلوطة. ولكن قد نحتمي فيه عند الخوف من شيء ما مثلما حدث لـ(أمل) عندما اختبأ خلف التمثال خوفا من أن يمسك به الرفاق .

ب/ تسميته بـ(أمل) توحي برغبة وطموح مضمر لدى الكاتب بمستقبل افضل، لكني اراه يضيع في نهاية الرواية، ويغدو الأمل سراباً .

ث/ كل ابطال الرواية فاشلون (الأم ،الاب ،البنت ،امل)، واذا استحضرنا أدوار الثلاثة، في الواقع، باستثناء امل، فسنجد انهم ممثلون يؤدون ادوارا ثانوية، في المسرحيات، والاعمال التلفزيونية، وكانوا عبارة عن ادوات تحركهم السلطة السياسية وتقلبات الظروف المعيشية، وهذه الثيمة اذا قرأت كعلامة، فأنها تعني: كلنا كومبارس ليس إلا، وهي دلالة على فشلنا، لا كأفراد بل كمجتمع أيضاً في الحقبة الصدامية والحقبة الراهنة .

6-كان بودي لو أن الكاتب قام بتوسيع الرواية من خلال استحداث اصدقاء لـ أمل، ولـ نسرين، أو لذويهم وداخل بين الأحداث لرصد ظواهر، مثل : أ/ ترييف المدينة. ب/ ظهور المد الديني منذ نهاية الثمانينات وزيادته بعد الحصار الاقتصادي. ث/ غلق النوادي الليلية ومحال بيع المشروبات الكحولية، والحملة الايمانية وانتقال الدعارة الى البيوت وغيرها، لأضافة قيمة جمالية للرواية اكبر من الجمال الذي هي عليه الآن .

أما عن مداخلة المبدع ضياء جبيلي، فقد انطلق من الحديث عن تجربته بأسلوب ادبي جميل من قول منسوب لماركيز، يُشبه فيه كتابة الرواية بصياد الأرانب، والقصة ببناء الطوب. وفي الحالتين، وكما هو بائن، يتوجب على من يُقرر خوض تجربة الكتابة، أن يعي جيدا ما يحتاجه الصياد والبناء على حد سواء، من أدوات تمكنه من المضي بما وقعت عليه الأيدي الى أبعد حد، ويعني بذلك أقصى الخيال. وتجربته من صيد أرانب الرواية، تمثل بـ: (لعنة ماركيز 2007)(وجه فنسنت القبيح 2009)(بوغيز العجيب 2011) (تذكار الجنرال مود 2014)(أسد البصرة 2016) (المشطور -ست طرائق غير شرعية لاجتياز الحدود نحو بغداد- 2017.)(الاسم على الاخمص). أما عن بناء الطوب (كتابة القصة القصيرة)، التي من وجهة نظره من الفنون التي تحتاج الى وعي تام ودراية باختلاف ادوات الكتابة، التي منها، الخروج من محنة الجملة الطويلة، التي عادة ما يقع فيها من يكتب الرواية أولا ثم القصة. ووتحدث عن تجربته مع كتابة مجموعاته القصصية (ماذا نفعل بدون كالفينو 2016)(حديقة الأرامل 2017) (لا طواحين هواء في البصرة 2018) .

وفي ختام الجلسة، أهدى السيد مدير مركز دراسات البصرة والخليج العربي أ.د. ناظم رشم الامارة درع الابداع للروائي والقاص ضياء جبيلي.

 

د. قيس ناصر راهي

 

في المثقف اليوم