أوركسترا

توفيق التونچي: يوم نوروز (اليوم الجديد)

يحتفل العديد من شعوب الشرق بيوم (نوروز) وتعتبرها اليوم الوطني لشعوبها وخاصة الشعب الكردي وشعوب ايران وقفقاس والهند وشعوب دول بحر قزوين والشعب الأفغاني والباكستاني وهناك احتفالات شبيهة في العديد من دول العالم وثقافاتها حيث يعتبر اليوم الحادي والعشرون من اذار اليوم الاول من ايام فصل الربيع, وتتخذ احتفالات هذا اليوم الجميل أشكالا متعددة فبينما تقوم الأقوام الايرانية بتحضير مائدة طعام تتخللها بعض ما ياتي به الربيع من خير تبدء اسماء تلك الاشياء بالحرف "سين" مع وضع اناء فيه سمك احمر او مايسمى ب "السمك الياباني" وقد وجدت ان هناك من يقوم بصبغ البيض كما اعتاد عليه الأخوان المسيحيين وهم يحتفلون في الايام القليلة المقبلة بعيد الفصح المجيد. اما اكراد العراق فيرجع احتفالهم بهذا اليوم رسميا الى عام 1970 حيث تسنى لهم ولاول مرة في التاريخ الاحتفال رسميا بهذا اليوم بعد اتفاقية اذار بين الحكومة المركزية والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة القائد التاريخي الخالد "مصطفى البرزاني".3587 نوروز

كان احتفال العراقيين لهذا اليوم ولاول مرة وبحرية وكما ذكرت مع اطلالة اول "نوروز" بعد بيان الحادي عشر من اذار1970 وكنا قد توجهنا في قافلة طويلة من السيارات من بغداد متوجهين شمالا وقد كان والدي رحمه الله قد اتفق مع اصدقائه من التجار بالتوجه الى مدينة السليمانية الى بيت احد اصدقائهم من التجار يدعى "غريب" وصلنا المدينة والدخان يتصاعد من كل جنباتها وقد كتب باحرف كبيرة على صفحة الجبل "نوروز" يشاهد من عددة كيلومترات بعد ان اشعل في الحفرة النيران وكان منظرا غريبا يثير الغبطة والسرور في افئدة الناس كانت المدينة قد فتحت ابواب بيوتها للضيوف القادمين من كافة ارجاء العراق بعد ان كانت الفنادق قد امتلات والمدارس كذلك ويتذكر العديدون معي ذلك اليوم التاريخي الذي مر عليه اكثر من ثلاثة عقود حيث في صباح اليوم التالي توجه الناس في قافلة طويلة من السيارات واختار البعض منهم المشي متوجهين الى اطراف المدينة حيث منتجع "سرجنار" السياحي الجميل هناك افترش الناس بين اشجار "السرو" الارض كل قد اخذ معه ما لذ وطاب من غذاء وشراب ... جلسوا في حلقات عائلية كبيرة يدعون كل من مر بقربهم بالتفضل والمشاركة معهم في طعامهم بينما اخرون من الصبية والصبيات متشابكون بالايادي يرقصون الدبكات الشعبية الكردية على انغام "الدهول والزورنا" الطبل والمزمار وترتفع هلاهل النسوة عاليا الى السماء في جو الاحتفالي عائلي بديع، هناك سمع هدير بعض المروحيات وصلت الروسية فتجمع المحتفلين لرؤية الضيف القادم فلم يكن الا احد الوجوه المعروفة للعامة والمقربة للقائد الكردي البرزاني الا هو "الدكتور محمود عثمان" الذي هبط من المروحية بمعية شاب اسمر طويل القامة تهامس الناس على هويته وتسائلوا فعرف الناس بعد حين انه وزير اعمار الشمال "صدام حسين" تجول الضيف بمعية مظيفه بين الناس وعاد بأدراجه بعد اقل من ساعة تاركا الناس يحتلفون ....3589 نوروز

كان الناس بصورة عامة على علم بهذا اليوم المجيد وقد تم الاحتفال به تحت اسماء عديدة منها "عيد الشجرة " و"عيد الربيع" وتسميات اخرى. يرجع تاريخ الاحتفال بهذا اليوم الى عددة الاف من السنين فالربيع كان ولايزال مدعاة فرح وبهجة وسرور ياتي بالنور بعد الليالي الداجيات في الشتاء وياتي& بالدفئ بعد ذلك البرد القارس وياتي بالزرع والورد والزهور وتعم المعمورة بالالوان والروائح البهيجة التي تدخل السرور الى القلوب فيحتفل الناس ويبتهجون.

تروي الأسطورة المتداولة بين ابناء الشعب الكردي وبعض الشعوب الايرانية:

 انه كان في زمن ما ملك ظالم طاغية اسمه "الضحاك" كان قد الم به مرض عضال بظهور ورمين على كتفه (في بعض الروايات يقال حيتان على3588 نوروز كتفه) فنصحه طبيب عصره بعد عن عجز العديد من الحكماء من شفائه فكان مصيرهم القتل نصحه بان يضع مخ شاب يافع على كتفيه كي يتم شفائه ... ولكن وزيره النبيل والحكيم لم يرضى بقتل شابين ووجد ذلك امرا مخيفاوارهاب للناس فيقرر ان يذبح شاب ويرسل الاخر الى الجبال كي يختفي ويتحصن في المغاور ويقدم بدلا عنه مخ شاة، كان والد "كاوا الحداد" قد فقد جميع ابنائه الواحد بعد الاخر قربانا لمرض الطاغية (وكان "كاوا" شابا يافعا طويل القامة جميا المظهر محب للناس فطلب الاب المفجوع من وزير الملك ان يرحم بحاله ويعفو عنه) ويرسله للجبل فوافق الوزير فرحل "كاوا" الى الجبال مع اقرانه من الشباب يعيشون معا في الكهوف ومغاور الجبال متفقين فيما بينهم على الثورة ضد الطاغية وانهاء حكمه وايامه.. بعد سنين تتحول المجموعة الصغيرة الى جيش كبير يتفقون على ان يجلب كل منهم حزمة من الحطب مع انتهاء اشهر الشتاء وجمعها على سفح الجبل ويتعاون كل من الشباب والفلاحين بجمع الحطب الى ان يرتفع كومة الحطب عاليا ثم يوقدون النار بالحطب فترتفع السنة النار الى عنان السماء اشارة الى بدء الثورة وانهاء حكم الطاغية يوم الحادي والعشرون من شهر مارس.

الجدير بالذكر قارئي الكريم اني وجدت عادة مشابهة بذلك لاتزال تمارس في الدول الاسكندينافية حيث يجمع الناس الحطب من كل مكان وخاصة بعد تقليم الاشجار من الحدائق العامة والخاصة ويجمعونها في مكان خاص من احدى الحدائق العامة كي يضرموا فيها النار في اليوم الاخير من شهر "نيسان" حيث يتجمع الناس حول النار الملتهبة بينما اصوات الفرق الموسيقية الشعبية تسمع من كل مكان والالعاب النارية تطلق فرحة الى عنان السماء فتنير المكان بالوان الطيف الشمسي.

يوم نوروز (اليوم الجديد) حيث ان كلمة "نو" تعني الجديد بالكردية وكلمة "روز" تعني اليوم وهناك تفسيرات اخرى لمعنى الكلمة.3591 نوروز

كان الاحتفال بهذا اليوم يمنع في دول عديدة وخاصة في تركيا ولكن في السنوات الاخيرة وخاصة بعد انتشار الوعي القومي بين الاكراد واثر انهيار جمهوريات الاتحاد السوفيتي وتحول جمهوريات القفقاس الى دول وطنية مستقلة حيث يعتبر كافة قومياتهم هذا اليوم عيدهم الوطني يحتفلون به منذ الاف السنين فوجدت الحكومة التركية نفسها امام إشكالية جديدة حيث يحتفل ملايين الترك (اخوانهم في القفقاس) بهذا اليوم فاصبح عيدا وطنيا مقبولا يحتفل به الجميع اليوم، وكما ذكرت ان الشعوب الايرانية كانت تحتفل دوما بهذا اليوم حتى بعد الثورة الإسلامية في ايران 1978 ....... اهتمام خاص بالصفة الثقافية والوطنية التقليدية لهذا اليوم فسمح الاحتفال بها.

يتكرر هذا اليوم والاحتفال به كل عام في جميع انحاء الدنيا وفي إقليم كوردستان ليجدد في الناس الأمل بمجئ صباح يوم جديد تنتهي فيه سطوة الطغاة وتدخل لفحة حرارة نار "نوروز" المتأججة الى قلوبهم الدفئ والطمأنينة وتنير ضيائها طريقهم في الظلام وتسود المحبة بين الناس متوحدين في عبادة الواحد القهار رب الامان.

***

  د. توفيق رفيق التونچي - الأندلس

2024

في المثقف اليوم