شهادات ومذكرات
علي فضيل العربي: تفكيك مركزية فكرة تفوّق الثقافة الأوروبية

في الثامن والعشرين مايو (أيار) 2025 م انطفأت شمعة أدبيّة من شموع النضال الإفريقي بعيدا عن وطنه (كينيا) ومسقط رأسه، فقدت الساحة الإفريقيّة وفُجعت الإنسانيّة بغياب قلم مناضل إفريقيّ وإنسانيّ، لم يرتدّ له طرف يوما من أجل رفع راية الثقافة الإفريقيّة، إنّه الأديب العالمي والروائي الكبير والمناضل الإفريقي، نغوغي واثيونغو (من مواليد 5 يناير1938 م) بعد عقود زاخرة بالنضال والكفاح والمقاومة، خاضها الكاتب الكيني في بلده، ضدّ الاحتلال البريطاني، وضدّ الاستبداد، بحثا عن حريّة الرأي والكلمة الحرّة، لقد خلّف وراءه فراغا نعته ابنته قبل أيام بعبارات عبّرت فيها عن فخرها واعتزازها بأبيها، قائلة: (عاش حياة زاخرة بالعطاء، وخاض معركته بشجاعة وإباء، وكما كانت رغبته الأخيرة، فلنحتفل بحياته وأعماله التي تركها إرثا خالدا، بفرح وحزن، نحن فخورون)،
لقد استطاع، وكان له الشرف، أن يسخّر قلمه الحرّ من أجل تحرير العقل الإفريقي من هيمنة الثقافة الغربية والمركزيّة الأوروبيّة، ومواجهة العولمة الثقافيّة وفضح النخب الحاكمة، رغم فصول حياته المتأرجحة بين السجن في وطنه، والغربة في منفاه الاختياري في الولايات المتحدة الأمريكية،
لم يكن الأديب نغوغي واثيونغو، مجرّد كاتب يبحث عن موضع قدم بين الأدباء المرموقين في إفريقيا والعالم لنيل حظا من الشهرة، بل كان يحمل عقلا حرّا ومفكّرا ونيّرا وساعيا إلى التغيير والانعتاق من الجهل والتخلّف اللذين خلّفهما المستدمر البريطاني في بلده كينيا وقارته إفريقيا، بدءا من الدؤوب إلى استرجاع لغته الأم " الكيكويونية " التي حلّت محلها اللغة الانجليزية – من أجل المحافظة على الذاكرة القومية والهويّة الثقافية ، ورأى أنّ الاستعمار اللغوي، لا يقلّ خطورة وبشاعة عن استعمار الأرض، حيث قال: (إنّ استعمار إفريقيا بدأ بسرقة الأرض، ثم سرقة الذاكرة عبر اللغة)،
لقد سخّرالكاتب الكبير نغومي واثيونغو قلمه وفكره ونضاله من أجل تحرير العقل الإفريقي وتصفية استعمار العقل، بإبراز دور المثقف الإفريقي ووضعه أمام مسؤولياته التاريخية والثقافيّة، كما وقف بحزم في وجه النخب الإفريقيّة التي قلّدت النموذج الغربي، ودعا، دون هوادة طوال مسيرته الإبداعيّة إلى وجوب إزاحة الهيمنة الفكرية الغربيّة من مركزيّة التاريخ والثقافة، ووجوب تفكيك فكرة تفوّق الثقافة الأوروبية عبر نقد نظريات كانط وهيغل، ورغم معاناته من غياهب السجن وآلام الغربة والبعد عن عشيرته ووطنه وبني جلدته بعد هجرته إلى أمريكا، فقد بقيّ وفيّا لمبادئه وقيّمه الوطنيّة، راسخا ومحافظا على مباديء الانتماء من أجل نهضة ثقافيّة تعيد ربط الأفارقة بجذورهم الأصيلة، كما سعى، من خلال رواياته وقصصه ومقالاته وحواراته، إلى ترسيخ فكرة، كتابة التاريخ الإفريقي من منظور إفريقي، وجعل الأدب وسيلة فعّالة لمواجهة العولمة الثقافيّة،
وعاد نغوغي واثيونغو إلى الكتابة بلغته القومية "الكيكويونية " بعدما كتب رواياته ومسرحياته وقصصه القصيرة ومقالاته بالإنجليزية، لغة المستعمر التي منحته العالمية - وأعطاها بعدا مركزيا في إبداعاته، ورأى أنّ اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي حاملة الثقافة والتاريخ والذاكرة وأوجه التفكير وعنوان الهويّة، عاد من منفاه اللغوي إلى أحضان لغته الأم، لوضع حدّ لشتات الذاكرة، وترميم الهويّة الإفريقيّة، والدعوة إلى نهضة ثقافيّة تعيد ربط الأفارقة بجذورهم الأصيلة، وقد سعى الاستعمار الأوروبي إلى تشتيت الهويّة الإفريقية، من خلال القضاء على اللغات الإفريقيّة ولهجاتها أو تهميشها وتشويه التاريخ الإفريقي من منبر المدرسة الاستعمارية الكولونيالية، القائمة على فكرة التفوّق الأروربي المستمدّة من نظريات هيغل وكانط، وقد حارب المستعمر الأوروبي اللغات الأم لصالح لغته بالحديد والنار لمحو الذاكرة الإفريقيّة، وهو سلوك مشين وقاهر لرفض إنسانيّة الفرد الإفريقي، إنّ مرافعة بعض النخب الإفريقيّة المستلبة، السياسية منها والثقافية، لصالح لغة المستعمر، بعد نجاح الحركات التحرريّة في تحقيق الاستقلال خيانة للضمير الوطني الإفريقي ولشهداء الحريّة والإنسانيّة.
***
بقلم: علي فضيل العربي
........................
هامش:
هاجر واثيونغو إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد تعرضه للسجن في بلاده ما يربو على العام، حيث عمل بالتدريس في جامعة بيل بضع سنين، ثم عمل أستاذا للأدب المقارن وأستاذا لدراسة الأداء في جامعة نيويورك وأستاذا بجامعة كاليفورنيا في إرفاين ومديرا للمركز الدولي للكتابة والترجمة بالجامعة، عضو اللأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم،
من أهم أعماله:
لا تبك أيّها الطفل (رواية 1964)
النهر الفاصل (رواية 1965)
حبة حنطة (رواية 1967)
بتلات الدم (رواية 1977)
شيطان على الصليب (رواية 1982)
التكريمات:
الجائزة الذولية لكاتالونيا 2020
الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكلاند 2005
الدكتوراه الفحرية من جامعة بايرويت،
جائزة نونينو الدولية 2001
جائزة لوتس للأدب 1973
جائزة بارك كيونغ ـ ني 2016
وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر الدولية 2009
ظهر اسم نغوني واثيونغو عدة مرات في قوائم المرشحين لجائزة نوبل في الآداب،
***
بقلم: علي فضيل العربي