شهادات ومذكرات
علي حسين: في ذكرى ميلاده.. من يقرأ كولن ويلسون اليوم؟

حين أصدر كولن ولسون كتابة الأول والأشهر" اللامنتمي" عام 1956 كان في الرابعة والعشرين – ولد في السادس والعشرين من حزيران عام 1931 - وهو الكتاب الذي جلب له المال والشهرة العريضة و تُرجم إلى مختلف لغات العالم. في ذلك الوقت أبدى عدد من النقاد الإنكليز ازدراءهم واستخفافهم بـ (الجهد) الذي بذله المؤلف واعتبروا جهده مجرد سياحة في سير ونتاجات قادة الفكر الأوروبي ودراسته مصادر وينابيع الفلسفات. ومحاولته إيجاد روابط بين سير هؤلاء المفكرين وما قدموه من نتاج، لكن القراء ضربوا بالحائط بكل صرخات النقاد ليضعوا الكتاب لسنوات على عرش الكتب الأكثر شهرة ومبيعا وليتحول صاحبه إلى واحد من أبرز نجوم المجتمع البريطاني.
كان الكتاب قد كتب في إحدى قاعات المطالعة بالمتحف البريطاني، عندما كان ينام على فراش متنقل في شارع هامبستيد هيث. كان ابناً لعامل في أحد مصانع الاحذية الصغيرة، تمنى الاب ان يصبح ملاكما، وهي نفس الامنية التي راودت الابن فيما بعد لينتقم من العالم بـ " اللكمات ". عاش في بيئة فقيرة، وكانت والدته تحدثهم عن الفقر الذي عاشت فيه عندما كانت طفلة:" كانت روايات والدتي عن اوضاع عائلتها الفقيرة تيدو لي رومانتيكية للغاية وجعلتنا انا واخي نتذوق طعم الرضا والقناعة لكوننا ولدنا في كنف اب يعمل بثلاث جنيهات اسبوعيا " – حلم غابة ما ترجمة لطفية الدليمي -.
ولد كولن هنري ويلسون في السادس والعشرين من حزيران عام 1931 في مدينة ليستر، تعلق بوالدته التي كانت تقرا الكتب " بنهم "، وتلخص الكتب لابنائها، مولعة بقراءة روايات " د.ج.لورنس " والاخوات برونتي. يتذكر ان علاقته بالكتب نشأت عندما سمع من والدته ذات يوم تلخيصا مثيرا لرواية اميل برونتي " مرتفعات وذرينغ "، في العاشرة من عمره يعثر على كتاب في الفلك يجعله يقرر ان يُصبح عالما، مما دفع والدته ان تهديه عدة كيمائية رخيصة الثمن لتنمية مواهبه:" حصل انني عندما اكتشفت العلم وانا في الحادية عشرة بالضبط شعرت بفجوة نفسية متعاظمة بيني وبين الناس حولي؟، واندفعت في الحلم بيوم يرتقي فيه الانسان ليكون كالالهة كما حلم ويلز في بعض كتاباته " – حلم غاية ما ترجمة لطفية الدليمي -
عثر على كتب الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه وهو في الثالثة عشرة من عمره، عندما رأى ذات يوم كتاب في المكتبة بعنوان " إرادة القوة "، ايقن انه وجد من يأخذ بيده الى عالم " العدمية ". في ذلك الوقت كان الشاب المراهق يؤمن أن الوصول الى الحقيقة يمر عبر الاكتئاب والشقاء، وكان نيتشه دليله: " اكتشفت أن الذي ساق الناس في الحقيقة كان إرادة القوة " – الكتب في حياتي ترجمة حسين شوفي – يسحره كلام نيتشه عن قوة الإرادة التي هي الدافع الانساني الاساسي.
في تلك السنوات لاحظت امه ان ابنها المراهق يغلق عليه غرفته كل مساء ليغرق في قراءة الكتب التي كان يستعيرها من المكتبة.. كان قد تملكه احساس بعبثية الحياة التي يعيشها الانسان دون ان يدرك حقيقية الهوة التي تحت اقدامه " يكتب في سيرته الفكرية ان شعورا بكره الجنس البشري قد تملكه، وراودته افكار نيتشه حول الناس الضعفاء والمرضى وضرورة أن يحل محلهم أناس يتمتعون بالعقل السليم وقوة الجسد:" شعرت ان القديس الحقيقي جدير بان لا يكون محبا للبشرية، وإنما هذا الرجل الذي يريد ان يرى انقضاء عصر البشر وان يحل محلهم نوع من المخلوقات اقل عقما وغباء "
في مقدمة كتابه سقوط الحضارة يكتب كولن ويلسون:" لقد كان في كتاب اللامنتمي شيء من الاعترافات الخاصة بتأريخي الشخصي، وذلك واضح لأنني انفقت معظم صفحات الكتاب محاولا ان اعثر في الاشخاص الآخرين على ما يبرهن على معتقداتي، وكان ولسون يؤمن ان كتابه اللامنتمي سيكون " هو الارض الخراب للخمسينات، وينبغي ان يكون اهم الكتب التي تصدر في جيله "، ويصر على ان اللامنتمي يريد ان يكون وجوديا حرا ومتفائلا، ولهذا يجد ويلسون ان جميع الناس يجب ان يكونوا لامنتمين ويؤكد انه لا يهدف الى:" ايجاد حل صحيح كامل لمشاكل اللامنتمي، وانما اهدف الى بيان ان مثل هذه الحلول، والمحاولات التي بذلت في سبيلها موجودة فعلا ".
تكتب ساره بكول ان كولن ويلسون:" بجرأته الوقحة وسماجته الكيركغاردية وفرديته المتقدة، يجسد روح التمرد الوجودي في اواخر خمسينيات القرن العشرين اكثر من اي شخص آخر – على مقهى الوجودية ترجمة حسام نايل –
في الخامس من كانون الاول عام 2013 تنشر صحيفة الغارديان خبر رحيل صاحب كتاب " اللامنتمي "، واصفة كولن ولسون بانه "العبقرية الأدبية الرئيسة في قرننا.
***
علي حسين – رئيس تحرير جريدة المدى البغدادية