نصوص أدبية

المأتم

صالح البياتيالموت حقيقة ساحقة، أكثر التصاقا بالإنسان من الحياة نفسها، اما فاجعته فإنها تتوارى وراء جبل هائل الارتفاع من الأسى، لا يعلم الا الله متى بدأت اول صخرة ترتفع فيه عن الأرض؟

 عاد نوح ظهيرة يوم بارد، ولكن كان صحوا، وشمسه ساطعة بعثت الدفء في اوصاله، والأسى بنفسه المكتئبة في آن، عندما التفت لجهة اليمين، فرى مكان امه خاليا، يغمره الضوء، اعتصر قلبه الألم، وراح يخاطب نفسه:

هناك يا نوح بعيدا في صحراء مقفرة، ليس فيها أفياء غير ظلال شواهد القبور، وليس فيها شجر ولا نهر، سوى بحر من الرمال. هناك في وادي السلام، تركتها ترقد الى يوم الدينونة، كيف طاوعتك نفسك ان ترجع بدونها..

كان يرفع يده بلا وعي، كلما مرت سيارة بالاتجاه المعاكس، تحمل على سطحها (الذي يبرق تحت الشمس) نعشا ملفوفا بالعلم العراقي، احصى ثلاثة، أربعة..

بعد ذلك طوحته دوامة افكاره وهواجسه بعيدا، كأنما كانت روحه تعرج في سماوات عجيبة، رائعة، لم تصفها أي من كتب السماوية، سماوات بيضاء، أنصع من القطن النظيف، بعد قطفه مباشرة من شجيراته في الحقل..

كان يسمع آلات موسيقية، تصدح بمقطوعات سيمفونية، ليست من تأليف أحد من البشر، الملائكة إتخذت اماكنها في قاعة أوركسترا كبيرة، وثمة ملاك عظيم يقف امامهم، يقوم بدور القائد، المايسترو...! كان بينه وبينهم شلال مائي كالبلور الصافي، رأى من خلاله الجوق الملائكي، الكورال وقائده، بكل التفاصيل الدقيقة، الملابس الآلات، وعصا القائد، التي كانت تلمع كالبرق في السماء.. لم يفق من حلمه حتى نبهه صوت بوق احدى السيارات التي حذرته من الاقتراب منها، تخيل انه بوق يوم البعث، الذي يقيم الموتى من قبورهم الدارسة..

 في أمسية اليوم الذي وصل فيه، جلس في مأتم شاب ميساني، سقط ضحية الحرب الدائرة رحاها بشراسة على الجبهة الشرقية، انه حنون، ابن المرأة التي أطلق عليها قديما، الرقم الصعب في المعادلة الجنوبية، لأنه لم يستطع اقناعها آنذاك، ان استبدال اسمه بأخر مسألة عادية، تحدث كل يوم تقريبا، وينحصر اثرها عادة على المسمى، في الجانب المعنوي فحسب، هذه المرأة التي لا زلت عندما يغمض عينيه، ليستعيد ذكريات طفولته، يرى قامتها الفارعة منتصبة كالرمح، أمام تنورها الملتهب بالنار، والوهج يلفح وجهها الأسمر، فيزيد بشرته دكنة، اقرب للسواد، كلما لوحته الحرارة اكثر، تخبز كل يوم عددا لا يستهان به من الارغفة، التي تعبق رائحتها الطيبة في الهواء، كان يتضور جوعا، عند عودته ظهرا من المدرسة، يشتهي كسرة خبر ليسد بها رمقه، حين يرى الارغفة يتصاعد منها البخار، تتساقط من يدها بخفة لطبق على الأرض، فيسيل لعابه، ترحب به باسمة، وتنفحه رغيفا ساخنا، يرقصه بيديه حتي يبرد قليلا، ثم يلتهمه بشهية، صنعت هذه المرأة شابا ناجحا، من بيع الخبز في السوق، تخرج حنون من الكلية العسكرية، الدورة 83 / العام 1980 ضابطا، برتبة ملازم ثان، في السنة التي اندلعت فيها الحرب..

حين سمع ما حل بها من كارثة، تألم كثيرا.. راح يردد مع نفسه، وهو في طريقه لمأتمه، هاتين الكلمتين: خسارة فادحة..

 فعندما يختطف الموت الأبن الوحيد، لامرأة بفقر وبؤس وشقاء وكدح ام حنون.. فتلك يا عالم خسارة فادحة..

 كان المعزون كالعادة منهمكين بأحاديث، لا علاقة لها بالفقيد، يتحدثون عن هموم ومشاكل تخصهم وحدهم، تساءل اليس الاجدر بهم، والاجدى في ظروف كهذه، رثاء الميت بكلمة، يترجلها احد اصدقاءه المقربين، او واحد من افراد اسرته ، يُذكر الحاضرين بشيء من سيرة حياة الفقيد! حتى وإن كانت متواضعة وغير مثيرة.. مجرد استذكار، سيثير الشجن في النفوس، اما وان المأتم قد خلا من ذلك كله، فما جداوه إذاً، هذا الشيء اثار الأسى في نفسه، واعتبره تقصير ونسيان مبكر جدا للراحل.. ناهيك عن الادعاء بثواب تلاوة القرآن على روح الميت، حيث لا تجد من يستمع او ينصت اليه، سوى قلة من الذين هم على عتبة الموت، كبار السن الذين يأمون المأتم، سعيا وراء الاجر والثواب، وان التلاوة كما بدت له  اطار ديني للوحة حزن كئيبة، اما الأكثرية فأن المأتم بالنسبة لهم، مناسبة للقاء، وتجاذب أطراف الحديث، كما هو الحال الآن، حيث يجري الحديث بين شخصين يجلسان بجانبه، عن تأخير الترفيع الوظيفي، وعن توزيع الأراضي على اسر ضحايا الحرب، وتساؤل احدهم كم ستطول الحرب، وأمل الآخر انها ستنتهي قريبا، انصت لهذا الحديث بين الرجلين: 

" اسمعت عن حرب كرة القدم، او ما تسمى بحرب المائة ساعة بين السلفادور وهندوراس؟"

"  لا. هذه أقصر من حرب الأيام الستة بيومين."

" نعم أقصر حرب في التاريخ الحديث."

" نتمنى ان تنتهي الحرب بيننا وبينهم سريعا."

" لا اعتقد.. الإيرانيون متعنتون جدا، والعناد فيهم صفة متأصلة."

"احقاد قديمة."

قال في نفسه اخطاء متبادلة. لأنهما يخافان من التخلص من عقدة الماضي، لذا يخوضان الحرب على خلفية تاريخية عفي عليها الزمن. سمع الأخر يجيب الجالس بجنبه:

" سيرضخون اخيرا للأمر الواقع، الجيش الإيراني ضعيف ومفكك، بعد هروب معظم جنرالات الشاه الكبار الى الخارج وهذا ما اغرى الرئيس على الهجوم عليهم ..

" ولكنهم بدأوا يجندون المتطوعين، ويزجون الأطفال للقتال."

"ولكن عندهم أزمات داخلية متفاقمة. "

" وأيضا ازمة الرهائن الأمريكيين.."

وقال الذي عنده شئ من الأمل

" أتوقع ان الحرب لن تستمر أكثر من سنة."

انتقل الحديث الى موضوع آخر، لينتهي بالكلام عن شخص ثالث، غائب، لم يذكرا اسمه، اشارا اليه بـ هو.. فتحدث احدهما عنه هكذا.. هو لا يهمه سوى الوصول لمصلحته الشخصية النفعية، وبأية وسيلة كانت.. وأيده الآخر، وأنه لا يتهاون ابدا بكسر رقاب الناس، فإستنتج الأول.. بصراحة هذا هو وقعنا، قال نوح في نفسه، واقع مؤلم، قاس، غير إنساني، وشاذ وبائس. واستأنف الرجلان حديثهما عن الرجل المجهول..

"امثاله كثيرون في مجتمعنا، القوي يأكل الضعيف"  فرد عليه الآخر

" البقاء للأصلح.."

هنا تدخل نوح عند هذه النقطة من الحديث من باب المشاركة في النقاش فأدلى بدلوه.

" عفواً.. البقاء للأصلح، تعني ان تتكيف أنواع معينة من الاحياء مع تغيرات البيئة الطبيعية، وهي فرضية بيولوجية جاء بها دارون في سياق نظرية النشوء والارتقاء.."

نظر اليه الرجل شزرا، كأنه قال شيئا سخيفا، قطع عليهما استرسالهما في الحديث. لم يقل شيئا، لأنهما لزما الصمت لبضعة دقائق، ثم قاما وغادرا..

راح نوح يلوم نفسه على التدخل في حديث لا يعنيه."

انتهى المأتم على روح الضابط حنون، كما ينتهي في كل يوم، مآتم آخر، في جميع ارجاء البلاد، وفي كل مكان في العالم، دون أن يتغير شيء في لعبة الحياة والموت.

 ولكن البلاء الأكبر بوجود أمثال سليم الخماش، وغيره من الأشرار، في حياتنا، أعظم من مصيبة الموت، وجودهم شيء مفزع، لأنهم يتسلون بالحاق الأذى بالناس.. خاصة أولئك الذين ليست لديهم اشواك ابرية حادة.. تساءل، لماذا لم يخلق الله او الطبيعة لهؤلاء الضعفاء من البشر (الذين ليس لهم حول ولا قوة) دروع او تروس تحميهم عند الحاجة، وتصد عنهم غدر الاقوياء، كما لدى بعض الاحياء..

فكر بذلك ولكنه لم يكن بصدد حكم أخلاقي، في موضوع حساس كهذا، ومثير للجدل اوالاجتهاد.. ولكن قرر مع نفسه، على ضوء ما رأى وسمع الآن وقبله، ولمرات عديدة لا تحصى، أن يصرف النظر عن إقامة مأتم  للمرحومة امه، كهذه المجالس التي يطلق عليها إعتباطا كلمة مآتم، عزاء، او تأبين..

وحينما يسأله الشيخ كاظم عن سبب هذا التحول والاعراض، عن تقاليد متوارثة منذ اجيال عديدة.. سيصارحه برأيه، سيقول له: بأن العزاء سيقتصر فقط على النساء، وسيقام في بيت صديقتها الدهلة.. وأنه سوف لن ينعى امه، وإنما سيجلس في بيته يستقبل نفرا قليلا من اصدقاءه المعزين.

هذا ما وطد العزم عليه، لقد كره أن يتسرب الزيف في اصدق مشاعر الانسان.. في حزنه بمصاب وفجيعة من يحب، وكره كذلك سماع ثرثرة المعزين اثناء جلوسهم، وهم يدخنون السجائر الرخيصة، او يُسقَونَ الماء، ويرتشفون الشاي او القهوة المرة بنفس الاقداح والفناجين، فهي بنظره عادة غير صحية، ومدعاة للقلق، وقد تكون سببا لانتقال الامراض من شخص لآخر..

ولما كان لميسان ارث حضاري قديم، يمتد لآلاف السنين، وطابع جنوبي فريد، وخصوصية ذات ملامح سومرية اصيلة، وجذور ضاربة في أعماق الأرض، ارتاح نوح لهذا القرار، فأمام فاجعة الموت، يجب أن يغدق الانسان حزنه بسخاء، كما ناح جلجامش وجزع على رفيقه انكيدو، لا كما يُتخلص من الحزن بأسرع وقت ممكن، كما لو أنه عبء ثقيل، وحين سيرى الدهلة اليوم، سيفتحان معا كتاب المراثي القديم جدا، قدم مسوبوتيميا، سيبدآن بأول صفحة، ولن يتوقفا حتى تفيض ينابيع القلب العميقة والغزيرة.

عانقه الشيخ كاظم الموحان عند باب الجامع بحرارة، فبين له ما انطوت عليه نفسه بشأن تأبين امه، تفهمه بأريحية، شعر نوح ان الشيخ يخفي في نفسه شيء من القلق والحيرة من افكاره الغريبة هذه.. ولكنه قال:

"سأحضر مساء غد لبيتك."

" سأكون بانتظارك هناك."

"سأجمع شيئا من النقود، من المحسنين، للمرأة العجوز أم حنون لتستعين بها.."

استحسن نوح ذلك، بدلا من التخافت بالأحاديث، التي ان لم يكن فيها غيبة، فإن الانشغال بالثرثرة الفارغة، عن الانصات لتلاوة القرآن، فيه عدم الاستجابة للأمر الإلهي..

مرت برهة صمت قصيرة، كانت كافية ليمد نوح يده لجيبه ويخرج محفظته، تبرع  بالدنانير التي كانت مخصصة لمأتم المرحومة، سلمها للشيخ، شعر براحة عظيمة، كأنه تخلص من مشكلة عويصة، او خرج  توا من حمام السوق الممتلئ بالبخار والحرارة، في ليلة قارصة البرد.

" اعطها من فضلك يا شيخ لام حنون، فهي بحاجة ملحة اليها، في مثل هذه الظروف القاسية.."

أخذها، لم يقل شيئا، نظر اليه طويلا ثم ودعه وذهب.

 تساءل نوح مع نفسه، وهو في طريقه لبيت الخالة الدهلة:

 كيف تكون كل كلمات السلام والله والخير، التي سمعها في المأتم، والتي كانت تتردد بكثافة على افواه المعزين، وفي المقابل يوجد هذا الكم الهائل من الشر والكره والضغائن، صرخ بألم، نحن نغرق في مستنقع من الدم..

في مساء اليوم التالي، اجتمع الأصدقاء لمواساته في في بيته، حضر الشيخ كاظم الموحان، والدكتور هلال، والقاضي عبد الهادي إجباري، وابنه المحامي حسن، صديقه، وشخص آخر غريب وملثم، جلس متنحيا عند الباب، أثارت هيأته الشك والريبة في النفوس، قام حسن، قدم القهوة للجميع، وعندما وصل للغريب اومأ بيده ايماءه الرفض، رثى نوح أمه، بكلمات تقطر اسى، عن صبرها العجيب، عن حكمتها وطيبتها، وعن ذكريات طفولته معها، عن الحب الذي غمرته به، وفاض على كل من كان حولها، تمنى في تلك اللحظة، لو كان شاعرا لرثاها بقصيدة تخلد اسمها، تأثر الجميع بكلامه لأنه كان نابعا من القلب، كانت صورتها معلقة على الجدار محاطة بشريط اسود، كان بين الفينة والأخرى يرفع رأسه وينظر اليها، فجأة أنتحب الرجل الملثم وتعالى نشيجه.

كان الدكتور هلال ونوح يرتشفان القهوة المرة على مهل، غارقان في أفكارهما، يتفرسان بالسجادة القديمة ذات اللون الأحمر الناصل.. أخبره الطبيب تلك اللحظة، بنقله لوحدة طبية ترابط وراء الخطوط الأمامية في القاطع الجنوبي، في منظقة الفكة..

تذكرا الرحلات المدرسية الربيعية للمنطقة، التي تدور فيها الآن معارك شرسة.. سأل الطبيب:

" لماذا أطلقوا على هذه الحرب أسما قديما، مضى عليه ما يقارب الأربعة عشر قرنا؟! ابتسم نوح بمرارة.

" لا أدري ياصديقي، ولكن لو كان الأستاذ مقبل موجودا.. لقال: تلك استعارة تاريخية، إنتاج الأحداث القديمة، بسيناريو جديد، أفكار مستحكمة في عقولنا..

ساد الصمت بين الصديقين، قطعه نوح بسؤال عن العراف، فإستغرب الطبيب 

اصرار صديقه على معرفته، حتى في ظروف حزينة كهذه، ولكنه مع ذلك أجاب مبتسما.

"هل لا زلت تفكر به يا نوح.. نظم العراف نبوءته  شعرا"

 وعده أن يحضرها ان عثر عليها بين اوراق والده.

   " متى سأراك ثانية؟"

" لدي يوم واحد قبل ألتحاقي بعملي في الوحدة الطبية، فإذا لم يشغلني شيء سأراك غد.."

ودعه وخرج، وبعده  قام  القاضي وابنه حسن، ودعهما عند الباب، لم يبق سوى الشيخ والملثم، قام اليه، قدم له فنجان القهوة، اخذه، جلس جنبه، فأماط الرجل لثامه، فإذا به وجها لوجه امام سعيد.. الرجل الذي كان مثيرا للريبة قبل قليل، والذي توجس منه، وفكر أنه ربما كان واحدا من رجال سليم الخماش، دسه للتجسس، راح سعيد بعد أن اطمأن، يرتشف قهوته على مهل، دون ان يتكلم، قام الشيخ  وعانق ابن عمته بحرارة، وصب لنفسه فنجان قهوة، ارتشفه دفعة واحدة. وقال:

"سيبقيني هذا صاحيا هذه الليلة."

 طوى الشيخ طرف السجادة القريبة من الباب، علامة على خاتمة الأحزان، وعاد لمكانه، شعر سعيد بالأمان عندما انصرف الجميع، وراح يتحدث عن معاناته اثناء البحث عن ملاذ آمن طوال فترة غيابه..

سأله نوح ماذا ستفعل:

" سأقتل سليم الخماش انتقاما لأخي وزوجته.."  ثم بكى، وبعد فترة صمت اطبقت على الرجال الثلاثه، تكلم سعيد وهو ينشج باكيا:  

" كانت المرحومة أمي أيضا، ولن أنسى ما فعلته لنا.."

وعندما ودعه نوح عند باب منزله، دس بيد نوح ورقة، وخرج.

استقبلت الدهلة نوح في بيتها، بالبكاء والعويل، قبلته، بللت دموعها وجهه. أدهشته بمعرفتها بحضورابنها سعيد للمواساته، ولما تساءل عن كيفية معرفتها بذلك، كان جوابها أن قلب الأم هو الذي اعلمها، وطلبت منه ان يأخذها معه حينما يعود لتزور قبر المرحومة، وان يجد لها وسيلة للذهاب للشمال، ومن هناك الى ايران لتبحث عن هيلا وامها، لم يحب نوح ان يكسر بخاطرها ويثبط عزيمتها، ولكنه وعدها بأن يتدبر الأمر، وبين لها بنفس الوقت الصعوبات التي تكتنف السفر، فالحدود مشتعلة، وعندما سألته هل عنده اخبار عن ابنها مقبل، اخبرها انه لا يعلم بالضبط اين يحتجزونه، وسيحاول ان يتوصل لمعرفة مكانه، عن طريق اصدقاءه في بغداد.

شعر نوح أن هذه المرأة لم تعد قوية كما كانت من قبل، وأنها لن تحتمل مزيدا من العذاب، فقد انهار كل شيء أمام عينيها. وطاف بخاطره انكسارها عندما اعتذر عن اخذها معه، عندما ذهب الى بغداد المرة الأولى مع امه لعلاجها..

أشارت بيدها، سينام الشيخ على الكنبة في الصالة، وستنام انت في غرفة سعيد مع زوج عمتك، وعندما سألها متى وصل؟

اخبرته انهما سبقوك بيوم، ولما لم يجدا احدا في بيتكم جاءآ الى هنا، واثناء ما كانت توزع اماكن النوم، قُرع الباب، ذهبت لتفتحه، للضيفة وزوجها، كاد نوح ان يبوح بالسرعن هذه المرأة؛ التي لا تمت له بصلة القربى، ولكنه امسك، وبعد الترحيب وكلمات المواساة، كان على نوح ان يشارك الضيف غرفة النوم، بينما شاركت الدهلة غرفتها مع الضيفة، تأخر نوح يتحدث مع الشيخ كاظم حتى ساعة متأخرة من الليل، وعندما ذهب لينام وجد الضيف يغط في النوم، يشخر بصوت عال ومتقطع، جلس على حافة السرير، قرا رسالة سعيد:

"اراد التوديون ان يتفادوا تجربة الشيوعيين العراقيين، بعد فشل الجبهة الوطنية، فحاولوا بجرأة تثير الدهشة، استباق الأحداث، للاستيلاء على الحكم في إيران، في عيد العمال، الأول من إيار، ولكنهم للأسف فشلوا، فصعد التيار الديني، ونكل بهم اشد التنكيل، واستفرد بالسلطة، ولو انهم (أي التودديين) نجحوا لما كانت هناك حرب بين الدولتين، الحرب كانت نتيجة لصعود التيار الديني في ايران من جهة، وانقلاب القصر وتبديل القيادة في بغداد، من الجهة الأخرى، ولذلك لم أستطع الهروب الى الاتحاد السوفيتي بدون مساعدتهم، لذا عدت للعراق، سأحاول التسلل الى هور الحويزة، سيكون ملاذا للجنود الهاربين من المحرقة، أما هدفي الآن فهو الانتقام لأخي وزوجته.. بلغ تحياتي لأمي..

سعيد

لم يستطع نوح النوم بعد قراءة الرسالة، لقد أثارت مخاوفه وقلقه، خاصة وان المخبر المدعو زوج عمته  يشاركة حجرة النوم.

كان شخير الرجل مزعجا جدا لا يطاق، شعر نوح ان هذه الكتلة من اللحم المتورم، تشفط هواء الغرفة بطريقة جشعة، تملأها شهيقا وزفيرا وصفيرا، هذا المخلوق البائس، المسخ، الذي يغدر بالناس، يكتب تقارير ضدهم، ولا يتورع أن يشي حتى بأقربائه، لذا كان نوح يتحاشاه دائما، ولا يحبه، حتى قبل ان يعرف ان زوجته وهو لا يمتان له بصلة، على كل حال كان يتجنب هذا الرجل عندما تجمعه الصدف، يحترس، ويحذر عند حديثه معه.

خرج من الحجرة للبحث عن علبة كبريت في المطبخ، ليحرق رسالة سعيد، تفاجأ بالشيخ جالسا في ظلمة الصالة، يتمتم بكلام لم يستطع ان يفهمه..

" ماذا تفعل، ولماذا أنت جالس في الظلام؟ "

" الخلوة مع الله، يا نوح خير وسيلة للخلاص، اناجيه، اقرا الأدعية المجربة، اتضرع اليه لكشف الغمة عن هذه الأمة، ابتهل اليه يا نوح.

 جلس يستمع لأدعيته، فتلا بعضا منها، قرأ في كتاب صغير الحجم، غلافه اسود سميك، دعاء المشلول ودعاء الفرج ودعاء الغريق، حتى أشرف الوقت على طلوع الفجر، فقام الشيخ للوضوء والصلاة.. دخلت الدهلة، وكان لا يزال متوركا، يرفع يديه عاليا بالدعاء، عقب انتهاءه من صلاته. ختمها بهذا الدعاء:

"اللهم إنّا نعوذ بك من شر سلطان سوء، وقرين سوء، ويوم سوء، وساعة سوء.."

 قاطع استرساله دخول الدهلة، انزل يديه، ارخاهما على ركبتيه، اخبرتهما.

"الجماعة يريدون العودة مبكرا الى بغداد، سأعد لهما طعام الإفطار، تعالوا نفطر سوية ونودعهم"

 خرجت، فهمس نوح في أذن الشيخ:

" أحذر أبو بدور، فهو مخبر... "

" عرفته فهو متقلب ومراوغ، ولكن لا أدري لماذا يكرهني!"

"هو يكره حتى نفسه."

تتمتم الشيخ كاظم، ثم رفع صوته:

" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله علينا."

تناول الجميع افطارهم صامتين، حاول المخبر استدراج الشيخ بالحديث عن الحرب، وصفها بالجنون، وبأن الرئيس هو الذي بدأها، خوفا على كرسيه، حاول إيقاع الشيخ كاظم في الفخ، ولكن محاولته فشلت، حينما أعتذر الشيخ  وقام مودعا، فقام المخبر ليحزم حقائب السفر، وأبدت زوجته رغبتها بأن تذهب مع نوح لزيارة قبر المرحومة في اربعينيتها. لم يقل نوح شيئا.

خرجوا للسيارة التي تنتظرهم أمام الباب، شكرتهم الخالة على تكبدهم المجيء، تحركت السيارة، وخرجت  من الزقاق الضيق واختفت.

بقى نوح مع الدهلة يواجه قرارا صعبا، ولكنه حزم أمره أخيرا، وقرر ان يساعد الدهلة  في البحث عن هيلا، تلهفت لمعرفة ذلك، فطمأنها، وأكد لها أنه لن يتركها لوحدها مهما كلف الأمر، لأنها تحتاج لرجل يقف بجانبها، وهو يحتاج لإمراة بمثل حكمتها وشجاعتها. قال:

" سأقف معك، فلا تقلقي"

عانقته وقبلته، شعربدموعها الحارة تبلل وجهه، شرح لها خطة الهروب.

بعد اربعينية المرحومة، سنذهب لمدينة السليمانية بالتحديد، هناك صديق لسعيد يثق به جداً، سيسهل لك طريق الهروب الى إيران، الفرصة مواتية الآن، فالقتال لم يحتدم بعد في الجبهة الشمالية، وبإمكانك عبور الحدود من إحدى الثغرات التي ينشط فيها المهربون..

لم تقل شيئا، دلفت لغرفتها، وبعد دقائق خرجت وبيدها مغلف، دسته في يده.

"ما هذا ياخاله؟"

"هذه النقود، كانت هيلا قد وفرتها للمولود، لجهازه.. وأضافت متحسرة لو انهم تركوها هنا، حتى تلد، لكان عمر طفلها الآن ثلاثة أشهر، وهذه أقراط ذهبية لزوجتك، نوح، ألم تقل لي ما اسمها؟

خنقته العبرات.

"احتفظي بالنقود لحفيدك يا خالتي.."

" نوح ما أسم زوجتك، أهي جميلة، وبنت من؟"

" سيناء، بنت الحاج سبتي الزبون، جميلة، لم نتزوج بعد، مجرد عقد قران يا خاله."

"كانت امنيتها ان تعيش حتى ترى زفافك قبل ان تموت."

" الحمد لله تحققت امنيتها، وقريبا جدا سنتزوج "

فكر بما قالته قبل قليل عن هيلا، (لو أنهم تركوها هنا) وهي تقصد بهنا: تركوها في بيتها، الذي هو الوطن، الأمان، الحب والحياة، الذي كانت تتمناه لحفيدها، وهل معنى التهجير (هناك) لإيران، إلا الغربة والخوف والموت..

ولكن الوطن.. مكان العيش والفرح، أنقلب الى مسلخ وقبو تعذيب مظلم.. تداخل الوطن بالمنفى، والموت بالحياة، ولم يعد التفريق بينهما ممكنا..

أخبره سعيد أن هيلا ولدت صبيا، في مخيم اللاجئين بمدينة جهرم محافظة عيلام، كان وقع الخبر مؤلما في نفسه، فمجيء صبي لمقبل، كان سيفرح الدهلة كثيرا، لو حدث ذلك في ظروف عادية، وفكر ان اخبارها سيضاعف حزنها، سيعذبها ويقتلها، لقد أحبت هيلا حباً صادقا وعفويا..

 كتم الخبر، علم من سعيد ان الطفل وأمه وجدته، يعيشون في قبو أحد البيوت القديمة، القريبة من محيط ضريح السيدة معصومة في قم، هذا كل ما عرف من سعيد، وسيبوح به للخالة الدهلة، قبل أن يشرعا بالرحلة المحفوفة بالمخاطر الى شمال العراق. ولما شكرها قائلا البيت عامر بأهله، قاطعته:

" لم يعد بيتا كما كان.. البيت بدونهم قبر يا نوح."

" فوضي امرك الى الله، وسوف لن يتخلى عنك ابدا."

" نم في غرفة مقبل وهيلا فهي مريحة أكثر."

قضى نوح نهار ذاك اليوم هائما في حواري المدينة وأزقتها، كأنه ضائع يبحث عن شيء مفقود، عن آثار أقدامه  التي طمستها السنين وغبار الأزقة.. وكان أينما يمم وجهه، فثمة أكف أنهار مبسوطة بالخير، ندية بالعطاء والمياه..

هذه هي مدينته العمارة...

وقبل هبوط الليل، اتجه صوب النهر، أنتظر مجيء صديقه هلال..

لم يأت، عذره حتى دون ان يعرف السبب، فالحرب قد ألغت جميع المواعيد، صارت لها الأولوية على كل شيء، والتقاعس عن تلبية نداءها يعتبر جريمة لا تغتفر، بنظر الذين يقدمون القرابين البشرية  ليلا ونهارا، على صخرة مذبحها المقدس.

لابد ان شيئا منعه من المجيء، فنوح يعرف دقة مواعيده كطبيب، أرسل نظرات تائهة الى المياه الجارية، أو الياردن كما يسميها المندائيون، وهي تنساب وتنفلج عند نقطة غير مرئية، قديما أغرق الأتراك مركبا بخاريا في هذا الجزء من النهر، في محاولة فاشلة ليعيدوا التوازن المفقود لمياه الدجلة، وقيل إن الإنكليز هم الذين أغرقوا المركب، لأنه كان محملا بذخيرة حربية للجيش التركي المتجحفل في مدينة العمارة..

 وهناك بعيدا، تدور الآن معارك طاحنة، على امتداد الجبهة الشرقية، الاطول والأكثر عنفا ودموية، كم يا ترى في هذه اللحظة، سيصل عدد الجثامين الملفوفة بالعلم العراقي، بينما هو واقفا على ضفة النهر ينتظر صديقه..

 راح يخاطب نفسه..

هل لا زلت تحت تأثير النبوءة، هل استحوذت على عقلي، ورسمت في مخيلتي هذه الصورة الوهمية.. لماذا ارى الآن مياه النهرتصطبغ بالدم، اصحيح ان الطبيعة أحيانا تواسي الأنسان وتشاركه أحزانه، أو تناصبه العداء..

كم مرة شعر أن الرذاذ الخفيف، يتحول الى أحجار قاسية تطرق راسه بقوة فتؤذيه.. ولكن الطبيعة في الحقيقة محايدة، لا تكترث لأفراح أو أتراح الناس، قد تبعث أحيانا رسائل مشفرة، ينبغي فك ألغازها، هل الاندماج بين مشاعر الأنسان والطبيعة يصل في بعض الحالات حد التماهي، وهل اصطبغت السماء فعلا بالدم عندما قتل الحسين...!

 هم بالقيام بعد ان يئس من مجيء صديقه، وقبل أن ينهض من مكانه، شعر بيد حانية تربت على كتفه، رفع رأسه، كان ضوء عمود النور القريب منه، يكاد يبدد شيئا من عتمة المساء، رأى شيخا مندائيا، يتسربل بالضوء الخافت، بينما يلف الظلام المكان، جاء ليواسيه، ويمسح بابتسامته الوضيئة، جبلا من الحزن الذي جثم على صدره، كان قبل مجيئه يشعر بأن حياته أصبحت صورة مشوهة لموت مؤجل..

رفع رأسه اليه، قال الشيخ بصوت ملائكي:

" قم وأذهب لبيتك، لن يأتي صديقك الذي تنتظره، ولكن سيأتي في المرة القادمة.."

 واختفى كما جاء خيالا خفيفا، بين الظلال الداكنة لأشجار اليوكاليبتوس، تلك الأشجار الباسقة التي شاهدها يافعا، أول مرة في حديقة مرسى القوة النهرية. وعندما اختفى الشيخ، ترك وراءه خيطا نورانيا، كاد نوح أن يلمسه بيديه، تركه غارقا في ظلام تساؤلاته المحيرة، ولكنه حرره في آن من قيوده الارضية.

شعر نوح أن روحه تسمو تلك اللحظة في معراج سماوي، تتحرر من عبء ثقيل، يشدها للأسفل، وروحه متلهفة للصعود عاليا..

سأل نفسه: أين بيتي الآن؟

لم يعد له بيت منذ رحيل أمه عن هذا العالم، النهر الذي احبه، دائم السيرورة، في حالة زود وصيهود، وأشجار اليوكاليبتوس الباسقة لا زالت تخفي بين أغصانها الكثيفة أعشاش العصافير، ومدرسة السلام التي كانت هنا اختفت ايضا..

الزمن كالأفعى يزحف بوتيرة ثابتة على حراشف الضجر او المفاجأة، لكنه محاط بالقسوة دوما، على مقربة من هنا، لا يزال جسر الملك فيصل منتصبا فوق مياه نهر الكحلاء، المتهادية ببطء في جريانها، حتى تنتهي بالهور الواسع، الناس والبهائم الذين يعبرون الجسر، الذي شيده الإنكليز ابان احتلالهم لمدينة العمارة، لم يفطنوا للعلم البريطاني الذي يعلو رؤوسهم، حديقة المرسى النهري، بناية البلدية القديمة ذات الطراز التركي، منازل الصابئة ذوات الطابق الواحد، وشارع بغداد الممتد عموديا بين الكحلاء ودجلة، والمركز الصحي الصغير الذي وعى عليه صغيرا، حين كان يعاني من غثيان دائم، لمجرد رؤية الطعام، بعد ذلك تحول لمخزن كتب وقرطاسية تابع لمديرية التربية.. كل هذه الأماكن القريبة من بيته، كانت تتشكل باتساق وتماسك في ذاكرته، صورة غائمة، تعبق برائحة المكان المتمرد دوما على جبروت الزمن، وتتناهى صوتا واهنا، ينبثق خافتا من الحلم والخيال الجامح، أعطت هذه الصور لحياته إطارا سحريا، لا زال واقعا تحت تأثيره المدهش حتى الآن..

لم تترك له الأحداث المتلاحقة فرصة لالتقاط الأنفاس، ولن يكون بإمكانه بعد الآن، ان يتفسح بين مفاصل الزمن، كما كان يحلو له من قبل، الماضي الذي تركه وراءه ، لا يستطيع أن يكيفه، يروضه، او يخضعه للأحداث المتقلبة، لقد تمرد عليه الزمن..

لربما عندما يترك مدينته، ولن يراها مرة آخرى، سينسى كل شيء، لكن النهر، الذي عشقه، حفر مجراه عميقا في ذاكرته، لن ينساه أبدا، يستطيع ان يغمض عينيه، فيتخيل أمواجه تتهادى بطيئة بين الضفتين، وتحت الجسر، يعد الركائز الحديدية التي ترفعه، من جهة بناية البلدية القديمة: الركيزة الأولى القريبة من الجرف الرملي، الثانية على مبعدة خمسة امتار، وهكذا الثالثة، والرابعة، فتنتصب أمامه الركيزة الخامسة، ملاذا آمنا ورائعا، استراحة وجيزة، لالتقاط الأنفاس، لسباح تخطى مرحلة التدريب، يرتاح على حديدها الأملس البارد، المغموس في الماء، قبل عبور النهر لشاطئ الماجدية..

مسؤوليات جسام اضطلع بها سابقا، ولكن أيا منها لن ترقى لمهمة تهريب الدهلة، فهي مسألة أشد صعوبة من الصعود لقمة إفرست، تساءل:

هل تحتمل امرأة عجوز مشاق السفر، على دروب وعرة بجبال كردستان الشاهقة!، وقد بدأ فصل الشتاء ببرده وثلوجه وامطاره، هذه المرأة الرائعة، التي قضت طفولتها وشرخا من شبابها، لا تقع عينيها سوى على صفحة المياه الساكنة، ولا تسمع اذناها غير زعيق الطيور المهاجره شتاءً، من الأصقاع المتجمدة، وصياح الخضيري والحذاف ودجاج الماء، المتماهية مع خفقات المياه بين سوق القصب والبردي، وتستمتع حد الإنتشاء حين ترى رؤوس الجواميس مشرأبة فوق مياه الهور، المزدانة في الربيع بزنابق الماء ذات البياض الثلجي، كل هذا الجمال الأسطوري، أي فردوس مفقود، منجمه الطبيعة الساحرة، تضطر على هجرانه، لأجل العيش في بيئة حضرية، كان شراب الدهلة حليب الجواميس وطعامها أسماك الشبوط والقطان والبني.. كيف ستقوى على رحلة عذاب تنتظرها في أرذل العمر!

في تلك الليلة، لم تغمض عينيه، جلس على طرف السرير العريض، المغطى بمفرش حريري بصلي اللون، مطرز بورود، بألوان حمر وصفر وبنفسجية، ومنثورة في حاشيته بفن راق، فراشات ملونة تحلق في دائرة كبيرة في وسطه، ومشغول بخيوط مذهبة من البريسم، وحبات خرز بيضاء شبيهة باللؤلؤ..

هذه الغرفة كانت مخدعا لمقبل وزجته هيله، يقضيان فيها أسعد لحظات العمر، يتبادلان أشهى الثمرات، لا تزال في السرير رائحة جسديهما، يشمها، ويكاد ان يسمع الهمسات الناعمة بين لهاث الأنفاس المتلاحقة والمتقطعة، وصوت القبلات السريعة الملتهبة، لا توجد لحظات تتماهي فيها السعادة بالعذاب، كما هي في لحظة الغرق والعوم على موجة متعة مغرقة بالموت اللذيذ، يحترق فيهما جسدان عاشقان الى درجة الذوبان ببعض..

أخذ وسادة وبطانية وانطرح على الأرض، أنب نفسه ولامها، على النوم في سريرهما الخالي.

عند الفجر كان مرهقا، فأخذته إغفاءة لم يستطع مقاومتها، لا يدري كم مر من الوقت..

 

شكرا لمتابعتكم

 

صالح البياتي

...................

حلقة من رواية:  بيت الأم

 

 

في نصوص اليوم