نصوص أدبية

النسيان

صالح البياتيحينما كنّا ننسى مواسم الحصاد

كانت أسراب العصافير تذكرنا

كان النسيان صديقنا

أشفق علينا، أيقظنا

قبل أن تحرق الشمس أقدامنا

**

وقبل انطفاء آخر شمعة

في ليل الذاكرة

ألهمتني آلهة النسيان

ان أتذكره

كان صبيا، فتى عاديا 

اطفأ في ليلة ميلاده دموعا عشرة

ولم ير في حياته أبداً كعكة عيد، وصناديق هدايا

او يسمع يوما كلمتي: ميلاد سعيد

2-

يوم التقينا على غير موعد

الذين نلتقيهم لأول مرة

في لحظة ما عندما نراهم

أناس عاديون، لا نعرفهم

يظهرون أمامنا ومضة خاطفة، في ليلة ماطرة

نحس بأننا نعرفهم، وأنهم  ليسوا غرباء

أبناء الصدفة، واللحظة العابرة

 ***

نراهم يأتون إلينا

فرحين يلوحون من بعيد 

تسبقهم إبتساماتهم الكبيرة

إيماءة من وراء المجهول

يستجيبون لدعوة مفتوحة

أيد خفية تدفعهم برفق  

ليظهروا أمامنا جذلين

كما الممثلون ينبثقون فجأة

من وراء ستارة المسرح

3-

يوم كنت بائعا على الرصيف

كنت يوماً ما

بائعا على رصيف الشارع

بلا مؤهلات للمهنة

بائعاً للعب الأطفال، وأشياء أخرى

يوما كان عصيا على النسيان

هجر الشعراء قصائدهم 

غابوا عن شارع المتنبي 

قايضوا الشعر بعلبة سجائر او بفنجان من القهوة. 

كان الحصار ضيفا متطفلاً، ثقيل الظل 

نتاجاً  فجاً للفوضى، للعبث، للحرب ..

لعيوب آخرى كثيرة، ملتصقة فينا

4-

يوم كنّا لا نتذمر من حرارة الصيف

التقيته صدفة هناك

في ذاك الشارع القديم

الذي كان ولا يزال شارعاً

 يحمل أسما معروفاً 

ويحتل مكاناً معينا

في الباب الشرقي ببغداد

وفي ذاك الصيف الذي لا نرحب به

إلا حينما كان او يكون حفنة جمر

في أكف صفقت طويلا، لرياح عقيمة فإلتهبت

ولكن لا  أدري لماذا 

لم نكن نضجر منه او نلعنه ؟

ألأنه يوقظ  فينا رغبة بالنوم

وأحساساً لذيذا بالنعاس!

5-

يوم كان الحصار عارا 

حدث ذات حصار، ان وقف صبي، سنبلي الوجه

أشار  بيده الصغيرة للعبة معروضة للبيع

وعيناه لا تطرفان، تلتهمانها

سألته : هل أعجبتك ؟

هز رأسه كغصين، انحنى تحت حمامة

هل لديك نقود؟

ترنحت لاؤه حزينة وسقطت ميتة بين يدي الله

فاسودت خجلا  كل عملات العالم وتوارت

وإنكسر الغصين، وفزت الحمامة وطارت

لم تكن لاءً رافضة متمردة قوية مدوية

آه  لو كانت صراخا بحناجرالرجال بوجوه من….، ومن….؟

لولوا الأدبار، وهُزموا، وإنتهى عار الحصار

**

6-

يوم أبكاني صبي بغدادي بوجه شبيه بسنابل الحصاد

أبتعد الصبي قليلاً، بقدر ما بين الشهيق والزفير

وترك قلبه عصفورا مربوطا بحجر للعبة

الأبُ الإنسان أستيقظ في َّ، ناداه  تعال.. تعال

في تلك اللحظة تعالى بكائي، فولى البائع المختبئ تحت ثيابي

متردداً اقبل الصبي، وفي عينيه ثمة أسئلة حائرة 

لكن حين التقت نظراتنا، وتناجينا لحظة

انكشفت تلك الأسرار

وأتصلت بيننا انهار

بلا ضفاف، بلا لغة وشفاه او أصوات

صلاة  حب صامتة  بلا حركات

كالبحر يبعث للشاطئ آلاف القبلات

ولكن أنى  لأحد سوانا يعرف تلك اللحظات

من كان الأكثر فينا إثارة

من كان الأكثر من الآخر فرحا!

نتبارى للشجرة المحرمة، لنقطف ثمرة

نلتقي عند سدرة المنتهى، لنتعانق

فنفيض حبا ويقينا.

***

صالح البياتي

 

في نصوص اليوم