نصوص أدبية

مَعَ مسارِ الرافدينْ

حسين يوسف الزويدســرحْتُ أقلِّبُ بــالذكرياتْ

بيادرَ مِنْ كُبريــاتِ المُنـــى

بحجمِ الشقاءِ وحجمِ الهَنا

بحجمِ العراقِ وفي رافديهْ

مـصائبُ عِشـقٍ

و صبرٍ وتَيْـــهْ

عجـــائبُ لو زلزلَتْ زلزالُهـا

و أخـــرجَتِ الأرضُ أثقالَهـا

لهاجَ ومـاجَ بــأرضِ العـراقْ

سحابٌ ورعدٌ وكأسٌ دِهاقْ

و سـاقٌ سـريـعـاً تُلَفُ بِسـاقْ

فأينَ المسـارُ وأيـنَ المسـاق ؟!

* * *

تهيــم بأرضــكَ كــلُّ الــرؤى

و حتـــى كأنَّــكَ فــردوسُـها

فأنــتَ الـعـراقُ وأنتَ الـدُّنا

* * *

فَمِنْ (زاخو)(خابورِها) واللقاءْ (١)

بــدجلةَ كـــانَ الغـــرامُ قضـــاءْ

و تمضي رياحُ الـهـوى العاتيـاتْ

لأم الــربـيعيـن والـتـضـحـيـاتْ

لرأسِ الـــعـــراق ومِـــنْ دونـــهِ

لأمسَتْ يبَاباً به

الأمنياتْ

لأرضٍ تجذرَ تاريخُها

(حبيبٌ) يغازلُ آشورَها (٢)

(سَنَحْرَبُ) كانَ سليلَ الأباةْ (٣)

و طوّعَ بالحقِ رهطَ الطغاةْ

* * *

و حَطَّتْ بنا رحلةُ العاشقينْ

بأرضِ الأُلى الفتيةِ الفاتحينْ

بتكريتَ والعصبــةِ الأربعيـنْ (٤)

و يطويني دجلةُ في رحلتي

وصولاً لسامرّا والروضتيـنْ

لحيثُ الهوى في نباتِ (الحسينْ) (٥)

و تكبرُ في حسرتي

ألفُ آهْ

فَهَلْ مِنْ مُغيثٍ

لِمُعْتَصِماهْ (٦)

* * *

بدجلة يحلو السُّرَى والمسيرْ

لبغدادَ أرضِ المخاضِ العسيرْ

لأرضِ الحضارةِ ، أرضِ الكنوزْ

لأرضٍ مدى الدهرِ كانتْ ولودْ

لــكــلِّ منيــعٍ ثـبــوتِ العنــادْ

أبــيٍ رأى دونَ إذعانها

لظلمٍ تـهـونُ

خروقُ القتادْ

* * *

(فكاظُمها) كانَ ثَغرَ الشـمــالْ(٧)

و (نعمانُها) حينَ طابَ المنال(٨)

بـآلِ الـنــبــوةِ حَطَّ الــرحــالْ

و بغـدادُ منـصـورُهــا لا يَليـنْ

و ســفّاحُها كـانَ حـدَّ اليقيــنْ

ســلالةَ من كانَ عَمَّ الرســولْ

و حَــبْــرٌ لأمــتــهِ اللا تــزولْ

* * *

و يشهـقُ دجلةُ حـيـنَ انحـدارْ

وصــولاً لـواســطَ مهدِ القـرارْ

لتحكي حكايةَ مَنْ ما انحنــى

كسـقراطَ كــانَ بـصـدقِ الوفـا (٩)

* * *

و يَصحبُني حُبُّ هـذا الـعـراقْ

لصوبِ (العمارةِ) حيثُ الأصولْ

و حيــثُ (المشــرّحِ) أمـواجُهُ

تحاكي ابتسامةَ ثغرِ الحبيبْ (١٠)

و أوّاهُ مِنْ رحـلتـي يـا عراقْ

فـ(قلعةُ صالحْ)

و هذا (العزيرْ)

يسوقانِ رَحْلي تُجاهَ الجنوبْ

* * *

و مَرّ جناحي أعالــي الــفـراتْ

ديـاراً سَمَا فـيـها شُـمُّ الأنـوفْ

عريكتُهمْ رغـمَ كــلِّ الـحتـوفْ

أبَتْ أن تَضامَ

و أنْ تستكينْ

فأنبارُنا

عزمُها لايَلينْ

* * *

و يمضي الفراتُ بكلِّ الحنينْ

الى حيثُ بابلَ

في الأوَّلينْ

الى شطِّ حلَّتِها المستريحْ

* * *

و يـعـدو يـمـيـنـاً بشـطـآنِهِ

لأرضِ القداسةِ في كربلاءْ

لِيَرْوي الشـهادةَ والكبريـاءْ

* * *

و سارَ الفراتُ يحيّي الأمامْ

هُمامـاً هصـوراً عَلِيَّ الـمقـامْ

يُحييـكَ يـا راقـداً بـالنـجـفْ

عليـكَ الدمـوعُ مُحـالٌ تَجِفْ

* * *

و طافَ الفراتُ بأرضِ السوادْ

و جـالَ بـ(ديـوانِهـا) ثـمَّ عـادْ (١١)

بـكـلِّ الثـبـاتِ يـشـِدُّ الـرِّحـالْ

* * *

يُغني لسـومرَ لـحـنَ الوصـالْ

لِسمراءَ كانَتْ

تناغي النخيلْ (١٢)

لوركائها بنـتُ عـالـي التـراثْ

نخلُ السماوةِ يَسْتَغيثُ ويشتكي

و يصيحُ مَرّتْ قربيَ السمراءُ

يا نخلُ مهلاً ، لا عليكَ ودلّني

يـا نخلُ أيـنَ المرأةُ السمراءُ

هذي السماويّاتُ لحنُ قصائدٍ

بيضُ الوجوهِ أنوفُها شَمّاءُ

* * *

يَمُرُّ الـفـراتُ بـ(ذيـقـارِنـا)

يعانـقُ بالـشـوقِ أهـوارَهـا

كأمٍّ رؤومٍ دَنَت فـي حُبـورْ

تُسرّحُ خُصْلاتِ طِفلِ جميلْ

* * *

و تمتدُّ بي دجلتي والفراتْ

لعرسِ اللقاءِ

الأثيلِ العَذِبْ

الـى بصرةِ العزِّ والمكرماتْ

تنامُ على

خدِّ شطِّ العَرَبْ

* * *

تحيةُ ناسـي لأمِّ الخـصـيـبْ (١٣)

لجيكورِ سـيّابِـهـا والبـُوَيْـبْ (١٤)

عن الفاوِ أقدَامُنا

لن تغيبْ

فَحِنّاؤهـا عـنـدَ أهـلِ الـعـراقْ

تُخَضِّبُ بالوجدِ أحلى الكفوفْ

* * *

فهذا العراقُ

فَهَلْ مِنْ مُجيبْ ؟!

نَعيشُ

و يحيى العراقْ

العراقْ

***

د.حسين يوسف الزويد

.........................

(١) زاخو مدينة في اقصى شمال العراق ويمر بها نهر الخابور الذي يصب بنهر دجلة في منطقة فيشخابور عند الحدود العراقية التركية السورية.. (٢) حبيب هو الشاعر أبو تمام ، حبيب بن أوس الطائي ..(٣) سنحرب هو الملك الآشوري سنحاريب ...(٤) المقصود بها الشهداء الأربعين من جيش الفتح الأسلامي الذين استشهدوا خلال فتح مدينة تكريت وتوجد حاليا قبورهم في المدينة في الموقع المسمى مزار الأربعين..(٥) إشارة الى الإمامين العسكريين من ابناء سيدنا الحسين (ع) ..(٦) إشارة الى المقولة المشهورة وامعتصماه التي كانت سبباً لفتح عمورية في عهد الخليفة المعصتم ..(٧) إشارة الى الإمام الكاظم (ع) ..(١٤) إشارة الى الإمام (أبو حنيفة النعمان) ..(٩) إشارة الى ثبات المتنبي على قوله الذي كان سبباً لمقتلهِ كما تجرع سقراط السم ولم يتنازل عن رأيه في قتل من يفسد آراء الشباب رغم أن اتهامه كان باطلاً..(١٠) إشارة الى الأغنية الجميلة للمطرب الكبير فؤاد سالم والذي يقول مطلعها : مثل روجات المشرح ترف ضحكاتك وأحلى .. الخ (والمشرح هو أحد فروع نهر دجلة الثلاثة والتي تصب في هور الحويزة شرق مدينة العمارة)..(١١) المقصود (بديوانها) مدينة الديوانية..(١٢) إشارة الى احدى أغاني المطرب الشهير حسين نعمة والتي يقول مطلعها : نخل السماوة يگول طرتني سَمرة ...الخ..(١٣) المقصود مدينة (أبو الخصيب) المعروفة..(١٤) جيكور هي قرية الشاعر الخالد بدر شاكر السياب في ابي الخصيب والبويب هو أحد أنهار المنطقة.

 

في نصوص اليوم