نصوص أدبية

مُحَمَّدْ جَوَادْ سُنْبَه: أَنَا وحِمَاريَ وقَانُوْنُ المُوازَنَةْ

جَاءَنِي حِمَاريَ بَيّْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءْ.

مُطَأْطِئَ الرأْسِ؛ وكَأَنَهُ يَحّْمِلُ هَمّْاً بالخَفَاءْ.

أَثَارَ مَنْظَرُهُ في نَفْسِي مَشَاعِرَ الحُزّْنِ والبُكاءْ.

قُلْتُ:

يَا (أَبَا الحَيْرانِ)؛ لَمّْ أَرَكَ مُنْذُ يَوْمَيْنِ؛ لِمَ ذَا الجَفَاءْ؟.

أَ تَدّْرِي إِذا لَمّْ أَلقَكَ؛ في كُلِّ صَبَاحٍ ومَسَاءْ.

يَنْتَابُني اكتِئابٌ؛ ويَنْقِطعُ عِنْدي الرَّجَاءْ؟.

فَأَنْتَ سَلْوَتِي ومُنْيَتِي؛ وَهَبَتّْكَ لِي إِرَادَةُ السَّمَاءْ.

قَالَ لِي حِمَاري (أَبُو الحَيْرَانِ):

لَقَدّْ سَئِمّْتُ عَيْشِي؛ مِنْ قِلَّةِ الأَعْلافِ والأَعْشَابِ وشِّحَةِ المَاءْ.

فَقَدّْ جَفَّ الزَرْعُ؛ وصَارَتْ أَرْضُ الرَافِدَيْنِ جَرّْداءْ.

لَقَدّْ مَسَّنَا الضُرُّ وانْقَطَعَ فِيْنَا الرَّجَاءْ.

أَيْنَ المَفَرُّ يَا (ابْنَ سُنْبَه) وأَعْلافُنَا فِي شُحٍّ وغَلاءْ.

وَلا الأَرضُ مُمّْرِعَةٌ بِالعُشّْبِ؛ فَتَجُوْدُ عَلَيّْنَا بالرِزّْقِ بِلا عَنَاءْ.

نُمْسِي نَطْوِيْ الَّليَالِي؛ وبُطُونُنَا خَوامِصُ جَوْفَاءْ.

فَنَحْنُ الحَمِيْرُ، أَيَامُنَا صَارَتّْ عَنَاءٌ وفَنَاءْ.

بَعّْدَمَا كُنّْا فِي العِرَاقِ مُتْرَفِيْنَ سُعَدَاءْ.

نَرْفُلُ بِالخَيّْرِ وعَيّْشُنَا عَيْشُ الأُمَراءْ.

عِنْدَمَا كانَتْ أَرضُ الرافِدَيّْنِ؛ جَنَّةً مُوْرِقَةً زَهْرَاءْ.

قُلْتُ:

لا تَثريْبَ عَليّْكَ يَا (أَبا الحَيّْرانِ)؛ فَأَيْنَ يَكّْمُنُ البَلاءْ؟.

فَالأَزَمَاتُ فَوّْقَ رؤوسِنَا تَدُوْرُ دَوّْرَ الوَّبَاءْ.

فَنَحنُ البَشَرُ؛ لا زِلنَا في فَلَكِ أَزّْمَةِ الغَلاءْ !.

وَالآنْ صَارَتْ أَزمَتينِ؛ أَزمَةَ الحَميّْرِ وأَزمَةَ أَبْنَاءِ حَوّاءْ!.

وَ لا نَدّْري أَيْنَ سَيَنْتَهي الحَالُ؛ فَكُلُّ الأُمُورِ صَلّْعَاءْ. (صلعاء: داهية ، مصيبة)

قَالَ أَبُو (الحَيّْرانِ):

المُشّْكِلَةُ تَكمُنُ في أَعْضَاءِ مَجّْلِسِ النُّوَابِ الأَجِلّْاءْ.

فَهُمّْ لا يَقُرُّوْنَ المُوازَنَةَ، فَتَتَوَفَّرُ لَنا الأَعّْلافُ والغِذَاءْ.

وتَنْكَشِفُ عَنّْا هَذِهِ الغُمَّةُ الغَمَّاءْ.

وَ تَزُوْلُ عَنّْكُمّْ أَزْمَةُ التَّعْيينِ وأَزمَاتُ الشَّقَاءْ !.

قُلّْتُ:

إِذَنْ سِرُّ المَشَاكِلِ مَمّْسوكٌ بِأَيْدِيْ النُّوَابِ الأَجِلّْاءْ ؟.

قَالَ حِمَارِي (أَبُو الحَيّْرانِ):

إِيّْ واللهِ يَا (ابنَ سُنْبَه)،

كُلُّ الأَزَمَاتِ زِمَامُها بأَيّْدِ أُولئِكَ الوجَهَاءْ.

قُلْتُ يَا (أَبَا الحَيّْرانِ):

أَشدِدّْ حَيَازيْمَكَ ضُحىً قَبّْلَ الغَدَاءْ.

سَنَمّْضِي مَعاً إِلى مَجّْلِسِ النُوَّابِ؛ رَغّْمَ جُوْعِكَ والعَنَاءْ.

سَنَدّْخُلُ أَسّْوارَ المنّْطِقَةِ الخَضّْراءْ.

وَسَنَلّْتَقِي بِحَضَرَاتِ النُوّْابِ الكُرَمَاءْ.

وَسَنَشّْرَحُ لَهُمّْ مُعَانَاةَ الحَميّْرِ؛ فَهُمّْ أُنَاسٌ فُضَلّْاءْ.

يُقَدِّرونَ العَزيزَ إِذَا ذَلَّ؛ ويَرفَعُوْنَ شَأْنَ الأَعِزّْاءْ.

فَمَصّْلَحَةُ العِبَادِ عِنْدَهُمْ؛ كالصَّلاةِ والصَوّْمِ والزَّكاءْ.

قَالَ (أَبو الحَيّْرانِ)، بصَوّْتٍ فِيهِ نَبرَةَ اسْتِهْزَاءْ !!.

إِذَنّْ سَيُفرجُ الهمُّ عنَّا ؛ باذّْنِ اللهِ بمُسَاعَدَةِ الشُرَفَاءْ.

قُلّْتُ:

نَعَمّْ... فَهُمّْ أَهْلُ الجُوْدِ والخَيّْرِ والعَطَاءْ.

قَالَ لِيْ (أَبُو الحَيْرانِ):

يَا ابْنَ (سُنْبَه)؛ لَوْ رَفَسّْتُكَ رَفْسَةً صَمّْاءْ.

فَهَلّْ يَعّْتِبُ النَّاسُ عَلَيَّ ويَتّْهِمُوْنَني بِالغَبَاءْ؟.

قُلّْتُ (مُتَعَجِباً مُسْتَغّْرِباً مِنْ إِجَابَتِهِ الشَنّْعَاءْ):

لِمَ يَا أَبَا (الحَيّْرانِ) مِنْكَ هَذا الجَّفَاءْ ؟.

قَالَ (أَبو الحَيّْرانِ):

لَوْ قُلّْتَ مَقَالَتَكَ ذِيْ؛ في مَجّْلِسِ الحَميّْرِ الأَخِلّْاءْ؟.

لَنَهَروْكَ نَهّْرَ ذَلِيّْلٍ قَدّْ أَسَاءْ!.

قُلّْتُ:

هَوّْنْ عَليّْكَ يا (أَبا الحَيّْرانِ)،

وَ هَدِّئْ مِنْ رَوّْعِكَ... فتِلكَ غَضّْبَةٌ مِنّْكَ حَمّْقَاءْ !.

قَالَ (أَبو الحَيّْرانِ):

لَوْ أَنَّ مَجْلِسَ النُّوابِ؛ يَحِلُّ مَشَاكِلَ العِبَادِ بسَبيّْلٍ سَوَاءْ.

لأَقرّْوا المُوازَنَةَ؛ وصَارَ النَّاسُ بِلا هَمٍّ وَلا لأْوَاءْ. (لأواء: ضيقُ المعيشة)

وَلمَا صَارَ حَالُكُمْ كَحَالِنَا.... سَواءً بسَواءْ.

ولمَا صَارَ حَالُكُمْ كَحَالِنَا.... سَواءً بسَواءْ.

***

مُحَمَّدْ جَوَادْ سُنْبَه

في نصوص اليوم