تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

تماضر كريم: تدخين

ترددتُ كثيرا، قبل أن آخذها منه، بأصابع وجلة. فعل ذلك ببساطة، كما لو أني معتادة. لكني في الحقيقة لم أعرف كيف أمسكها وكيف أضعها في فمي، وكيف سأنفث الدخان. والأسوأ من هذا كله، أين سأدير وجهي، بعيدا عن مجموعة الشباب عن يميني، والرجل مع زوجته عن يساري، والرجل الكهل قبالتي. ثم كيف أستطيع طرد صورة أبي التي نطتْ في رأسي، ما إن استقرت سيگارة الكنت بين أصابعي؟

ببساطة اشعل ولاعته، مشيراً لي كي أقترب.

ثمة صوت ما في أعماقي قال له: شكرا.. أنا لا أدخن، لاسيما في الأماكن العامة! أنا في الحقيقة أخجل كثيرا.. عذرا.. إحتفظ بسجائرك، أنا لستُ مهتمة وليس لديّ شغف بتجربة التدخين.

لكن ذلك الصوت ظل يتأرجح خامدا ولم يبرح الأعماق، حيث تصول الأفكار وتجول.

قربت وجهي من ولاعته والسيجارة في فمي. لاح لهب النار طرف أنفي بخفة، ثم انطفأ فيما توهجت السيجارة، والتمع جمرها ببهاء.

بطرف عيني أردت معرفة ماذا ستقول عيون المحيطين بي، فعلتُ ذلك وأنا أسحبُ نفساً تسبّب لي بعدّة سعلات. إتسعت حدقتا عينيه وهو يقدم لي كأس ماء. فيما رحت أبحث خجلة عن انطباع ما في وجهه.

سيقولُ أني بسيطة وغرّة. عبثا بحثت عما يؤكد ظني، لكنه كان هادئا، ينفث الدخان بثبات ويتحدث عن صديقه في زمنٍ ما. يا إلهي، في مرآة النافذة رأيت وجهي، كنت كمن يشرب قدح عصير! هذا ليس تدخيناً!

أنا مضحكة!

أخرجت السيجارة من فمي وفركتُها في المنفضة، ثم آه.. يا للهول! كنت أمسك السيجارة وهي بلا جمرة.. لقد انطفأت دون أنتبه!

نظرتُ مجدداً إلى وجهه الساكن، ثمة ابتسامة تلوح في ملامحه. لقد اكتشف أني ساذجة! وفي منزله، سيتذكر ويضحك كثيرا، يضحك حتى الإعياء.. قلتُ بألم:

-تظن هذا مضحكاً؟! ها !

-‏ماهو؟

-‏أنت تعرف!

-‏لا.. لا أعرف.. ماذا هناك؟

-‏بخصوص السيگارة.

-‏أهااا.. هههه.. لا تهتمي.. كثيرون يمسكون السيگارة بالمقلوب!

***

قصة قصيرة

تماضر كريم

في نصوص اليوم