نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: أنثى بعيدة عن طين الأرض

طفلة صغيرة، عمرها لا يتجاوز ثلاث سنوات، هادئة ساكنة، لا تتحرك من مكان اقرتها أمها فيه..

وجه دائري صبيح، ترمي نظرات هادئة،خجلة من عيون لوزية، واسعة بأشفار طويلة، أنف دقيق صغير يشمخ بأرنبة الى أعلى، أما شعرها فبني غامق يمتد الى كتفيها في ظفيرة أنيقة سميكة ..

بحة صوتها إذا تكلمت تمنحك خشوع السكينة ..

أتت الصبية في رفقة أمها السعدية التي اقترحت عليها إحدى السيدات العمل في بيت رجل كبير السن،رفض الزواج، مفضلا امرأة أنيقة حادقة بمقابل شهري، تهتم بشؤونه..

تجاوزت السعدية العقد الرابع من عمرها،وقد كانت متزوجة بحمَّال في السوق المركزي، سبق له الزواج ثلاث مرات الى أن يئس من الخلفة بعد تأكيدات من أطباء زارهم ؛جميعهم قد أكدوا له عقمه ..حتى أن أحدهم قال له:

"لن تلد ولو ولج الجمل في سم الخياط"

بعد عشر سنوات من زواج يتحرك جنين في رحم السعدية وما أن أبلغت هذه الزوج حتى تحول الى حيوان شرس يقتل الشك كل ذرة من إنسانية تسري في دمه،وقد صمم على أن يقوم بتحليل DNA لاثبات بنوة ما سيخرج من بطن زوجته ..

تحليلات الوليدة قد كذبت كل ظنون الأب، كما خالفت تقارير الأطباء،ورغم ذلك ظل الرجل ينكر أبوته للصغيرة الى أن طلبت السعدية الطلاق،متنازلة عن كل شيء أمام ما صارت تعانيه من تضييق وشتائم،ركل ورفس وقسم يومي عن طهرها وعفتها على المصحف ..

انحازت السعدية الى أختها المتزوجة تنفق على نفسها وعلى نجوى وليدتها مما صارت تناله من العمل اليومي في البيوت بعد طلاقها دون أن تهمل مساهمتها كواجب شهري في السكن والماء والكهرباء وحراسة الصغيرة التي تظل في عناية خالتها ..

في السنة الثانية من عمر نجوى انقلب زوج الأخت على السعدية،طمعا في دخلها ثم تحرشا بها .. صار يعترض طريقها بنهار و يضايقها بليل، وأمام رفضها لرغباته والتي لم تقبل بها السعدية لعفتها وتمسكا بقيم دينها واحتراما لأختها، شرعت تفكر في تغيير إقامتها، حتى أختها نفسها، بدأت تخاف على زوجها مما يوشوش لها به من كذب واتهامات في شرف أختها ..

ـ السعدية اصغر مني وأجمل بكثير،وقد ضايقها غياب زوج في حياتها يلبي رغباتها كأنثى لازالت في أمس الحاجة الى من يحرك بها سرير..

ـ من الحزم سوء الظن، وعلي أن أحتاط ..

بدأت السعدية تنتقل بين بيوت معارفها وصديقات يشاركنها العمل اليومي في البيوت تاركة الطفلة يوما هنا ويوما هناك الى أن فتح الله باب الحاج في وجهها ..

كانت الطفلة تقابل الحاج بجلوس وتظل تحدق فيه، عيونها لا تفارقه .

ماذا وجدت في الرجل الشيخ؟ وأي الصور تمثلت لها في الحاج بتخيل؟..

 كانت أمها تتوهم اعجاب الصبية بلحية الحاج البيضاء ونوعية لباسه التقليدي ونسمات عطره التي لا تخبو عن محيطه، أشياء لم تكن نجلاء متعودة عليها، فكل البيوت التي دخلتها مع أمها هي أكواخ فاقة وعوز وعمل مضني لتوفير لقمة عيش، لكن وهي تجد نفسها في دويرة عصرية فسيحة بحديقة صغيرة ونافورة ماء ورجل لا تفارقه أناقة ولا عن وجهه تغيب بسمة فلابد أن يأخذها الانبهار بالرجل وما يملك، لكن ماكان يأخذ الأم باستغراب هو ما أن ينادي الحاج على نجوى حتى تستجيب له بسرعة،تركض اليه وترتمي بين أحضانه بعناق، تقبل خديه ثم تترك رأسها يرتاح على إحدى كتفيه..

كثيرا ما كانت تغفو كأنها عثرت على ضالة قد افتقدتها أو الهام راحة وسكينة بين أحضان الحاج، يتكئ الحاج على ظهره تسنده وسادة كبيرة،ويترك نجوى غافية الى أن تصحو، تضع خديه بين يديها الصغيرتين، تقبل جبهته،تصب عينيها في عينيه ..

ـ ألا نخرج؟

ـ الأمر أمرك!! .. الى أين؟..

صارت نجوى بضعة من الحاج، يتعلق بها تعلق جد بأولى حفيداته، وإليها ينشد بحب، يهتم بلباسها وأناقتها، لا تفتح فمها بطلب الا استجاب لها وبسرعة،و بعد أن كان يلازم بيته منشغلا بما يقرأ ويكتب صار يخرج يوميا والصبية معه، يتفسح ويتجول، ولا يعود الا ومعه كل ما لذ وطاب من شوكولاتا وحلويات وألبسة توسلتها نجوى، والحاج لها قد لبى أمنية ورغبة فسعادة الحاج أن يرى الصبية جذلى يغمرها السنا والفرح ..

كثيرا ما كان يعود الى البيت ونجوى نائمة داخل السيارة،يهاتف أمها لتخرج اليه، تحمل الصبية الى سريرها لكن لا تلبث نجوى أن تقوم وتهرول الى سرير الحاج حيث تكمل نومها ..

بدأت نجوى ترفض النوم في سريرها، فلا تنام الا وهي على فراش نومه قريبة من الحاج تعانقه أو تمسك بيده..

كل مرة نامت على كتف الحاج وهي له في عناق، تحملها السعدية وتضعها في سريرها، لكن ما أن تفتح عينيها وتنتبه إلا وهبت تركض مسرعة الى غرفة نوم الحاج،تندس في سريره،و بين أحضانه تتكوم متى أوى لسريره ثم تتابع نومها ..

لا يصحو الحاج صبحا للصلاة الا وتهب نجوى معه، تدخل بعده الى الحمام، تتوضأ كما تعلمت منه ثم تصلي خلفه ..

كان دعاؤها في آخر كل صلاة كثيرا ما يلهب دموع الحاج في عينيه:

ـ رب احفظ لي هذا الرجل،نجه من الوسواس وجنبه الشرور

رب لا تأخذه الا وقد أخذتني معه في قبره أكون له الأنيس ..

كلما نمت نجوى إلا و صارت أكثر التصاقا بالحاج وتشبثا به..

لما بلغت الخامسة سجلها في روض قريب من البيت لكن ما أن تعود حتى تبادر الى الحاج بعناق وقبل حارة على خده، ثم تخضعه بجرأة نادرة الى سين وجيم ..

هل خرجت؟ أين جلست؟ ماذا اشتريت؟ كيف وجدت نفسك وأنا بعيدة عنك؟

كان الحاج يضحك ملء صدره لأسئلة الصغيرة، حتى إذا نهرتها أمها رد الحاج:

ـ دعيها، هي عاشقة وكل عاشق غيور، فلماذا تحرمينها من متعة السؤال؟

كانت نجوى أيام العطل الأسبوعية تقترح على الحاج مكانا تفضل زيارته وفيه تتناول غذاءها؟ وتشترط عليه نوعية ما تريد أن تأكل؟ ..

صراع السعدية مع بنتها نجوى صار قويا، صراع غيرة وخوف ..

ـ كيف لصبية أن تتحكم في رجل كأنها تتعمد أن تبعده عني بعقل وصدر واهتمام؟ .

.صارت الام تستحيي من مضايقات الصبية للحاج، من اختيارات تفرضها لخرجاتها، وإلحاح في أسئلة تطرحها، فهي من تختار ألبستها وتسريحة شعرها حسب المكان الذي تقترحه على الحاج والرجل خاضع باستجابة لايعارض لها أمرا :

ـ أنتِ بالغت نجوى، الرجل قد يتضايق منا فنجد نفسنا في الشارع ..

تضحك ويأتي ردها كراشدة عاقلة خبرت الحاج وقرأت دواخله:

ـ الرجل أكبر وانبل ماما من كل ما يخامرك ويخيفك ..

أبانت نجوى في المدرسة الابتدائية عن ذكاء خارق واستيعاب لكل ما تتلقاه من دروس، وقد بلغت الى الاعدادي وهي لا تزداد الا التحاما بالحاج ترفض ان تنام بعيدا عنه أو تفارق له فراش، ولاتغمض لها عين الا إذا كانت يدها قلب يده ..

ـ أعرف أنك لست أبي ولا أحدا من أهلي، ولكن ما أعرفه أني متعلقة بك كرحمة، كعطاء من سماء، كفيض من نور يملأ صدري بأنك غايتي التي اوجدني الله من أجلها..

كانت كلماتها أكبر من عمرها،أبلغ من مستواها العقلي، تضرب في رأس الحاج بتفكير وفي صدره باهتزاز، كلما جلس اليها وفتح معها حديثا الا أرهقته عيونها بوميض يسلب منه كل قدرة على المقاومة، وحين كان يصمت ويخفض البصر مستسلما، ترتمي على صدره، ترتاح وقد تغفو وهو السر الذي كان يشغله منذ طفولتها:

ـ لماذا تغفو كلما وضعت رأسها على صدره؟

سألها مرة، ضحكت وقالت:

هي راحتي الأبدية، أحسها في دنياي قبل آخرتي، سعادة لم أجدها الا على صدرك، ثقة وأمنا ..كنت صغيرة،أرى أبي يركل أمي، فيرعف لي أنف من حنق، عنه كنت أبعد النظر خوفا من أن تداهمه مصيبة .من نكرانه لي ومما يسلطه على أمي، كان من سلوكه يضيق صدري. فأكره عنفا يمارس أمام عيوني ..

يوم تفجرت دموع أمي في بيت أختها وقد ضايقها زوج خالتي، بكيت ونمت وصدري يكاد ينفجر من غيظ، ليلتها رأيتك في حلمي قبل أن أتعرف عليك،كنت تسألني:

ـ متى إلي تأتين، أنا تربتك الرحيمة؟..

وحين دخلت بيتك و جالستك لأول مرة لم اتفاجأ بك، كنت اطيل في وجهك النظرولك أدعو براحة البال وطول العمر..كان قلبي يرف على بسمات وجهك ..

اياك أن تقلق مني أو تنفر من عناقي أو نومي معك فانا قدرك وأنت حظي ..

كان الحاج يهتز من كلمات نجوى،هل تتخير كلماتها متعمدة أم تنطق عن فطرة؟ لكن ما كان يحيره أكثر عقلها الصغير الذي يذكر الأحداث ويستوعبها بكل تفاصيلها وما تحدثه في نفسها!! ..

نالت نجوى الباكالوريا بميزة جيد جدا فاختارت مدارس اللغات وعلوم الاعلام، كانت تخطف انتباه الأساتذة والطلبة، أنثى فوق الأنوثة بعقل جبار وفكر خلاق وقدرات هائلة ..

سألها الحاج يوما، لماذا ترفضين العمل في وظيفة؟ فكم من مجلة وجريدة، و كم من كالة أخبارية و محطة فضائية من خارج الوطن ومن داخله قد طلبتك للعمل؟.. الا تعلمين أن وجهك من الوجوه المرغوب فيها إعلاميا؟

قالت: الوظائف للكسالى، للعقول الصغيرة،وانا بك عقلي كبير، وقد أوجدني الله لبيت واحد أكون فيه أكثر من موظفة ..

ـ أي بيت تقصدين؟

ـ وهل لدي غير بيتك؟ .. ألم اقل لك أني قدرك وانت حظي؟..

ـ مجنونة، افكارك تحيرني، هي أكبر منك وابلغ..

ترتمي عليه، تتوسد صدره ثم تغفو ..

كم حرضتها أمها على العمل فترفض بإصرار، بل فرضت على أمها أن تمنع نفسها من تسلم الراتب الشهري الذي يدفعه لها الحاج :

ـ الرجل لا يقصر في مأكل ولا مشرب، يوفر لنا كل حاجياتنا من لباس وغير قليل من كماليات،تعامله معنا تعامل زوج يتفانى في حب زوجته وأب ينظر الى بنته الوحيدة بعين الرضا وتحقيق الرغبات ..

كُثرٌ هم الشباب الذين طلبوا يد نجوى، كانت لهم جميعا رافضة بإصرار..

سال الحاج السعدية يوما:

ـ افاتحك السعدية في موضوع ربما أكون فيه متطفلا، لكن شفيعي حبي لنجوى وحرصي عليها ..الم تلاحظي على نجوى وانت معها في الحمام ما يخالف تكوينها الجسدي كأنثى؟

ضحكت وكأنها تريد أن تزرع في نفس الحاج يقين الثقة والصدق:

ـ أعرف ما تقصد، نجوى بنت كباقي البنات، حين تتعرى أمامي في الحمام تصير كصنم للفتنة ينتصب، جمال وقدٌّ منحوت قد تغري ذكرا وأنثى بتقاطيع جسدها، أمس فقط سألتها لماذا تتهربين من الزواج؟ هل أنت مرتبطة مع الحاج بعلاقة؟ وأستسمحك عن سوء الظن ..

نظرت الي نظرة استنكار وقالت:

كيف وسوس لك شيطانك ان ينزل مثلي ومثل الحاج الى درك أفكارك؟

الم تكتشفي بعد أني نور وجسدي بعيد عن طين الأرض؟

أحب الحاج فوق ما قد يصوره عقلك وخيالك الجانح،لكن حبه من نوع لم ولن يعرفه بشر ..

 نكرني ابي فتبناني، طردتني خالتي فأواني، كنت أراه في أحلامي قبل أن أعي الحياة حتى اذا دخلت بيته ورأيته،ادركت اني اليه مرسلة من الله لأحميه من نفسه ومن كيد شيطانه، أن ابسط أمامه طريقا واضحا ليسير بلا زيف ولا تحريف، أن أدعو الله أن يهبه من الرزق الذي لا ينفذ ..

جميع الرجال الذين صادفوك طمعوا فيك، نصبوا لك شركا أو إغراء وانت بطمعهم جديرة، شابة جميلة، يراقص العشق عيونها لحياة لم تنصفها،فهل رايت يوما من الحاج ما أقلقك في غيره؟ أو دفع نزرا من الشك في نفسك حول سلوك صدر منه؟ .. هل نسيت أول يوم بعد خروجنا من بيت خالتي التي صدقت وشايات زوجها وساءت الظن بأختها كيف تحرش بك زوج صديقتك، من أول ليلة لنا في وكره حاول أن يضعك في مقايضة بيته بجسدك،ولولا صحوي و صيحتي لتهجم عليك ..

هل نسيت يوم شدتك حمى باهتزاز كيف استدعى الحاج طبيبا الى البيت ثم جعلك تنامين في سريره، لان غرفته بها حمام، أبعدني خوفا علي و تمدد قربك بلا حذر ولا احتراس، حتى يبادر الى مسح سيول عرقك التي اقلقتنا واقلقت حتى الطبيب نفسه وسهر الليل على راحتك، لم يخش عدوى او يحتاط من فيروس، هل حاول يوما بعد شفائك الذي كلفه الكثير أن يطلب تعويضا أويقايضك بتحرش؟ هل رأيت منه مايثيرك؟

الحاج!! .. بنتي تحيرني بدقة ملاحظاتها، بتدخلها في الوقت المناسب للذوذ عني، كلامها حكم اكبر من سنها، خبراتها في الحياة تفاجئني كأم أكبر منها واكثر منها تجربة ..

الحاج!! .. بنتي نجوى لا أظنها الا حاملة نورا تعيش به بين البشر، هدية من الله بعد أن يئس من حملي عراف و طبيب، قريب من أهلي وبعيد، حتى أبوها وبعد تحليلات صارمة لم يصدق بنوته اليها فنكرها بإصرار ..

 صمتت السعدية ثم تابعت: أصدقك القول، كثيرا ما شدتني الغيرة بخناق من نجوى، تقربها منك، دلعها عليك، تطلب ولا تنتظر مهلة فأنت لرغباتها مجيب..

والحق أقول وأستغفر ربي على شيطان تلاعب بعقلي،كم تملكني من شك، وكم من ليلة حرست الظلام برقابة فأخرج خائبة يدمرني سوء الظن ..

أسألك عفوك وإنسانيتك التي عنا لا تغيب وبها ترعانا رعاية الأوفياء ألا تحمل في صدرك عني ما أنا ارتع فيه مع بنتي ..

كل يوم ونجوى مع ملابسك تستخرجها قطعة قطعة وبها تعتني بطي وإعادة الطي،

تفرض عليَّ كي لباسك التقليدي بدقة، ورشه بزهر ثم تبخيره بعود ومسك

 هل تعرف أنك عمرها ونفسها الصاعد النازل فيها؟

لماذا؟ سر وحده الله به عليم ..

كان الحاج يصغي اليها، وأثر نجوى في نفسه وعقله يستعصي عن التفسير

رزق يتدفق عليه بلا حساب، وصحة وعافية ما يلف ذاته، كم من طبيب قبل أن تسكنه نجوى نصحه بأن يقلع عن كسل وخمول الجلوس في البيت ويتمشى ولو نصف ساعة في اليوم لكنه كان يضرب نصيحة طبيبه بعرض الحائط، لكن اليوم صار لا تأمره نجوى بخروج حتى يبادر الى لباسه الرياضي والذي اختارته نجوى بذوقها ثم يسارع الى الشاطئ يغدو ويروح الى أن يتعب ..

تكبر نجوى وتصير أنثى تثير الرقاب بالتفات، بها يتقدم العمر وتزهو فتنتها بكمال، سحر براني متكامل التقاطيع، لمعات عيون، وزهرات بسمات وعلى لسانها يقطر الشهد بحكمة كلمات ..

احتار أهل الحي أيهما زوجة الحاج؟ المرأة التي أتت البيت خادمة ترتدي البداوة بذوق ولباس وتحولت الى أنثى تتحدى حضارة زمانها بتقليعات رائعة لكنها محتشمة؟ أم بنتها التي دخلت الحي صبية صغيرة ثم صارت اليوم أنثى ممشوقة القد كم ورد عليها من خطيب من أكبر عائلات المدينة بوظائف سامية أو مقاولات كبيرة ولا أحد قد استطاع الظفر بقلبها ورضاها ..

لكن حين يئس الكل من التقولات والنميمة والتأويلات بحسن نية أو سوء ظن أجمعوا على أن المرأة ليست أما للصبية وأن الحاج يتزوج المرأتين معا بعيدا عن أحكام المدونة وقد استطاع لماضيه الوطني أن يحقق له أحد القضاة رغبته بتقدير..

شِبه ُانطواء أسرة على أسرارذاتها،وبيت لا يمكن أن تخرج منه صيحة ولا همسة، قد تصادف الأسرة في مسجد أو سوق أو منتزه او مطعم خارج أسوار المدينة، لكن أنى وجدتهم لا يمكن أن تستمد منهم غير فرحة محيا وانشراح صدر وتحيات بكلمات تغمرك بالسكينة والحب ..

بلغ الحاج من العمر عتيا ولحقت به السعدية بعجز ولا زالت نجوى أذا ضمها الحاج بعناق وضعت رأسها على أحد كتفيه ثم غفت، ولا تنام الا قربه على سريره ويدها قلب يد الحاج أو تعانقه،ذراع تحت عنقه وأخرى على رأسه، كما أنها هي من صارت تقود سيارة الحاج لكن لا يمكن أن ترى أحدهم دون الآخر فقد يخرجون صباحا لفطور على الشاطئ أو غذاء خارج المدينة أو سفرة لا تطول..

ذات ليلة من ليالي فصل الشتاء الباردة، قامت السعدية لصلاة الفجر وكعادتها ما تجد الحاج قد سبقها،ترافقه نجوى بمساعدة، لكن الليلة قد تأخرا عن عادتهما ..

 تقدمت من غرفة نوم الحاج فوجدته مستغرقا في نومه، ونجوى معه تقابله وجها لوجه على السرير، وجهان يفيضان انشراحا وأنوارا لألاءة، كأنهما يتبادلان البسمات بأيادي متشابكة ..

تضع السعدية يدها على جبهة الحاج فتتراجع مذعورة ثم تعيد الكرة على جبهة نجوى فيقفز قلبها الى حلقها تفيض دموعها على خديها سواقي ثم تصرخ صرخة تمزق سكون الليل ..

وميض من سنا يلمع بين الجنبات، وأصوات تكاد تملا البيت بصلوات، هبات عود ومسك وزهر تملأ عليها البيت ..

مات الحاج ومعه ماتت بنتها نجوى!! ..

أي سر مقدس كان يجمع الروحين؟

على أكثر من عمود صحافي خبر انتشر بذيوع كالنار في الهشيم :

خادمة تسمم سيدها الهرم وزوجته الصغيرة غيرة وحقدا ..

لكن بعد ثلاثة أيام تقف السعدية أمام كاميرات التلفزة تعلن حقيقة حياة ووفاة، وطهر بيت، ورذالة صحافة فقدت المهنية فضاع منها الصدق ومات على لسانها الحق فصارت على الكذب تقتات ..

***

محمد الدرقاوي - المغرب

في نصوص اليوم