نصوص أدبية

سنية عبد عون رشو: اللائذ بالصمت

هي من تعرف طبعه.. وتعرف انه انتهج خطة جديدة في التعليم الحديث وترسيخ الاسس الصحيحة لزرع المفاهيم العلمية والتربوية بين الطالب والأستاذ في التعليم الجامعي وبما فيهم طلبة الدكتورا.. ويبدي تحرجه وربما رفضه احيانا ان يمنح شهادة الدكتورا الا لمستحقيها ومن تكون رسالته من النوع الذي تتوافر فيها كافة الشروط المرضية لأعضاء اللجنة المشرفة والتي هو من يترأسها..

دفعها شوقها لحضور مناقشة أطروحة الدكتورا لأحد طلابه..

تقول: قصدته قبيل الوقت لأمتع ناضريّ بأجواء الجامعة وأتذكر الأيام الخوالي التي عشتها في هذا الحرم المقدس برأيي.. فهي كانت احدى تلميذاته التي عشقت فيه وسامته وبساطته وكذلك أمانته وصدقه في اعطائه لدروسه بطريقته التي عرف بها لدى الجميع والتي كانت مغايرة تماما عن بقية زملائه وبطريقة محببة لنفوس طلابه..

وقفتْ بين كلية الآداب وكلية العلوم لتتذكره حيث كان سابقا يجلس قبالتها في نادي الطلبة مع مجموعة من طلابه وهو يرتشف شايا أو قهوة وتكتفي هي بالنظر اليه من بعيد ومن هذا المكان بالذات دون ان ينتبه اليها..ضحكتْ في سرها ثم مضت باتجاه غرفته..

تقول: وحين اقتربت من الغرفة لاحظت أوراقا متناثرة فوق أرضيتها وتفاجأت بموقف بينه وبين مجموعة من الرجال كانوا يبدون وقاحتهم بصراخ غير مبرر ودون خجل أو احساس أنهم داخل حرم الجامعة لذلك أصابني الذعر.. وتحرجت ان أدخل غرفته رغم انه أصبح بمواجهتي وهو في حالة انفعال حاد دون ان ينتبه لوجودي.. كأنه فقد سيطرته على الفاظه ووقاره.. ولم أفهم سبب صراخ الطرفين وشدة انفعالهم..

ولا أدري ان كانوا من كادر الجامعة أو من خارجها..عدت الى بيتنا وشعرت بضربات قلبي المتلاحقة حزنا عليه فهو لا يتمنى ان يؤذي أحدا أو يغمط حق تلميذ من تلاميذه طيلة مدة تدريسه داخل الجامعة لسنوات عديدة ومذ كان يحمل شهادة الماجستير حين تعرفت عليه.. وحين سألني أبنائي عن نتائج زيارتي حدثتهم بأمور بعيدة لا تمت لصلب سؤالهم بصلة حدثتهم عن ذكرياتي حين كنت طالبة وكيف تطورت الجامعة بأبنيتها الحديثة وحدائقها المتنوعة الاشجار والزهور ولم أحدثهم بشيء مما رأيته وآثرت الصمت..لعله يحدثني فيما بعد كما تعود دائما بعد ان نشرب الشاي بجلسة المساء في حديقة منزلنا..

لكنه التزم بصمت مخيف هو الآخر !!!!

منذ ذلك اليوم وهو يمر بحالة ذهول وصمت كأنه مستاء من نفسه.. وكأنه انسلخ عن طبعه.. ثم اعترته صفة جديدة لم يكن يتميز بها من قبل فقد بدا انه لم يستطع ان يخلد للنوم في موعده الدائم.. ولم يعبر عن رأيه في الاحاديث التي تدور بيننا في البيت والتي تطرح للنقاش فيما يخص أمور أولادنا ومشاكلهم سواء في البيت أو المدرسة..

دخلتُ الى غرفة مكتبه أحمل له قهوة المساء عله يزيح ثقل همومه ويحدثني عن تلك الحادثة التي قلبت كيانه ومزاجه وأحاديثه..لكنه حدثني عن كيفية حصوله على شهادة الدكتورا والمصاعب الجمة التي واجهته وكيف ان أستاذه المشرف على رسالته قد رفضها لعدة مرات ثم يعيد هو الكرة دون ملل أو جزع ودون ان يستعين بأحد لأقناع أستاذه لقبولها..انما يحترم جدية الموضوع ونبالة أستاذه لتحقيق أفضل الأهداف العلمية وتوخي مصداقية الرجل بعلمه..

كنت أنصت لكلماته وكأني طالبة في قاعة الدرس بالرغم من اني عايشت معه تلك الظروف بحذافيرها..وتحملت كل أعباء البيت والأبناء اضافة الى وظيفتي في التدريس..أما تلك الحادثة فقد تجاهل ذكرها تماما.. ولم أجرؤ على سؤاله عنها..

بعد حين طلب مني ان أساعده في نقل محاضرة الى حاسوبه وخلال تصفحي عثرتُ على مسودة كان قد كتبها.. انه طلب تقدم به لعميد الجامعة.. ويطلب فيه إعفائه من ترأس اللجنة المشرفة لمناقشة رسائل الدكتوراه

***

سنية عبد عون رشو

في نصوص اليوم