نصوص أدبية

عبد اللطيف رعري: شَرِبِتُ حَلِيبَ المَتاهَةِ فَكَانَ ضُرّاً

شيّعتُ ويا ما شيَّعتْ..

فِي صَحرَاءِ هَذا القَلْبِ..

اللَّوْن باللَّوْنِ..ضَوءٌ خَافتٌ رُبَّما يَطُولُ

العُمْر بالعُمْرِ..

صَبْرٌ أيُوبيّ حَتْماً يَهُونُ

اللَّيِّن حِينَ يُعْصَرُ واليَابِس حِينَ يُكْسَرُ..

يَنْفَلتَانِ ِمنْ بيْنِ الأصَابِعِ دُخَانًا.. تُرَاباً.. عَرَقاً.. دَماً..

الماء وأنَا أغْرَق

النَّار وأنَا أُحْرَقُ..

الدم وانا أهرقُ..

فِي صَلاتِي آخِرَ دُعَاءٍ للرَّبِ أنْ تحْرقَ الشَّمْسُ شَظَايَا الأجْرَامِ

فَعُيونُ نِسَائِنَا بِلَا كُحْلٍ مُغْمَضَة..

والسِّيقَانُ بِلاَ وَشْمٍ لا تَعْصِرُ خَمْراً.

مَسْحُوقُ القَمَرِ فِي  يَدِي

لِكِتَابَةِ قَصَائِدَ المَطَرِ

وتلْوِينِ مَدْخَلِ المقْبرَةِ..

*

الرِّيحُ وأنَا أطِيرُ نِصْفَ مَلاَكٍ هارِبٍ مِنْ وَهْجِ العِبادَاتِ..

مَكْمُولَ الشَّهوَةِ لِطَمْسِ  خَرَفِ الحِكَايَاتِ..

زَاهِدٌ فِي عِشْقِ نَجْمةٍ

تَشِعُّ فِي سِرْدَابِ اليَّقَظَةِ

تَخْلِطُ الحُلْمَ بالرُّؤى..

تَخْلِطُ بَيْنِي والجِنَّ الذِّي لَسْتُ أنَا مَائِيَتِي بِنُزُولِ المَطَرِ..

سَمَاءَهَا بِأدْخَاشِ البَشرِ..

تَلْطِمُ سَلْوَايْ بِأبْرَاجِ الحَجَرِ

وآهٍ منَ النِّكَايَاتِ !

وسَاعَاتِ الضَّجَرِ

وآه مِنْ لَسْعَةِ النِّهَايَاتِ !

ومَا غَمَّضَهُ القَدَرُ

*

شيَّعْتُ أغْلَى الذِّكْرَيَاتِ عَبْرَ الرِّيحِ ولاَ كَفَنٍ..

فَمَا طَارَتْ سوَى عَيْنَايْ..

تعُدُّ طَعَنَاتِ غذرِ الزمانِ..

خبَّأتُ في عَرْضِ السَّمَاءِ دَمْعَة.. ثمَّ قبَساً مِنْ نَارٍ..

وعُدْتُ أكْنِسُ غُرَفَ المَتَاهَةِ مِنْ عَوِيلِ الذِئابِ..

ومِنْ بَقَايَا القُبَلِ الكَاذِبَةِ..

ومنْ سحْرِ الجَاذبِيَّةِ العَمْيَاءِ علَى طَاوِلَةِ الحُمْقِ..

وَكَسَّرْتُ زُمَّارَةَ الأنَا عِنْدَ الرَّتَاجِ الرُخَامِي..

مَزَّقْتُ مُلْصَقَات العَهْدِ القَدِيمِ..

اقْتَلَعْتُ ِمنْ مِزْهرِيَاتِها أكَالِيلَ الأظَافِرِ التِّي تَنْمُو بِبَشَاعَةٍ

غَرَسْتُ أغْصَانَ رَيْحَانةٍ لا تتَوقّفُ عَنِ الصُّعُودِ..

وَكَمْ كَانَتْ ثَمَالَتِي بِلَا شَقَاءٍ..؟ورقْصَتِي علَى نِصْفِ الڤَالسْ مُحْكَمَةٌ..

وانا أصِيحُ بِطَبْعِي الغَجَرِي بينَ الرُّبَى والتِلاَل..

عَنْ ضَيَاعِ العِشْقِ الأبَدِي

صَرَخْتُ فِي وَجْهِ طُفُولتِي..

ولَمْ يَحْمَرَّ وَجْهِي..

انا منْ  كسَّرَ المَرَايَا عُنْوَةً، وكدَّرَ صَفَاءَ السَّوَاقِي ليَتَأَكَدَ الجَمِيعُ بِخُبْثِهِ بالبصِيرَةِ..

لَعَنْتُ لَحَظَاتَ الحَظِّ الهَارِبِ مِنِّي..رَمَيْتُ سَفِينَةَ النَّجَاةِ بِعَيْنٍ حَاقِدَة فَتكَسَّرَتْ..

تَيَّكْتُ أمْوَاجَ البحْرِ فَصَارَ لِلْجَنُوبِ شَمْعَة وللِشَّمالِ شَمْعَة..

وأذْكُرُ أنِّي قَبَّلْتُ يدَ شَيْطَانِي  فَفُزْتُ بابْتِسَامَة..

واقْتَرَبْتُ مِنْ ظِلِّي وجَدْتُهُ مَخْمُوراً..

خَرَجْتُ عَارِياً وكَشَفْتُ  انَّ المَجَانِينَ علَى صَوَاب..

*

أنَا حِينَ أرَى جَدَّتِي تُضِيفُ للّبنِ كَأسَ مَاءٍ أدْرِكُ أنَّ اللُّعْبَةَ مُدْرَجَة بَيْنَ سَنَابِلِ القَمْحِ..

وحِينَ تَرْشقُ كَلْبَها بالحَجرِ                     أيقنُ بِلزُومِيَّةِ الاسْتِمْرَارِ..

تمشي بدلال..

تُلَوِّحُ بأكْمَامِهَا وَلَا تُسْقِطُ مِنْ يَدِهَا  دُمْلُجاً وَاحِداً

تَجِدُ جَدِّي يُلاَعِبُ سِكِينَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ  ينْجُرُ قَلَماً مِنْ قَصَبٍ..وينقبُ في محفظتهِ عنْ سِرِّ شَبَابِي..

أعِي تَمَاماً أنَّ حَرْبَ المشَاعِرِ  سَتَقْصِفُ القَاصِّي فِي القَلْبِ..لِحِمَايَةِ أصْلِ الشَّجَرَةِ

وحْدَهَا الحَرْبُ فِي مُنْتهَى الغُمُوضِ، لِكُلٍّ طَرفٍ حِيَّل

*

شيّعتُ ويا ما شيَّعتْ..

فِي صَحرَاءِ هَذا القَلْبِ..

هَذِهِ الإشْفَةُ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ..

وهذه الكأسُ مِنْ فَرْطِ بُكَاءكَ يا قَمَرُ أغُوصُ فِيهَا حتَّى الصُّبْحِ

أمَّا ثَالِث أصَابِعِي فلاَ يُحرِّكُ أُسْتَ الخِيَانةِ..

وَأنْفِي لاَ يُقَاسُ بِشَقَّةِ البَابِ..

لِي مِزْمَارٌ مَخْرُوطٌ يحْفَظُ نَفْخَةَ أبِّي الأخِيرةَ

أُرَقِّصُ بهِ ثعَابينَ غَضَبِي كُلَّ لَيْلَةٍ

كيْ أنامَ علَى هَوِيَّتِي القَديمَةِ..

نَفِيخُ إنْذَارٍ عَنْ عَصَبِيَّتِي إزَاءَ

الَمرْأَةِ التِّي أجُرُّهاً منْ شَعْرِهَا

هَيَّ فَقَطْ:

دُمْيَةً  مِنْ خُيُوط الشَّجَرَةِ  العَنْكَبُوتِيَّةِ التِّي نَظَمْنَا مِنْهَا عَقِيقَ العَرَائِسِ..عُذْرِي قُرْبَهَا أنَّ المَسِيحَ يسْمَحُ لِي بالمُعٌصِيَّاتِ..

*

شيّعتُ ويا ما شيَّعتْ..

فِي صَحرَاءِ هَذا القَلْبِ..

أحْفُرُ قَبْراً لا يُشْبِهُ قَبْراً

فإمَّا  حَمَامَة

أو ثَعْلَبٌ مَاكِرٌ..

لا خيَّارٌ..

كُلٌ جَسدٍ يَشْتَهِي هَوَاهْ

وجُفُونِي تَشْفَطُ  عنْهَا الرِّمَال

وأهْرَقُ دَمْعِي عَلَى الشَّهِيدِ

فَهُوَ مَنْ أخَذَ المِفْتَاحَ وأخَذَ البَالْ

*

شيّعتُ ويا ما شيَّعتْ..

فِي صَحرَاءِ هَذا القَلْبِ..

ما رماهُ اليّمُ في اليَّمِ

وما أقعدهُ السَّقَمُ في العُقمِ

وما هَمَّهُ الحُزْنُ في الركنِ..

في أذْنَى مِنْ رَمشَةٍ خَمَدَ مِصباحُ سمائي

سَطَا اللَّيْلُ علَى لَيْلتِي

تَجرَّعَ مِحْبَرَةَ دَمِّي

وأغْرَز في العَيْنِ الوَجِعَة يَرَاعَ القصَبِ            الآخِذُ بِالثَّأرِ..

وحَفَارُ القُبورِ

يدٌ واحِدة..

سَاكِبُ الدَّمْعَةِ حَجرٌ

وسَاكِبُهَا آخرٌ ،أفاضَ تَلْتَلَةَ الطيُّورِ قبلَ هَطْلَةِ المَطرِ

بِلِسانٍ أطوَلَ منْ أنهُرِ العَذابِ..

رُضَابُ البنْدُقياتِ خيْطٌ منْ سَماءِ الإنْتفَاضَةِ..

دُخَانُ الِمدْفعِيَّاتِ تَكْمِشُهُ الأيَادِي قَبْلَ أنْ يَصِيرَ مَاءاً

لا أحَدَ يخْتَبِئُ بظِّلِ شَجَرَة ولاَ  فِي الطَّرِيقِ مِنْ يدْعُوكَ ِلسَلاَمٍ..

وحَالُ أصَابِعِي مُهَلْهَلَة تَعْزِفُ أجْوَاءَ حَزِينَة..

لَيْتَهَا أخْطَأَتِ الزِّنَادَ..

ليْتَهَا مَلَّتْ العِنَاد

***

بقلم عبد اللطيف رعري - مونتبوليي

في نصوص اليوم