قضايا وآراء
توليد المضمون الرمزي في مسرحية (الصدى) للدكتور مجيد الجبوري / حيدر الاسدي
أستاذ مساعد، تدريسي في كلية الفنون الجميلة، جامعة البصرة.ومن شارك الفنانة بشرى في التمثيل الفنان سمر قحطان يذكر أن هذه المسرحية قدمت لأول مرة في منتدى المسرح ببغداد عام 1984وقام بإخراجها الفنان (عزيز خيون) وأدى أدوارها كل من الفنانة عواطف نعيم والفنانة وجدان الأديب والفنان مجيد حميد وتمت ترجمتها إلى اللغة الكردية وتم عرضها في محافظة السليمانية عام 1989،كما تمت ترجمة نص المسرحية أيضا إلى اللغة الأسبانية لتدخل نموذجا مختارا، ضمن أطروحة الدكتوراه التي تقدم بها العراقي صباح العطية إلى جامعة موريثيا الأسبانية وقدمتها فرقة مسرح الجامعة المذكورة بإخراج من صاحب الأطروحة . بودي ان ادخل في قول أشاري لشكسبير قبل القراءة لنص العمل / الفني، الرمزي، المسرحي، (الرحمة جوهر القانون ولا يستخدم القانون بقسوة الا الطغاة) ثمة رمزية في نص (الصدى) يحتم قبل سبر أغوارها تفكيك النص والخوض في غمار الرموز المزجاة داخلاً، مركزاً إسماعه وأنظاره على البنية والمكونات والجمالية مدياتها وتماثلاتها في العروض والقيم الفنية أي عمليات التركيب والتكوين اللتان تطوقان المشهد المسرحي تجزئة أو التجربة المسرحية بعرضها الكلي.وأخيراً إرسال القيم الفكرية (جوهر الرمز في العمل المسرحي) ولعل تلك المرمزات ترد على قول شائع الانتشار هذه الأيام بتراجع النص أمام الإخراج،وقد قال النص في شفرات العرض بان الوطن (الرمز إلام) ممكن ان يسامح أبنائه وهم مدججون بسيل عارم من أخطاؤهم (الرمز الابن) التي يتحملها الوطن ولكن من غير الممكن نسيان الحيف وطعناتهم ...وثمة اتصال تضاد أو تواصل تبني داخل النص (تيمم إلام ........الابن يسكب الماء بدون تورع) (أم محمـــــد :- الأم؛ يا سيدي كالأرض...لا يمكن أن تكون قاسية على أبنائها ؛لكنها إذا أهملت..جفت ويبست خضرتها....وإذا انقطعت عنها الميـاه...تشققت قشرتها وغدت أرضاً قاسية جرداء...أمـا الأعمـاق ؛ فأنها تبقى ندية رطبة...هكـذا هي الأم.)(1) تلك الأعماق الرطبة مناغاة لنداوة الماء وهو يغسل الرمز الابن وذلك التراب أرضاً ترابية تيمم إلام / الوطن / كما يقول جون شيد: عندما يكون هناك صوت أصيل في العالم فإنه يصنع مئات الأصداء.أن كل ما يحدد العرض المسرحي وأسلوبه هو مادة العرض
(repertoire) ...مع إمكانية الانطلاق من قانون بنائية وشكلية لتصور قضية ما تصويراً فنياً ....فلو كانت المسامحة بؤرة انطلاق يجب أسباقها بإرهاصات شتى كان قوامها الرمز ...لإفضاء نتيجة ...ألمسامحة ...أن أتمام القضية لا تخلص بالتجزئة وحسب بل الاختيار الشديد للموتيفات الخاصة بالحوار
(حول القضية البؤرة) فاتخاذ الوضعية في النص المسرحي (ينحى بإمكانات مختلفة) (لا تشكل ...صورة فنيه أصيلة ان النشاط الفني الأصلي يظهر فقط ن خلال معالجة هذا المبرر الخارجي لتقديم الأفعال والشخصيات) ان وحدة الزمكان او الحل تنهض متولدة حسب طبيعة الدراما داخل النص بالإيقاع المتواصل ...(الأم :- ما دخلي أنـا؟؟... من أعطاك السلطة في أن تعبث كيف تشاء ؟؟عبد الرحيم :- أنـا أعطيت السلطة إلى نفسي ولست بحاجة لتلقي الأوامر من أحد... الأم :- ولكني آمرك ؛ بإرجاع نعاج الرجل إلى مكانها... عبد الرحيم :- بأية صفةٍ تأمرينني ؟ عبد الرحيم :- ولا تمارسي دور المربية ــــ معي ـــــ يا امرأة) (لقد جاء اللص .... جاء المجرم...جاء السفاح أخيراً)
الرمز في التراث الإنساني = اللص + السلطة والتمرد على الأصل الثابت (إلام = الوطن) والسلطة ومتغيراتها وسرعة إيقاعاتها ...الوطن (إلام) وثباتها مهما كانت الطعون..والمسدس في اليد اليسرى ..!! مع صدى مهيمنة القوة التدميريه الفاعلة (فعل القتل/ المجرم السفاح اللص)
في الصدى لم تكن الشخصيات تلعب دورا أخلاقيا سطحي متأملة بل فاعلية رمزية في النص تتوقف على إيقاعات الحركة لديهم وهذا توليد ذاتي لنمو الحدث ...وما الحوار ألا محتما طبيعيا لجعل تلك غواية شهوة لدى المرسل إليه (الجمهور) وربما تأتي الغواية بانفصام العقل ليس ألا (لا منطقية الابن الرمز) ...فتوظيف الوضعية المستعارة من القص الميثلوجي والمأثور الاجتماعي فيما بعد، لتجتمع بعد تحشيد كل الحالات والصور التي تمر، تبرز في حل العقدة فالتوتر الدرامي والاستدعاء يشكل ذلك الإيقاع ...شاغلا في الخاصية ...فالخاصية المضمونية والبنائية تقعد الرمز مما يصعد من المرسل في فهم المتغيرات التي يتشربها الشخوص ...باعتبارهم (إلام، الابن) شخوص فاعلة تصاعد من العمل،ربما الاشتغال السيمولوجية للدكتور الجبوري جعلت الشخوص بذاتهم مرمزات (للوطن وأبنائه) الحفاظ على الجوهر
(المسامحة) .. (وتنطوي مونولوجات لير المجنون الشهيرة(أيها العراة المعدمون أينما كنتم يا من لا مأوى لكم؟ (أيها الشرطي النذل لم تجلد تلك البغي ؟ عر ظهرك أنت فأنت ملتهب بالشبق لتفعل معها ما أنت تجدلها من اجله) وغيرها تنطوي على مضمون أكثر عمقا وأكثر أهمية من وجهة نظر تطور الحدث المأساوي بالمقارنة مع الفكرة المتعلقة بمعاقبة السلطان الغليظ القلب الذي تعين عليه ان يجرب بنفسه معاناة التعساء.ان مغزى هذه المونولوجات لا تكمن في الشعور بالتعاطف أو الندم بل في عدم المصالحة مع تلك الحالة للعالم التي تضفي الشرعية على المعاناة والخديعة والسخرية من الآخرين والكذب وغلظة القلب وغيرها من الإشكال اللا إنسانية الخاصة بتعامل الإنسان مع الإنسان) (3) فالرموز المشتغلة بدلالات تبنى النص تصاعديا مع الحدث باعتبارها وصفا رمزيا في النص(السلطة، اللص) الاغتراب خارج الوطن للأبناء ...والرجوع لحنان الوطن (إلام) مهما حصل في الخارج ومهما كانت شدة قوة أبنائه (الابن) فيقول ابن خلدون : قد لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير. فالثابت الوطن يغدق كل ما لديه من حنان فيستحق الرمز (إلام) وهي تعيش السكون والصمت في كل وقت يصرخ الابن في وجهها ويطلق التاففات .هكذا الثابت الوطن يبقى على الامتداد حاضنة حتى لمن يسيء له من الأبناء رغم عدم نسيان فعالهم ألا أن المسامحة عطفا امومياً باشتغالات الرمز من لدنه .وثمة أصرة اتصال تقاربيه تفصح عن بعض المرمزات في اشتغال النص . (شحه الماء ولجوء الام للتيمم .....التبذير في إغراق الابن لنفسه بسيل من الماء..رغم محدودية الإناء هذا المتغير وفق النطاق قصير المدى في تسلية النفس بعيداً عن الام / الوطن) (ان الخطاب المسرحي يختلف عن بقية الخطابات الفنية والإبداعية الأخرى سواء من حيث بنيته الشكلية أو من حيث بنياته المضمونة والدلالية، تلك البنيات التي منحت الخطاب المسرحي مجموعة من السمات النوعية وعددا من الخصائص الفنية المركبة، هذا فضلا عن تلك الصفة الملازمة له والمحددة لفرادته وتمايزه وهي صفة "التمسرح" التي لا تتحقق إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الظاهرة المسرحية تتداخل في تحديدها ثلاثة مكونات أساسية هي : النص والعرض والتلقي (4) أن الإساءة والطعن غدرا للوطن يحيله إلى متأرق ...والأشد وقعا اعتقاد الأبناء بصحة فعالهم (الأم:كابوس....كابوس...يأتي كل حيـن ...يأتي كل يوم وكل ليلة... الأم :- كابوس...هـذه الحيـاة مجرد كوابيس...كوابيس تعيش معـنا..في يقظتــنا..في منامـنا.. كوابيـس لعيـنة... ؟؟) ويفصح هذا على تمفصل يجعل أولئك المسيئون أشباح الماضي تورق خدر الوطن وتكثر من كوابيسه ....اما العنوان (الصدى) فثمة مكاشفة للمضمن يرئسها العنوان لفاعلية مقصديه فثمة صلة وثيقة لدى المرسل يكشف من خلال العنوان على التجليات الدلالية في النص المسرحي . مسرحية الصدى نص مسرحي يضمن حداثة كشفها المرمز في التنقيب على وضعيات البناء والنقد للواقع الخارجي بتمثيلات مؤثرة في اختيار مادة وشكل وجوهر الرمز .
...................
(1) مسرحية الصدى تأليف د.مجيد الجبوري
(2) هيجل – الإعمال / المجلد 12 ص 220
(3) نظرية الأدب / الدراما / الفصل 4 – م .س كورينيان
(4) د• محمد الكغاط
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1552 الخميس 21/10/2010)