قضايا وآراء

الدراسات المستقبلية والعلوم .. مقاربات فكرتقنية / رحيم الساعدي

عن الأسباب والشمولية واليقين والدقة والتجويد،اما العقبات التي تعترض مفهوم العلم والعلمية فهي،الأسطورة والخرافة والخضوع للسلطة والشهرة والرغبة والتمني وإنكار قدرة العقل والتعصب .

ان الكثير من هذه الصفات تعد سمة أساسية للدراسات المستقبلية، التي تعني ان التراكمية إنما هي ( كم المعلومة ) التي ننظر على أساسها إلى معرفة الغد اما التنظيم فان ارتباط مفاهيم الإدارة والتخطيط والتنبؤ المبني على القياس والاستقراء ووضع الفروض العلمية وبناء السيناريوهات المتسلسلة ما هي إلا إحالة إلى علم منظم افتراضي .

إن الدراسات المستقبلية تحمل صفة العلم بسبب :

•    اعتمادها للمناهج العلمية المهمة كما في المنهج التحليلي والاحتمالي والحدسي والافتراضي

•    استخدامها للأدوات العلمية مثل الاستنتاج والتحليل والمقارنة والقياس والمنطق      يضاف لذلك الالتزام  بالموضوعية .

•    وجود الغاية التي تسعى إليها تلك الدراسات .

•    استخدام وسائل المعرفة كافة مثل الحواس والعقل والحدس .

وفي الحقيقة، لا يمكننا فهم الدراسات المستقبلية بمعزل عن كونها علما أولا ثم لا  يمكننا افتراض ابتعاد الدراسات المستقبلية عن العلوم المختلفة ثانيا .

ان فهم المستقبليات لا يتم من دون الجهود المهمة لمختلف العلوم، ومع هذا فان العلوم بمجملها اتكأت على أساس ميتافيزيقي في كثير من المسائل فهي تعتمد التخمين والحدس أو الافتراض بصورة عامة، إذن فهي علاقة تشاركية  وتداخلية مع بعضها البعض .

لهذا نلاحظ أهمية الرياضيات بالنسبة إلى تركيب النتائج وتحليلها والإحصاء وكذلك المنطق فما يتعلق بالاستقراء والاستنتاج، وهكذا يمكن القول بالنسبة إلى علاقة علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع وعلوم الإدارة وغير ذلك، يضاف لذلك المناهج المختلفة التي منها الحدسي والافتراضي والتحليلي ...الخ، والارتباط والتداخل بين العلوم والفكر أو العلم المستقبلي  صنعته الضرورة والحاجة سيما المرتبط بالمناهج التي تبين انها تفترض أو تنحو نحوا أو تتنبأ أو تشترط أو تتوقع وغيرها من الألفاظ ذات الدلالات الموحية إلى مسالة أو حدث مقبل .

ويرى د. ماجد فخري أنها (الدراسات المستقبلية) علم، استناداً إلى أنها تحوي موضوعا محددا معتبرا انها كائنا (لم يوجد بعد) ولكنه قابل للوجود في الزمان المستقبل، بالإضافة إلى منهج (التجربة والاختبار: من خلال خبرة الأجيال الماضية، الاستدلال والاستقراء، والتعميم) مما يؤدي إلى الخروج بأحكام عامة متماسكة منطقياً .

وهناك وجهة نظر مغايرة للباحث هاني محمد خلاف فهو يقرر أنها لا تمثل علماً مستقلاً، لأن موضوع المعرفة فيها غير محدد فهي (قد تتناول ظواهر اجتماعية وقد تتناول ظواهر طبيعية)، كما أن فكرة الظاهرة التي تدرسها (المستقبل) غير موجودة بالأصل، ويرى أن هذا لا ينتقص من قيمة الدراسات المستقبلية في بنيان المعرفة اذ أن المستقبلية يمكن أن تكون فلسفة ويمكن أن تكون منهجاً .

ولعل الباحثين يتغافلون عن مسالة ان أكثر التخمينات الفكرية والعلمية جاءت بنتائج مهمة بالنسبة إلى العلم والفكر كما في حدس اليونان وتخميناتهم أو الفلسفة الحديثة عند ديكارت وسواه، فهي لم تكن تحمل تحديدا مطلقا وقصدا مباشرا، بل لم تكن تحمل صدقا وقوة مطلقة ولعلها قابلة للنقاش أو التغير فيما بعد، ومع هذا فقد نجحت وبنيت عليها كثير من الأسس مع انها كانت تخمينية .

ويلاحظ ان من الباحثين من يدرج علم المستقبل ضمن مفهوم علم الاجتماع لا الرياضيات،على اعتبار انه يقود إلى معارف دقيقة عن الإنسان وعالمه  .

كما ان عدم الفصل بين الظاهرة الاجتماعية من ناحية، والتطور التكنولوجي من ناحية ثانية، يشير  إلى ربط بين بعدين هما الدراسات المستقبلية الخاصة بالتطورات التكنولوجية، و الخاصة بأثر التطورات التكنولوجية المشار إليها على الظواهر الاجتماعية مع إيلاء الأبعاد السياسية أهمية واضحة، وأدت هذه المسألة إلى تحول كبير في مناهج البحث في الدراسات المستقبلية، فأصبح الربط بين التقني والاجتماعي والتفاعل بينهما من بين أسس الدراسات المستقبلية، التي تركز في كيفية إيجاد طرائق بحثية تربط بين التطور التقني والتطور الاجتماعي المستقبلي، الذي تجلى بشكل كبير في بعض التقنيات المعروفة مثل تقنية دلفي  أو مصفوفة التأثير المتبادل .

وفيما يتعلق بالعلوم العسكرية أو السياسية فقد تنبهت المؤسسة العسكرية الأمريكية على جدوى الدراسات المستقبلية، وركزت في توظيفه لصالح الأمن القومي، وكانت القوات الجوية الأمريكية هي الأكثر اهتماما بهذا الموضوع، ولعبت مؤسسة راند (Rand) من خلال جهود عالم الرياضيات الأمريكي أولاف هلمر (Olaf Helmer) دورا بارزا لا سيما في التوسع في استخدام تقنية دلفي .

  وللدراسات التاريخية ارتباط مهم بالدراسات المستقبلية،فقد عدها الباحث أحمد صدقي الدجاني عند تعريفها بأنها (امتداد للدراسة التاريخية...وهي تتناول بالحديث المستقبل من خلال النظر في الحاضر والماضي ... وهي محاولة علمية تتكامل فيها الدراسات لمعرفة جوانب صورة الحاضر وتحليلها والتعرف الى مجرى الحركة التاريخية من خلال دراسة الماضي و ملاحظة سنن الكون، والانطلاق من ذلك كله إلى استشراف المستقبل وصولاً إلى طرح رؤية له، وتتضمن هذه الرؤية توقعات يحتمل حدوثها استمرارا للحركة التي تحكم الواقع القائم، وبدائل وخيارات وأحلاماً يجرى التطلع لتحقيقها بممارسة الفعل) .

إن القيام بالدراسة المستقبلية لا يعني فصل حلقات الزمن الثلاث بالتركيز في المستقبل، بل يتم النظر إلى الزمن بحلقاته الثلاث (الماضي والحاضر والمستقبل) بشكل متوازن، وبالقدر من الاهتمام  تجري دراسـة ظواهر الماضي في إطار علم التاريخ، ومن هنا تظهر أهمية العلاقة بين الدراسة التاريخيـة والدراسة المستقبلية، إذ تعد الدراسات المستقبلية في كثير من الأحيان امتداداً للدراسة التاريخية، فإذا كان علم التاريخ يحـاول تطوير علل وأسباب للظواهر الاجتماعية الماضية، فان تلك العلل والأسباب لا تنطبق فقط على الأحداث التاريخية ولكن يمكن أن تفسر أيضا أحداث ووقائع مستقبلية افتراضية . والتاريخ حدث تحقق اما المستقبل فهو حدث مفترض ولكن الأحداث تتشابه ولهذا فان العلاقة بينهما  إنما هي علاقة القياس والافتراض والاستنتاج والمقارنة  .

وربما يمكننا فهم تداخل العلوم مع بعضها عند استعراض الأساليب التي تدخل ضمن الدراسة المستقبلية،وهي تتعاطى مع الاقتصاد والإدارة والرياضيات والالكترونيات والمنطق ...الخ ومن ذلك :أسلوب النماذج السببية Causal Models؛ وهنا يتم التنبؤ بقيم متغير ما أو مجموعة متغيرات باستعمال أنموذج يحدد سلوك المتغيرات المختلفة استنادًا إلى نظرية معينة. ومن أشهر هذه النماذج نماذج الاقتصاد القياسي Econometric Models، ونماذج المدخلات والمخرجات Input-Output Models، ونماذج البرمجة Programming Models أو الأمثلية Optimization، ونماذج المحاكاة Simulation Models، ونماذج ديناميات الأنساق Systems Dynamics (التي تعد دراسة «حدود النمو» لنادي روما من أشهر تطبيقاتها) .

إن الدراسات المستقبلية بالإضافة إلى العلوم المختلفة التي ترتبط مع مناهج البحث العلمي مثل الحدسية والتحليلية والتنبؤية والتخمينية، قامت بتوظيف الفن والأدب أيضا وذلك باستخدام أسلوب السيناريو وهو منهج فني استثمرته الدراسات المستقبلية بالاعتماد على السيناريو الفني .

وقد امتد استخدام الدراسات المستقبلية إلى مجالات متعددة ترتبط بعلم من العلوم أو تمثل أسس ذلك العلم، ومن أهمها المجالات الآتية:

1. النمو السكاني العالمي والغذاء والاقتصاد العالمي ومصادر الطاقة.

2.   التلوث البيئي،المتعلق بعلوم مختلفة منها الطب والجغرافيا والبيئة وعلوم الجو والاقتصاد ...الخ .

3. السلام والصراع العالمي والحروب، نظام الأمم المتحدة وتسييس العولمة، وهو ما تعلق بالسياسة

4. الاقتصاد ويعتني بــــ الفجوة والعلاقات بين الدول الفقيرة والغنية، التكتلات الاقتصادية العالمية والإقليمية، اتجاهات العولمة الاقتصادية.

5. علم الاجتماع ويبحث التفكك وتشرذم القوى المجتمعية.

6. التكنولوجيا الجديدة والبناء المجتمعي.

7.   اتجاهات قوة العمل مثل أنماط الإدارة الحديثة، والتوظيف والبطالة.

8.  تغيير النماذج الثقافية.

9.  اتجاهات التعليم والتعلّم .

 

..............

من كتاب مقدمة الى علم الدراسات المستقبلية

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2016الثلاثاء 31 / 01 / 2012)

في المثقف اليوم