قضايا وآراء

غالب الشابندر المُنظر المظلوم / أزهر السهر

وأنا أقول بأنه يمكن أن يسمى بأسماء أخرى فهو "علي شريعتي العراق" وهو "عبد الكريم سروش العراق" وهو "مالك بن نبي العراق" وهو "سيد قطب العراق" وهو وهو أكثر من ذلك بكثير.

الفرق بينه وبين الأسماء المذكورة أنها كرمت من قبل شعوبها تكريما عظيماً، مع إننا العراقيين نجهل ونتنكر لمفكر ومنظر من الطراز الأول بل النادر بمستوى غالب الشابندر.

كنت أفكر في نفسي قبل سنوات لو أن أحداً من الأكاديميين أختار المفكر غالب الشابندر عنواناً لأطروحته في مرحلة الدكتوراه، كم يحتاج من جهد جهيد في جمع وتتبع تراث هذا المفكر؟ وهل تكفيه المدة الممنوحة قانونياً لأكمال كتابة الأطروحة؟ وكم سيكون عدد صفحات هذه الأطروحة؟ وهل يبحث في كل تراث هذا المفكر الكبير أم يقتصر على جهود الشابندر القرآنية، أم التاريخية، أم السياسية، أم الأدبية، أم، أم وكل واحدة منها تحتاج إلى أطروحة دكتوراه مستقلة بذاتها؟!

لقد تعمدت أن أسمي الأستاذ الشابندر بـ"المنظر" لأن وجود المنظر الحقيقي في المجتمعات كل المجتمعات يعد شيئاً نادراً جداً يصعب توفره فضلاً عن إيجاده.

والأستاذ الشابندر منظر من الطراز الأول وبكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.

لهذا لم أتعجب عندما كنت في معرض للكتاب في مديني البصرة الحبيبة اُقلب في صفحات كتاب "الآخر في القرآن" تأليف الأستاذ الشابندر وصادف بقربي القاص العراقي الكبير الراحل "محمود عبد الوهاب" الذي خاطبني بدون أي مقدمات "أخذه هذا كلش خوش كتاب".

عرفت المنظر الكبير غالب الشابندر في زمن النظام البعثي الدموي عندما كان اقتناء الكتاب يؤدي بصاحبه الى حبل المشنقة، إذ وقع في يدي عن طريق احد الاصدقاء كتاب بعنوان "الفكر العميق في الأزمة الحضارية" بقلم :غالب حسن، وكانت محتويات الكتاب عميقة بمستوى عنوان الكتاب وأعمق منه بكثير. فجازفت انا وبعض الشباب المؤمن يومذاك بنسخ الكتاب الى عدة نسخ وتوزيعه على الشباب للاطلاع على مضامينه التي ما زالت عالقة في ذهني.

وكنت في حينها أحسب بأن مؤلف الكتاب ممن شملهم البطش الصدامي الذي بطش برجال أقل وعياً بكثير من مؤلف الكتاب، ولكني فرحت كثيراً عندما عرفت بعد سقوط النظام البعثي بأن مؤلف الكتاب "غالب حسن" هو نفسه غالب الشابندر الذي ما زال معطاءاً في فكره وجهاده.

لقد جرت بيني وبين الاستاذ الشابندر مراسلات الكترونية ناقشته فيها  ببعض آرائه في بعض القضايا التاريخية والسياسية، فتعمقت من خلال تلك المرسلات القليلة معرفتي بالاستاذ الشابندر إذ وجدته أكبر وأكبـر من الصورة التي رسمتها له في مخيلتي، إذا كان إنساناً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى:

ـ متواضع

ـ موضوعي

ـ ترابي

ـ وطني

ـ غيور

ـ متفاني

ـ شجاع

ـ عطوف

ـ معطاء

ـ مضحي

ـ ثوري

ـ مغير

ـ مجدد...إلى آخر صفاته الكثيرة.

أعتقد بأن على طلبة الدراسات العليا أن يهتموا بدراسة فكر الشابندر المترامي الأطراف، بدل اتباعهم طريق الترف الفكري في دراسة شخصيات هزيلة لا يبتغون من خلال دراستها سوى الزلفى والشهرة وغيرها من حطام الدنيا الفانية.

إن مثل الاستاذ الشابندر يحتاج الى مؤسسة بحثية نشطة تعنى بجمع تراثه الكبير ونشره في المجتمع العربي والاسلامي لما له من عمق فكري كبير ينهض بالمجتمع من الواقع المزري الذي هو عليه الآن.

إن مثل الاستاذ غالب الشابندر لا يمكن ان يموت او ينسى بل سيبقى فكره وكلماته ونضاله العظيم يضئ دروب الاجيال المسلمة المتنورة، ويرعب العقول الجاهلية المتحجرة مهما تقادم الزمن.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2035 الأحد 19 / 02 / 2012)

 


في المثقف اليوم