تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

إنكم متخلفون بفعلتكم هذه عقليا وأخلاقيا وسلوكيا فلا تزايدون علينا بالوهم

عبد العزيز قريشعجيب لهذا الغرب الذي يدعي مبادئ دولة الحداثة التي ترتكز بالأساس على حرية الإنسان واستقلاليته، وعلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى الحق والمساواة وتكافؤ الفرص ... وجملة من القيم عريضة طويلة مدبجة بها قوانينها وتشريعاتها الوطنية، وحتى الدولية التي تتبجح بخلقها وإبداعها لمقاربة قضايا الدول ومشاكلها في إطار من السلم العالمي. أن يركب بعض الشعارات لضرب كل ما يدعيه من قيم ومبادي إنسانية وحضارية في العمق، ويهدم ما أسسه في عقولنا نحن العرب والمسلمين من وهم حضارتهم الإنسانية التي بنيت أصلا على جماجم أجدادنا، وعلى ثرواتنا الوطنية التي نهبوها إلى النضوب استعمارا عسكريا مباشرا واستعمارا ناعما يغرق في الذاتية والتوحد. لا يعرف سوى لغة التزييف والمغالطات والكذب على العقول الموهومة! وما هم من الحضارة الإنسانية إلا رعاة بقر غارقون في إبادة الإنسانية بالسلاح والتجويع والفتن والقتل غير المبرر، وتشجيع العنصرية والسادية والفاشية والنازية الجديدة التي تقع إسرائيل على قمة هرمها.

فها هو رئيس من تدعي دولته شعارا ثلاثيا " حرية/Liberté، مساواة/égalité، أخوة/ fraternité" يخرج علينا مبررا الاعتداء على حرمة الأديان والمعتقد الديني للأفراد والجماعات والشعوب بمسوغ حرية الرأي! وأي حرية للرأي هذه التي تقف سدا منيعا أمام البعض وتفتح أبوابها أمام البعض الآخر؟! وأية حرية هذه التي تؤسس للكراهية والعنف بين مكونات مجتمعه أولا وبين الشعوب والدول ثانيا؟ ألم يع خطورة ما ذهب إليه من قول وسلوك وإجراءات باسم حرية الرأي؟ ألم تكن جريمة القتل لأستاذه المتهور نتيجة وليس سببا؟ أليست مجرد ردة فعل عنيفة هو وأمثاله من الغربيين أسسوا لها سابقا بدعمهم للفكر المتطرف في بلداننا، سواء منه الإسلامي مباشرة أو يمينه المتطرف بطريقة غير مباشرة حين خلق للتطرف تطرفا نظيرا له؟ أنسي أن لحرية الرأي قيما وأخلاقيات وحدودا لا يمكن تجاوزها؟ ألا تشهد محاكمه قضايا تمس هذه الحرية؟ أحرية الرأي تتطلب التعدي على حرية الآخرين؟ وتهتك حرماتهم وخصوصياتهم؟ ...

عندما قام الأستاذ بضرب حرية المعتقد الديني في الصميم بالإساءة إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم، لم يدرج هذا الرئيس الإساءة في العنف ولا في التطرف، وإنما عدها حرية رأي! وعندما حصل ما كان متوقعا ردة فعل مقابل فعل سبب، قامت الدنيا ولم تقعد؟! فأي ازدواجية للغة وللمعايير وللقيم مفضوحة ومستهجنة من دولة وسمت بالثقافة والأدب والفنون والجمال والذوق الرفيع ... أم لم يبق لها شيء من ذلك؟ وأصبحت شبيهة بنا حسب ما تصنفنا به هي، ووفق ما ترانا به هي؟ فأي فارق بين ما فعله الأستاذ وما فعله قاتله؟ فالأستاذ قاتل لقدسية نبي مرسل من الله تعالى، يؤمن به صلى الله عليه وآله وسلم خلق كثير، ومنتهك لحرمة الأديان التي تتمتع بها جميع الأديان السماوية، ومؤجج لفتنة إنسانية كبرى في العالم؛ بينما قاتله قتل فردا واحدا ردة فعل على استفزازه. فلو لم يفعلها الأستاذ لما حصلت الكارثة؛ لذا؛ كان على الأستاذ لو كان حكيما ألا يدخل إلى مناطق خطيرة تغذيها دول عديدة بما فيها دولة الحرية، بالكراهية والعنف والحقد ...؟! ونحن لسنا مع الأستاذ في فعله ولا مع التلميذ في ردة فعله، وإنما نحن مع العقل والحكمة والرزانة. أما الاختلال العقلي والمرض النفسي الذي يزيد الطين بله، والنار بنزينا وزيتا، فلسنا معه بالمطلق. ولسنا بالمرة مع التعصب الديني والإيديولوجي والسياسي والاثني التي يخرب المجتمعات الإنسانية ويحط من كرامة الإنسان.

ولنفترض هنا أن أحدا انبرى باسم حرية الرأي إلى التهكم والسخرية من شعارات وقيم وتاريخ وشخصيات هذا البلد الذي تسكنه المتناقضات في العمق حسب ما ظهر في نازلته الحالية. لقاد هذا الرئيس المتهكم والساخر إلى ردهات المحاكم، ولحكموا عليه بأشد العقوبات أو لنفترض أن أحدا من أهله هو أنكر المحرقة اليهودية لساقه إلى المحكمة في أعلى درجاتها لتحكم عليه بعديد من العقوبات الشديدة ولنزعوا عنه الجنسية ونبذوه باسم معاداة السامية ! فأي من قيم أبقيتم لهذا البلد؟ أيستطيع أستاذ واحد إظهار جرائم الصهاينة في الفلسطينيين؟ ألا تبررون ذلك بحق الدفاع عن النفس؟ لا لما صدر عنك أيها الرئيس ولا لما صدر عن الأستاذ ولا لما صدر عن التلميذ فكلكم مدانون بجرمه ... فلا تزايدون علينا في القيم والأخلاقيات والسلوكيات، فأنتم لستم سوى رديفا إنسانيا تعتوره أحوال الإنسان من تخلف وتقدم، وحق وباطل، وفضيلة ورذيلة ... ولا تمتازون عنا في شيء، وربما نحن بقيمنا وأخلاقنا وترثنا الحقيقي غير الذي زيفتموه ومستشرقوكم المحليين، قدوة لكم في تصحيح المسار. فنحن نعترف بالرسل والأنبياء ونصلي ونسلم عليهم، ولا نسمهم إلا بسماتهم المذكورة في قرآننا الكريم، ونحترم معتقدات الآخرين انطلاقا من حرية المعتقد الذي جاء في قرآننا الكريم؛ " لكم دينكم ولي دين  " ( الكافرون:6 ) و " إن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون " (يونس: 41) و" لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " (القصص: 55). ولا نقر أحدا باسم حرية الرأي أن يسيئ للأنبياء والرسل عليهم السلام. فتلك أخلاقنا وقيمنا ومعتقداتنا الدينية التي تدبر سلوكنا وأفعالنا وعلاقاتنا مع النفس والغير. لا نحب من يتعدى عليها مقابل عدم تعدينا على أخلاقيات وقيم ومعتقدات الآخرين الدينية.

فمن هذا المنطلق الذي ضمنه شجب العالم العربي والإسلامي فعلي الأستاذ والتلميذ وما صدر عنكم من تبرير غير مبرر، وجب عليكم السيد الرئيس الاعتذار عما ذهبتم إليه من تحيز مغلف بورق الهدايا الملغومة المزركش بالألوان، وأن تلزم نفسك قول الحق، وتحث مواطنيك على احترام الآخرين وخصوصياتهم المتنوعة. فنبينا عليه الصلاة والسلام ليس محط حرية الرأي التي لا تعرف للقيم قدسية ولا قيمة اجتماعية ودينية ... ولا نقبل التهكم عليه الصلاة والسلام تحت أي مسوغ كان. فهو أرقى وأعظم من الأستاذ والرئيس معا، ومن لغتكم الهجينة التي لا تقنع إلا العقول البسيطة. فحرية الرأي تكون بتحقيق وقائع التاريخ واكتشاف زيفها من حقيقتها، وأكاذيبها من صدقها. وخلق الروابط البانية للإنسانية لا المحطمة لها، وخلق السلم العالمي واحترام حقوق الإنسان أين وجدت، وتقدير الاختلاف في مختلف المناحي الحياتية، واحترام المعتقدات الدينية ... فهذه هي حرية الرأي والأخوة والمساواة بين الإنسانية. أما ما فعله الأستاذ والتلميذ وما نطقتم به فهو عين الخراب الإنساني. فكونوا قدر بلدكم المزعوم، وكونوا قدر المسؤولية الملقاة على عاتقكم، فأنتم رئيس دولة وليس رئيس قبيلة يغشي عقله العقل العاطفي في جانبه السلبي. ولستم همجا سائبا في براري أمريكا يحمل سلاحا لقتل الهنود الحمر، وإبادتهم كما فعلتم في بلداننا إبان استعماركم العسكري، وما تفعلونه الآن بالاستعمار الناعم ... فلا تزايدون علينا بالوهم لأنكم بفعلتكم هذه متخلفون عقليا وأخلاقيا وسلوكيا.

 

عبد العزيز قريش

 

 

في المثقف اليوم